للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

أي عيون هي ...؟

أ. حسن إبراهيم الأفندي

قلت مرة في إحدى مقالاتي عرضا , كلما مات شاعر أو كاتب أيا كانت درجته وقدراته, ظهر من ينعيه وينقل خبر وفاة ذلك القامة العالية الشاهقة , وينبئنا عن وفاة آخر المبدعين وآخر الأهرامات الأدبية أو الشعرية , ولعلهم ينسون ما كتبوه عن هذا المرحوم , فإذا بهم يكتبون بعد أسبوع واحد عن ميت جديد بنفس الأسلوب ونفس الطرح ونفس الصفات والنعوت ! فليت شعـري أينا فعلا كان أو يكون القامة الكبرى أو الهرم الشامخ في عالم الأدب أو الشعـر , ومن منا عملاق زمانه أو آخر العمالقة؟ ومما يؤسف له أن تلك النعوت والصفات تطلق على من يستحق ومن لا يستحق , وعلى من كان ملء الأسماع والأبصار وعلى من كان نكرة مبهمة غير معروف إلا لمن يشرف على صفحة أدبية ما لأسباب ربما تكون شخصية بحتة لا علاقة لها بالشعر أو الأدب أو الثقافة . فهل ترى إن مت ينوبني من ذلك الحب جانب , على الأقل من المجلات والصحف التي كتبت فيها شاعرا وساخرا وجادا ولمدة زمنية لا بأس بها ؟ لا يهم ما يقال عني بعد موتي , فليقل من يقول بأني كنت صفرا على شمال رقم , ولكني فقط أعشم في شهادة سبعة من المسلمين يشهدون بأني كنت مسلما حقا , فيشفعهم الله في وينقذني بشهادتهم من الحساب والعقاب .
بعث إلي صديق أديب ببعض أبيات من الشعر يقول مرة إنها من طرائف الشعر ومرة يزعم أنها من عجائبه ومرة أخرى يروى أنها من عيون الشعر , قرأتها واستوعبتها جيدا , ولكني سألت نفسي مرة : أي عيون هي ؟ أعيون المها يا عيون كما تتغنى إحدى الأغنيات السودانية ؟ أم عيون المها بين الرصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري  كما يقول علي بن الجهم , أم العيون التي في طرفها حور والتي قتلننا وما أحيت لموتانا كما ذهب إلى وصفها الفرزدق ؟ أيا كان الحال , فلم أر فيها عيونا ولا رموشا ولا حواجبَ !
فالشعر إذا لم يكن إلهاما حقيقيا , ما كان شعرا , بعيدا عن الصناعة والتعب والركض إلى صياغة المعاني واختيار الألفاظ وكأننا نحمل إزميل فدياس نحفر به صخرا لنرسم صورة أو نصنع تمثالا . ومسحة الصناعة لا تخفى على القارئ الفطن في الشعر ولا يغلبه أن يكتشف التكلف والحشو بما يجب وبما لا يجب  , فالسلاسة والانسيابية وعدم التكلف من ظواهر وقرائن الإلهام والشاعرية . الكثيرون يستطيعون أن يتمرنوا على نسج القوافي ودراسة علم العروض والبحور والتفعيلات وأن ينظموا ما طاب لهم وشاءوا , ولكن يبقى السؤال : هل كتبوا فعلا شعرا ؟ الشعر مشتق في المقام الأول من الشعور , فإن فقد أولى مقوماته , فقد كافة صفاته وديمومته .
بعد هذه المقدمة المختصرة أدخل بالقارئ الكريم إلى ما وصلني من شعر وأولـه هذه الأبيات :
        ألوم صديقي وهذا محال
صديقي أحـبه كلام يقال
وهذا كلام بلــيغ الجمال
محال يقال الجمال خيال
وعذرا للقارئ , فالأبيات أقرب إلى كتابة السوقى والرجرجة والدهماء وسواد الناس, أجهد فيها الناظم نفسه فجاءت متنافرة الألفاظ لا جرس فيها ولا موسيقى ولا إغراء , وكل ذلك ليستطيع الشخص منا قراءتها أفقيا أو رأسيا , بمعنى أنك لو أخذت اللفظ الأول من كل بيت لوجدت أنك تقرأ البيت الأول , وأخذت اللفظ الثاني من كل بيت لوجدت أنه يكوّن لك البيت الثاني وهكذا .... فهل يا ترى هذا يعتبر شعرا يستدل به ويبتهج ؟
وخذ مثلا ثانيا :
حلموا فما ساءت لهم شيم ** سمحوا فما شحت لهم منن
سـلمـوا فلا زلت لهم قدم ** رشدوا فما ضلت لهم سنن
وهي أبيات من القصيدة الرجبية فيها مدح وثناء , ولكن إذا قرأتها كلمة كلمة , أي من قافية الشطر الثاني من البيت الأول إلى أول كلمة بالشطر الأول من البيت الأول فإن المدح ينقلب هجاء , وسوف تكون الأبيات بعد قلبها كما يلي :
منن لهم شحت فما سمحوا ** شيم لهم ساءت فما حلموا
سنن لهم ضلت فما رشدوا ** قدم لهم زلـــت فلا سلموا
وأعطاني صديقي مثلا ثالثا من قصيدة في مدح نوفل بن دارم , فإذا اكتفيت بقراءة الشطر الأول فقط من كل بيت مهملا الشطر الثاني , فإن القصيدة تنقلب رأسا على عقب , وتصبح ذما لا مدحا :
قصيدة المدح
إذا أتـيـت نـوفـــل بن دارم ** أمـير مخزوم وسـيـف هاشم
وجدتـــه أظلـم كــل ظالــم ** عـلى الدنانـيـر أو الـدراهـــم
وأبخل الأعراب والأعاجم ** بـعـرضـه وســـره المـكاتــم
لا يستحي من لوم كل لائم ** إذا قضى بالحـق فـي الجرائم
ولا يراعـي جانب المكارم ** في جانب الحق وعدل الحاكم
يقــرع من يأتيه سن النـادم ** إذا لــم يكـــن من قـــدم بقادم
وقصيدة الذم
إذا أتـيـت نـوفـــل بن دارم ***** وجدتـــه أظلـم كــل ظالــم
وأبخل الأعراب والأعاجم ***** لا يستحي من لوم كل لائم
ولا يراعـي جانب المكارم ***** يقــرع من يأتيه سن النـادم
ورغم براعة النظم , إلا أن الشعر يظل شعرا ويبقى النظم نظما , ولعل أن هذه الأبيات وشبيهاتها كتب لها البقاء لما فيها من ألاعيب وما يشبه الألغاز  Puzzles)) في الغالب الأعم , ومن هذا الجانب تأخذ رونقها وزخرفها لا من جانب الإبداع الشعري الذي نعرفه في معانيه وموسيقاه , وهالة مواكبه التي تزحم النفس وتملأها رضا وسعادة .
Our sweetest songs are those that tell of saddest thought.  بمعنى أوضح ( الفكر الحزين ) وذلك كما يقول شيلي والفكر الحزين يعني الألم والمعاناة.                                    


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية