للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

المقاربة النقدية والهوية

د. أمين عبد الله اليزيدي


لا نستطيع معرفة ماهية الشيء ما لم نعلم أمرين: الأول كيفية بنائه، والثاني كيف نُقَيّمُه، وهذا يعني ببساطة أننا نحتكم إلى فلسفة ما أو نظرية أو رؤية تحدد المعالم وتضع الأسس، وتصنع الأطر، أو قد نحتكم إلى اعتقادات نابعة مما سبق، ولهذه الاعتقادات أهميتها" لأنها هي التي توجه السلوك، وذلك فيما يتعلق بطريقة خلق الفن، وفيما يبحث عنه المشاهد( المتلقي) في العمل الفني، والأساليب التي يستخدمها النقاد في تقدير الموضوعات الفنية"( ).
هذه الاعتقادات هي النظريات، وفي العادة فإن كل نظرية لا تهتم بطبيعة الفن فحسب، بل تهتم أيضاً بقيمته، أي أنها تضع معايير ما تستخدمها للحكم على الأعمال( ). وذلك لما تقوم به هذه النظريات من تعريف للفن وطرائقه والنظرة إليه لأنها أمور ستكون حدود وميزات العمل الفني والأدبي ما يقع ضمنه وما لا يقع، والمعايير التي يحتكم إليها منظرو النظرية في رؤيتهم تجاه الأعمال الفنية.
    
اختلاف النظريات الفنية والنقدية
التخصصات العلمية وكذلك الأعمال الفنية لا تظهر جزافاً و لا تختفي عشوائياً، وهي تتقدم أو تتخلف بفعل عوامل وتيارات اجتماعية وفكرية( ).هذا فضلاً عن أن الأمور الثقافية ليست بمعزل عن القضايا السياسية والسيادية، يقول روسو: " لقد توصلتُ لرؤية أنَّ كل شيء متصل جذرياً بالسياسة، فكل الأشكال الثقافية تُعْتَبَر ذات طبيعة سياسية كأنَّها محاطة بإحكام بالصراعات بين الجماعات الاجتماعية الأكثر قوة من ناحية، والأقل قوة من ناحية أخرى"( ) وتتجلى السياسة الاستعمارية لمفهوم الأدب والثقافة الاستعماريين، حيث تتجلى وظيفة الأدب في التملك الجغرافي وصور الشرعية، واتخاذ موقف القوة وإخفاء حقيقة الاستعمار( ).

وتُعَدُّ الأشكال والمقاييس الفنية مكوناً من مكونات بنية كل ثقافة، إذ كل ثقافة متفردة بذاتها، ولذلك لا يمكن مقارنة  الفن في ثقافةٍ ما بالفن في ثقافةٍ أخرى. وكنتيجة لكل هذا بدا أنَّ النسبية الجمالية هي الموقف  الوحيد الذي يمكن اتخاذه، وإلا فإن المرء سيفشل في إدراك حقيقة أنَّ ما هو صحيح في سياق معين غير صحيح في آخر. ولذا فإن الدراسات " ترى أنَّ كل سياق ثقافي على أنَّه صحيح في حد ذاته"( ). ( طبعاً هذا المبدأ لا يتوافق تماماً مع الدين الإسلامي فيما يتعارض عقائدياً واجتماعياً مع النصوص الصريحة.)
وقد تأثرت شخصية الإنسان وفقاً للفلسفة الأنجلوسكسونية بفلسفة( هيوم(Hume و(كانت Kant  ) ووفق هذه الفلسفة فالفرد إرادة منعزلة، والواقع كمية من ذرات مادية، وأن أي خطاب ذي معنى لابد أن يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بفكرة ذلك الواقع الذي نتخيله. ويتطور مفهوم الفلسفة ليصبح الفرد حراً عاقلاً" يملك تصرفاته  ومسئول تماماً عن أفعاله، و لا شيء يفوقه في ذلك، ولغته الأخلاقية هي دليله العملي وأداة اختياراته والمؤشر لكل ما يفضله وحياته الداخلية هي التي تقرر أفعاله واختياراته ومعتقداته، فالعقيدة فعل يتحدد من خلال طريقة التعبير عنها"( ) وشخصية الإنسان وفقاً للفلسفة الفرنسية ( جان بول سارتر) الصورة المشابهة لما هي عند كانت فالإنسان شخص منعزل تماما ويملك حرية مطلقة. وكان الناتج عن هذين التصورين هو: فقدان المفاهيم القيمية العامة، وانعدام صورة جماهيرية لفضائل الإنسان والمجتمع المتعدد. ( وهي صورة حرص العربي ثم الإسلام على تدعيمها والحفاظ عليها حتى في الذائقة الفنية والأدبية)
لقد تمَّ تصور الإنسان إرادةً شجاعة محضة محاطة بعالم تجريبي ( أيّ شيء تستطيع تجربته فعليك أن تجربه بغض النظر عن القيم التي تنتمي إليها، أو إلى أي شيء ينتمي هذا المُجَرّب) فمثلاً في قصص القرن التاسع عشر نجد القصص الأخلاقية العقلانية المجازية المعبرة عن فكرة الطبيعة البشرية متكاملة. أمَّا الآن فالتناقض والغموض واللأخلاقي هو السائد. فرواية القرن التاسع عشر أتت مهتمة بأفراد مختلفين وحقيقيين يتصارعون في المجتمع( ).
وتصنيف الأشياء (فنية/غير فنية) هي من وضع المجتمع وهي عاكسة أو معبرة عن الظروف الاجتماعية لمجتمع بعينه أو مجموعة اجتماعية معينة فيه، لذا فإن تعريف ما هو فنٌّ وما ليس بفنٍّ يرتبط أشد الارتباط بعمليات الصراع والتضاد بين الجماعات الاجتماعية المختلفة، حيث تسعى كل جماعة من دون قصد- تقريباً- تعريف الواقع الثقافي بطريقة تناسب مصالحها على أفضل نحو ممكن( ). وعندما يُعَرِّف إنسانٌ ما قطعةً معينةً بأنها عملٌ فنيٌّ عظيم ( أو قصيدة رائعة) فإنَّ ذلك لا يدلنا على حقيقة العمل الفني في حد ذاته بقدر ما يدلنا على ذوق وتفضيلات الجماعة الاجتماعية التي ينتمي إليها هذا الشخص. ومن الأمور التي تتغير مع تحول الزمان شهرة عمل فني معين أو نوع ثقافي معين وكذلك مكانة الفنان نفسه. لذا فإن تصنيف الأشياء فنية أو غير فنية خاضعة للمجتمع وهي عاكسة أو معبرة عن الظروف الاجتماعية لمجتمع بعينه أو مجموعة اجتماعية معينة فيه .. ( ).
والحديث عن تعاقب الأجيال والمدارس الأدبية ليس سهلا لأن ظهور هذه الأجيال والمدارس مرتبط ارتباطا أساسيا بحدوث ظواهر اجتماعية معينة( ). والسؤال عن طريقة فهم الجمهور أنواعا معينة من الفن سؤال معقد( ). وما يقوله الناس عن الأشكال الفنية وكذلك كيف قالوا ذلك، يمكن أن يساعدنا في الكشف عن أوجه أكثر اتساعاً من الوسط الثقافي لحقبة معينة إذ قد تعتمد النظرية الكاملة في الحياة، والسلوك لدى بعض الجماعات البشرية على النظر في القصيدة التي حفظوها عن ظهر قلب، والروايات التي يتسلون بها في أوقات فراغهم، والصور التي قد يعلقونها في غرف بيوتهم. ويقول ليزلي ستيفستون: إن كيفية تفكير الناس في أعمال فنية معينة ونظرتهم إليها ، يمكن أن يدلانا على الكثير عن هؤلاء الناس وعن أفكارهم ومواقفهم( ). فمثلاً ما كُتِبَ في القرن الثالث والثاني أو الرابع وهكذا، ويفيد هذا مع الأدب الجاهلي وأهميته، ومع أقوال علي بن زايد أو المحضار، و يمكن أن ننظر في توافق الناس على الروح الوطنية في أناشيد أيوب طارش، والرغبة الجامحة في أناشيد الثوار في الهروب من ظلم السلطة وهكذا.
"وتاريخ النقد الأدبي عند أي أمة من الأمم هو في الواقع جزء من تاريخ أدبها، فهو تاريخ التغيرات التي تطرأ على فهم الناس للأدب وتذوقه عبر العصور"( ) ومن هنا فإن دراسة الغربيين مثل سوسير وليفي شتراوس، وبارت، وفوكو، ومن قبلهم الجاحظ، للغة لم تكن لغوية أو نقدية خالصة، بل هي -أساساً - اجتماعيةٌ ثقافيةٌ تؤكد على دور اللغة الثقافي وليس على وظيفة اللغة الاتصالي( ). ويقول تولستوي: الفن تعبير عن التصور الديني للعصر( ).
  ومن الغريب أن نقبل أن نحاسب تراث أمة وثقافتها التراثية والحاضرة في ضوء معطيات فيلسوف أو فلسفة لا تنتمي إلى تلك الثقافة ولا الثقافة تنمي إليها. إننا لا نتعاطى مع أمور فنية بحتة وتحليلات لغوية جامدة، إن هذه التحليلات والإجراءات ما هي إلا نتاج/ مظهر من مظاهر الفلسفة التي تنتمي إليه.

وقبل الولوج في تفاصيل بعض مبادئ النظريات النقدية فإنه ينبغي أن ندرك أن اختلاف وجهات النظر بين النظريات يعود في مجمله إلى:
1-    الخلفية الفلسفية والفكرية في النظر إلى اللغة.
2-    التصور الذي تمتلكه النظرية أو تقترحه عن اللغة وتعامل الإنسان معها، واكتسابها، وممارستها.
3-    النظرة التي تتبناها النظرية أو المبادئ عن وظيفة اللغة عامة والأدبية خاصة. فقد اعتمد الماركسيون ( على سبيل المثال) في نظرتهم للأدب نموذجاً بسيطاً للمحاكاة يرى في النص الأدبي مرآةً للأحداث التاريخية والاجتماعية والاقتصادية.
4-    نظرة النظرية تجاه تصنيف الممارسات اللغوي.
5-    بؤرة تركيز النظرية في اللغة بعامة، وفي اللغة بصفتها نصاً خاصة. (مثلاً) النقد الجديد يركز على ما يميز النص الأدبي عن غيره. والبنيوية تركز كيف وآليات بناء النص. والتلقي على تلقي النص.
6-    مدى تأثر كل نظرية من سابقتها، ومن الثورة العلمية الحديثة.
7-    النظر إلى المعنى وطبيعته. ( وهل هذا مقتصر على النص فقط أم البنية العميقة أيضاً، أم عند المتلقي، أم أنه مفتوح الاحتمالات؟)
8-    من مسببات الاختلاف أيضاً بين النظريات أو حتى النظرة الشخصية تجاه النصوص سؤال مفاده: ما هي مهمة الشعر/ الأدب/ الفن؟ توليد المتعة؟ أم التعليم؟ أم الاثنين؟ فعند هوريس Horace  يجب أن يكون الشعر مقبولا لكونه مفيداً أما المتعة فليست سوى وسيلة يستخدمها بغية المنفعة. أما بوالوا Boileau و رابين Rapin، و دريدان DrydenK ، فإن إحداث المتعة هي الأساس لأن المتعة هي غاية الشعر الرئيسة إن لم تكن غايته الوحيدة، أما التعليم والتهذيب فيمكن قبوله ولكن في المقام الثاني( ).
ونظريات الأدب والنقد ما هي إلا نظريات عن كيفية قراءة النصوص الأدبية، إنها تقدم افتراضات عن هذه النصوص... والطريقة التي يجب أن تُقرَأ بها( ). وأحد العناصر الأساسية في معظم النظريات الأدبية هو الطريقة التي تُعرف بها لغة الأدب المقارنة مع المستويات الأخرى للغة الشائعة في الثقافة( ). وأما نشوء النظريات ثم تعددها وتنوعها فهو لأسباب من أهمها:
1-    اكتشاف العاملين بها عدم كفاءتها التامة مما يؤدي إلى تطويرها.
2-    تفاعل نظرية ضد أخرى، أو نقيض لها.

في حين تختلف وجهات نظر الناقد/ النقاد تجاه النص الواحد لأننا لا نقرأ النصوص للأسباب نفسها، قد نتناول قصيدة لنكتشف كيف تعمل، ونتناول قصيدة أخرى لنرى كيف تتواءم مع المشروع العام لتطور مؤلفها كشاعر، وثالثة لنرى كيف انبعثت أفكار الشاعر أو خيالاته، ورابعة لنعلم شيئا من الثقافة أو العصر الذي كتب فيه النص، أو لنتأكد من هذا الشيء( ). [ مثلا قد نقرأ قصائد المتنبي لننظر في فخره بنفسه عامة، أو للنظر في تطور هذا الفخر بين الشعر الذي قاله في صباه والشعر الذي قاله في مصر] وغالباً فإن كل نص أو بالأحرى كل قراءة تفرض منهجية ما للتعامل مع النص لأن كل قراءة لها أسلوبها وغرض المتلقي/ القارئ منها، وهي ليست الوحيدة وإن كانت الأنسب في تصور ناقد ما تجاه نص محدد وفق غرض الناقد. أما النص فسيبقى كما هو تتعاوره النقاد والمناهج النقدية.
وطريقة الناقد ولغته وتعليقه وملاحظاته النقدية والفنية هي نتيجة خبرة الناقد، وخبرة الناقد في الواقع هي نتيجة تأمله للموضوع بعناية وعمق. وتلك الملاحظات النقدية الفنية ليست سوى فرع من الملاحظات النفسية( ).
كما أن ثمة أسئلة يسعى الناقد للإجابة عنها لا تبدو صعبة جداً رغم أنها معقدة مثل: ما الذي يمنح تجربة قراءة قصيدة معينة قيمتها؟ وكيف تكون هذه التجربة خير من سواها؟( ).


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية