للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

أزمة الشعر العربي المعاصر، وعلاقتها بأزمة الفصحى

د. سليمان علي عبد الحق


     كانت القبائل العربية في العصر الجاهلي تفخر بشعرائها ، وكانت تقيم الأفراح أياماً ولياليَ كلما ولد لها شاعر مبدع ؛ وذلك لأن الشاعر القديم كان ناطقاً بلسان القبيلة ، ومعبراً عن حالها ، ومذيعاً لمفاخرها ومآثرها ، أي أنه كان بمثابة "وكالة أنباء" صحفية بالمعنى المعاصر ، كما كان يحفز صناديد القبيلة بشعره الحماسي للذود عنها ، وأحيانا كان يصاحب المقاتلين في المعارك ، هذا فضلاً على إمتاعه جمهور المتلقين بمعانيه الخلابة ، ودغدغة مشاعرهم بصوره الفنية.
   و كلما قرأت عن هذه المكانة التي حازها الشاعر القديم ، ولاسيما في العصر الجاهلي ، تساءلت : لماذا فقد شعراؤنا المعاصرون مثل هذه المكانة السامية ؟!
   ولقد حاولت أن أبحث عن الأسباب الرئيسة وراء أزمة الشعر العربي المعاصر؛ فوجدت أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأزمة صاحبة الجلالة – اللغة العربية الفصحى – فلقد أصبحت العربية غريبة بين أبنائها ، تعيش فقط في الكتب والمعاجم ، ويلهج كثير من أبنائها بمآثرها الغابرة ، في المؤتمرات والندوات ؛ التي ينتهي أغلبها إلى لا شيء .
   جفت الفصحى الرائقة على ألسنة كثير من أبنائها ، وأصبح أكثر الطلاب في مختلف المراحل الدراسية يتجرعون مفرداتها على مضض ؛ بسبب معلمٍ مبتديء لا يجيد تدريسها بطريقة صحيحة ، أو لأنه هو نفسه غير مجيد للعربية ، وفاقد الشيء لا يعطيه .
   كما غابت الفصحى السليمة عن كثير من منابر الإعلام المعاصر ، سواءً في البرامج الإخبارية ، أم في البرامج الحوارية والندوات ، وأصبح هناك مذيعون ومذيعات يسيئون للعربية الفصحى صوتياً ، وصرفياً ، ونحوياً ، ودلالياً ، لدرجة جعلتنا نرجوهم أن يلهجوا بالعامية. ناهيك عن هذا التلوث اللغوي الفجّ الموجود في الشريط الإخباري أسفل كثير من القنوات المتلفزة . كما أن مواقع التواصل الاجتماعي قد أسهمت بشكل مزرٍ في تهميش الفصحى ، ونشر كثير من العجمة بين أبنائها الذين أضحوا  يرددون ما يكتب فيها بطريقة عمياء ، و دون أي فحص أو تمحيص .
     أما إذا عدنا إلى ما بدأنا به من الإقرار بوجود علاقة وثيقة بين أزمة الشعر المعاصر ، وأزمة الفصحى ، فحدِّثْ ولا حرج ؛ حيث أصبح الشعراء هذه الأيام غثاءً كغثاء السيل ، وما أكثر الكتب التي تحمل اسم "ديوان شعر " ، و "شاعر" ، وما هي من الشعر في شيء ، ولا أقصد من كلامي هذا ما يكتب باللهجة العامية ، بل ما يزعم أصحابه أنهم يكتبون بالفصحى ؛ فكثير من هذه الدواوين المزعومة لا تحمل من الشعر سوى اسمه وشكله ؛ حيث إنها تفتقر إلى أبسط قواعد فن الشعر وأسسه الشكلية والموضوعية ؛ فجلُّ ما يشغل هؤلاء المتشاعرين – إنْ صح أن نلقبهم بهذا اللقب – هو ضبط الوزن في الشعر العمودي ؛ الذي يتمثل في البحر العروضي ، والقافية الموحدة ، ولكن إذا ما حاولنا أن نبحث عن جماليات القصيدة ، لم نظفر يشيء ، وعدنا بخفيّ حنين ؛ حيث لا نحظى سوى بعدة ألفاظ مؤلفة بشكل متعسف وغير سوي ، بدت عليها أمارات التكلف والمعاناة ، كما أنها تفتقد لما نسميه في الشعر بـ"حسن التصرف" ؛ حيث إن الواحد من هؤلاء تملكه القافية ولا يملكها ، فيضحي بالمعنى في سبيل أن يأتي بكلمة رويُّها يطابق رويَّ القوافي السابقة ، غير مكترثٍ دلالة هذا اللفظ أو معناه .
     ومن المؤسف أيضاً أن نجد كثيراً من أولئك المتشاعرين يبحثون عن مجرد لقب "شاعر" يدبٍّجون به سيرتهم الذاتية ، ويتفاخرون به في ندوة "مدفوعة الأجر" ، غير عابئين بما يرتكبونه من جرم في حق الشعر العربي ؛ حيث إننا نجد كثيراً منهم ينفق حفنةً من المال لإصدار ديوان شعر مزعوم ، ويحسن إخراجه وتجليده وبهرجته ، لكن القاريء عندما يشرع في قراءة أول قصيدة منه ، يمقت الشعر والشاعر معاً !
    سبحان الله ، لو تأملنا السير الذاتية لأغلب الشعراء العظماء في أدبنا العربي ، بل في أغلب آداب العالم ، لوجدنا أن أغلب هؤلاء المبدعين نشأوا في بيئات فقيرة ، وعانوا شظف العيش ، وعركوا الأيام وعركتهم ، فنبهت قرائحهم ، وألهبت مشاعرهم ، وأنضجت مواهبهم ، فنطقوا شعراً وسحراً ، يملك الألباب ، ويأسر القلوب ؛ لما يزخر به من صدق التجربة ، وحيوية الخيال وخصوبته ، ولهذا لم يكن غريباً أن يقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ من البيان لسحراً ، وإنَّ من الشعر لحكمة ).
      ولا أعمم رأيي السابق ، لكنني أرى أن أزمة الشعر العربي المعاصر يرجع سببها إلى مدَّعي الشعر أو المتشاعرين ، وهؤلاء بدورهم يسهمون في تعميق أزمة صاحبة الجلالة ، وينكأون جراحها ؛ برداءة شعرهم ، وإفلاس مخيلتهم ، بدلاً من أن يمدوها بمعين لا ينضب من الألفاظ والمعاني ، كما كان يفعل أسلافنا من الشعراء المفلَقين .   


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية