للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

مستقبل اللّغة العربيّة

أ.د. عبد الحميد عبد الواحد

أيجدر بنا أن نتحدّث  عن  مستقبل الّلغة  العربيّة  بمعزل عن الحديث   عن مستقبل الثقافة العربيّة عموما ،  باعتبار أن الثقافة  هي  كلّ أشكال التعبير الأدبيّة والفنيّة أو الإبداعيّة؟ ويقرّ الباحثون والدارسون المهتمّون باللّغات اليوم أنّ اللّغة، أيّ  لغة، هي لصيقة  الثقافة  والفكر، ولصيقة  كلّ  صور الإبداع، والتطوّر العلميّ والتكنولوجيّ. وهي ليست دعامة  من دعامات  الثقافة وحدها، وإنّما هي  مقوّم  من مقوّمات الفكر أيضا. وهي  تساهم بالتالي، ولا شكّ،  في  بناء  كيان الأمّة  وحاضرها  ومستقبلها. ووقائع  التاريخ المعاصر في عالمنا  اليوم، تثبت هذا وتدلّل عليه، ولا أدلّ على ذلك من أهميّة  إرساء دعائم اللّغة  في الثورة الفرنسيّة والثورة الروسيّة والثورة الصينيّة والنهضة  اليابانيّة. وتقريب  مقوّمات  الثقافة  وأبعادها  في  بلدان  أوروبا الغربيّة، وذلك بالرغم  من عدم  وجود لغة  أوروبيّة مشتركة أو موحِّدة. في الوقت الذي تمرّ فيه الدول العربيّة التي تمتلك لغة واحدة ومقدّرات واحدة  بحالة  من التشتّت الثقافيّ، وعجز واضح تعانيه اللّغة العربيّة، تظهر نتائجه  في طبيعة التعليم في هذه  البلدان، وفي الثنائيّة اللّغويّة القائمة بين العربيّة الفصيحة والعربيّة الدارجة، وفي الازدواجيّة اللّغويّة القائمة بين اللّغة العربيّة  واللّغة  الأجنبيّة، وفي  مستوى التعليم  ومُخرجاته،  وتدريس العلوم  باللّغات  الأجنبيّة، وضعف  حظّ  العربيّة  في المؤسّسات  العلميّة والتكنولوجيّة، باعتبارها لغة علم  ولغة بحث، هذا بالإضافة  إلى مشاكل نقل العلوم  والترجمة،  ومعضلة  المصطلح  وغيرها.
 ولا يتعلّق الأمر في  هذا  الصدد  بظاهرة  التعليم  وحدها،  وإنّما هو يمسّ الإعلام بمختلف مجالاته  التعبيريّة،  والإبداع الفكريّ  والفنيّ  بمختلف  مظاهره. ومن  هنا  يحقّ  لنا الحديث عن  اللغة  العربيّة ومستقبلها، وذلك  في علاقتها  بمستقبل الثقافة  والفكر، وبناء الذات  والمقدّرات لا محالة. ولا  يفوتنا  أن نشير  في هذا  المضمار بأنّ   قوة  اللّغة  مرهونة   بقوّة  الازدهار العمرانيّ  عموما ،  و ذلك  بالمصطلح الخلدونيّ، وأنّ حال اللّغة  من حال أهلها، وحال ثقافاتهم وإبداعاتهم .
ومن  خلال  كلّ  هذا لا يسعنا  إلّا  ندعو إلى  إيلاء  العربيّة المكانة  التي تستحقّها،  وذلك باعتبارها اللّغة  المشتركة  لكلّ  البلدان العربيّة، واللّغة الأمّ  للطفل  العربيّ، وهي لغة القرآن والحديث، ولغة  التراث والتاريخ، ولغة  المستقبل أيضا. والاهتمام  بالعربيّة لا بدّ أن يشمل مجالات  مختلفة على رأسها  التعليم  في جميع  مستوياته، والبحث العلميّ، والإبداع الفنّيّ والثقافيّ، والترجمة أو النقل والإعلام، وغيرها  من المجالات الأخرى. وليست  العربيّة  في هذه الحالة  لغة الإبداع أو التعليم  والإعلام وحدها،  وإنّما  هي  لغة  مشبّعة   بالمضامين  الفكريّة،  و الدينيّة   و الأيديولوجيّة  عموما، وهي عصارة   فكر مستعمليها،  ووعيهم  وثقافتهم. ولا  بدّ أن  ترتقي هذه اللّغة بارتقاء أصحابها ومقدّراتهم.
 لا شكّ أن اللّغة العربيّة، مثل غيرها من بقيّة اللّغات، هي  المقياس الحراريّ  لواقع المجموعة اللّسانيّة الواحدة، إذ هي  تزدهر بازدهارها  وازدهار حضارتها،  وتندثر باندثارها  أو اندثار مقدّراتها  الماديّة  والمعنويّة . وإذا  ما  ظلّت  هذه  المجموعات اللّسانيّة على ما هي عليه،  فإنها ستفرّط في الكثير من مقوّمات  وجودها،  ومن أهمّ هذه المقوّمات اللّغة والثقافة. صحيح أن اللّغة العربيّة من أقدم اللّغات في العالم، وفي هذا لا تضاهيها  أيّ  لغة أخرى، وصحيح  أيضا أنّها لغة القرآن الكريم، ولكنّها  في المقابل يجب  أن يرعاها أهلها  ومستعملوها، لأنّ  الخوف  من بقاء  اللّغة على هذه الحال قد يؤدّي بها إلى الوهن، وقد يؤدّي بها هذا الوهن إلى الفناء، لا سامح الله.
 إنّ مستقبل اللّغة العربيّة،  وبلا جدال، هو مستقبل الثقافة العربيّة، والإبداع  الفكريّ والفنّيّ  والأدبيّ. وبقدر  ما  يتطلّب  مستقبل  اللّغة  العربيّة  وعيا  من  الناس الذين يتكلّمونها،  ويعتزّون  بها،  يتطلّب وعيا  متزايدا  من  مبدعيها  ومفكريها ومثقّفيها،  ويتطلّب إرادة  وفعلا يعيدان إليها  مجدها  وبريقها، وبيانها  وبلاغتها،  وطواعيتها وسهولة جريانها في الكتابة والكلام، على حدّ سواء.


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية