للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

العربية حياة نجاة وميزات

أ. محمد جمعة

لا شكّ ولا ريب أن كل ذي فؤاد على وجه الأرض يعتزّ بلغته أيّما اعتزاز بل ويتعصب لها تعصباً ويرفعها بين مصافّ اللغات لينصّبها ملكة على سائر اللغات،ولا عجب في ذلك ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو أيّ اللغات تعدّ الأفضل؟!
فإن ادعيت قائلاً: إنها اللغة الانكليزية  فعليك أن ترمي لنا الأدلة دليلاً يتلوه دليل، وستقول لي حينها :إنها لغة العصر لغة العلم لغة الحضارة لغة الأفلام والأقلام لغة الأنغام ولغة هذه الأيام، لغة الشركات والمؤسسات لغة الشبكات والفضائيات لغة الطب والهندسة ، لغة من يحكم هذا العالم بل ويتحكم به ...
وهذا كله صحيح ولكن ماذا بعد كل هذا ؟ ألا ترى أن كل ما سبق يتعلق بأمور الدنيا بأمور الجسد وحاجاته وغرائزه التي لا ننكرها ولكن أين نصيب الأخلاق والروح والقيم وما بعد الموت .
وهنا ستقف عاجزاً عن الردّ ! أليس كذلك ؟!
إذاً أفضل اللغات هي التي تُبين لك طريقة حياتك وسبيل نجاتك إنها اللغة التي تشرح لك أعقد الأمور في العلاقات الدولية وانتهاء بأبسطها فيما يخص العلاقات الزوجية، إنها اللغة التي توضح لك ما بعد الموت من حساب أو ثواب أو جنة أو نار،إنها اللغة التي تدعو إلى الفضائل ونبذ الرذائل ،إنها لغة تنظم الأسرة وتقدس العلاقة الزوجية وما ينتج عنها وتقوي الأرحام وتبعدنا عن الكراهية والآثام، إنها اللغة التي تحث على الرحمة  والمحبة وتقوي بيننا أواصر المودة ،إنها اللغة التي تدعو لإغاثة الملهوف وإطعام الجائع الملقوف ،إنها اللغة التي تنادي بالإنسانية وتؤكد الحقوق الأبوية،إنها اللغة التي تدعو للعلم وتكرم طالبه وتعلي شأن راغبه ...
وصدقني لن تكفي الكتب والمجلدات عن إعطاء هذه اللغة حقها ولكنْ بما أنّ نظرتك للأمور لا تتعدى كونها نظرة مادية تؤمن بكل ما هو محسوس ملموس لذا سأورد لك بعض الأدلة السريعة على اللغة الأفضل والأغنى بين سائر اللغات :
*إنها اللغة التي تلفظ أحرفها لفظاً لا يقبل الشذوذ كلغتك الانكيزية التي نرى فيها تركيب(th ) يلفظ مرة (ذ) ومرة (ث) بينما نرى أحرفها تلفظ لفظاً لا يقبل الشذوذ أو التأويل.
 كما نجد أنّ هذه اللغة تحوي أحرفاً لا توجد في الانكليزية بل وفي كثير من اللغات وهي (ح،خ،ع،غ،ق،ص،ض،ط،ظ) وكلها ما عدا الحاء والعين أحرف استعلاء أي يستعلي اللسان عند النطق بها إلى جهة الحنك العليا و (ق) هو أشد حروف الاستعلاء و (ط)هو أشد حروف الإطباق ، كما يوجد حرفان يلفظان في الانكليزية ولكن بشكل مركب هما (ذ،ث) (th) وهذا يقودنا إلى أن مخارج الحروف في هذه اللغة تستوفي جميع أجزاء وأعضاء الإنسان .
وأما مخارج الحروف فنرى (ع،ح) من وسط الحلق،و(غ،خ) من ادنى الحلق إلى الفم،و(ق)من بين أقصى اللسان وما فوقه إلى الحنك،و(ض)من أقصى جانب اللسان إلى قرب رأسه من الأضراس العليا،و(ط)من بين طرف اللسان صاعداً إلى الحنك،و(ظ) من بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا،و(ص)من بين رأس اللسان والثنايا.
*وإن طلبت المزيد أهمس في أذنك :إنها اللغة التي تتميز بالاشتقاق وتردّ عليّ الشقاق فأقول صارخاً الاشتقاق وليس الشقاق أبعده الله عنا وعنك إنه يا أُخيَّ أن تأتي بجذر الكلمة الثلاثي ثمّ تُضيف أحرفاً ومع كل حرف زائد ستجد له معنى عائد ((فالزيادة في المبنى تعني زيادة في المعنى)) وأضرب مثلاً :
( قَتَلَ قاتِلٌ قتيلاً بعد أن قاتَلَ مقتولاً استقتلَ استقتالاً في قتْلِ مُقاتِلٍ تقاتَلَ مع قَتَلةٍ قُتّلوا جميعاً من قَتولٍ أقتل منهم وقد رماهم في مقْتلةٍ في الصحراء)
وكما ترى الجذر(ق ت ل ) واشتقاقاته المتعددة التي لا تبتعد عن الأصل عكس لغة كالانكليزية جعلت من مستشرق جاهل أو حاقد يترجم حديثاً نبوياً مفاده ((أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ...)) فجعل من ترجمة أقاتل (kıll) أي (أقتل) بدلاً من (fıght) أي (أقاتل) وشتان ما بين المعنيين فالأول يدل على الاعتداء أما الثاني فيدل على المشاركة في القتال الذي لا يشترط ابتداء المقاتل بالاعتداء بل قد يعبر عن صدّه لذلك العدوان .
*وأظن أن غليلك لم يُشفَ بعد رغم كل ما قدمت فأسألك ألم تلاحظ في الجملة السابقة تلك الإشارات الصغيرة التي تتموضع فوق الأحرف والتي تسمى (الحركات) وهي ليست إشارات فحسب بل هي إشارات و ورموز لمعانٍ مقصودة فكيف لي أن أفرّق (قاتل) الاسم والفعل الماضي لولا الفتحة على التاء والتي تعبر عن الفعل الماضي والكسرة على التاء أيضاً والتي تعبر عن الاسم (اسم الفاعل)، وكيف لي أن أميز (قتل) الاسم والفعل لولا الفتحة على التاء وتعني الفعل الماضي وأما السكون على التاء فيعبر عن الاسم المصدر، وكثيرة هي الأمثلة التي لا تنتهي ،وكيف أميز هذا الفعل (حسِب،حسَب،حسُب) وكل كلمة تدل على معنى الأولى من الظنّ والثانية من العدّ والحساب والثالثة من الحسب والنسب.
وتتعدى الحركات مهمة التمييز بين الكلمات بين اسمها وفعلها لتعبر لنا عن المعاني المادية الملموسة المتخيلة المجسدة ونضرب مثالاً على ذلك (الخُطبة،الخِطبة) فالخُطبة بالرفع من الارتفاع والاستعلاء على منبر عالٍ ،وأما الخِطبة بالكسر فهي من التذلل والانكسار الذي يكون عليه الخطيب فترة الخِطبة.
*وميزة أخرى للغة الفُضلى هي ميزة الضمائر فإن قلت إنها موجودة في غير لغة قلت لكنها هنا تؤدي وظائف فنية وأرى سؤالاً يحيك في صدرك مفاده وما تلك الوظائف الفنية البلاغية ، أقول : إن لها وظيفتان وظيفة معنوية وأخرى شكلية فنية .
أما الوظيفة المعنوية فهي الاختصار فبدلاً من تكرار اسمٍ مراتٍ ومراتٍ تؤدي الضمائر هذه الوظيفة ،وأما الوظيفة الشكلية فهو نفي التكرار الذي يذهب برواء الجملة وجمالها وإليك هذا المثال البسيط :
(سأل الطالب الأستاذ سؤالاً فأجابه لكنني لم أستوعبه فسألته ثانية فكتبه على سبورتنا فشعرنا بالسرور) ولاحظ معي :
(سأل مصطفى الأستاذ حسام سؤالاً فأجاب الأستاذ مصطفى، لكنّ سعيداً لم يستوعب السؤال فسأل سعيد الأستاذ ثانية، فكتب الأستاذ السؤال على سبورة الصف فشعر مصطفى وسعيد بالسرور)
ولن تجهد كثيراً حتى تلاحظ الفرق بين الجملتين وأيهما أكثر جمالاً وروعة في التعبير عن المراد.
*وميزة أخرى هي ان لكل حرف معانٍ خاصة به وتستبينها في مفرداتها وألفاظها فمثلاً (الهمزة) تدل على الظهور والبروز والوضوح ولذلك نجد ضمائر المتكلم والمخاطب (أنا،أنت،أنتما،أنتم،أنتنّ)عكس الغائب،والألوان(أبيض،أسود،أحمر،أخضر،أصفر) والألف تدل على الامتداد في الزمان والمكان إلى أعلى(سماء،هواء،هباء،غطاء) والواو للأمام والياء للأسفل،وحرف (الغين)يدل على الغموض والاختفاء (غار،غرق،غسل،غمس،غرس،غفل..)و(الراء) تدل على الترجيع والتكرار للفعل (مرّ،كرّر،رمى،رعى،رجا،روى...)و(القاف)يدل على القطع والكسر والتعبير عن الأصوات(قطع،قرف،قمع،قصم،قضم،قهر،نطق،نهق..)وكم هو جميل شرح أحدهم لمعنى الفعل (غرق) إذ يقول:
غين غاب واختفى في الماء، و راء نزل في الماء بشكل تدريجي ، وقاف ارتطم بالقاع وأصدر صوتاً. وهكذا نجد أن لكل حرف معانٍ اختص بها قد لا نجد مثيلاً لذلك في لغات أخرى.
ولعمري يا صاحِ إن الكلام لَيطول ويطول دون أن نستطيع إيفاء هذا الموضوع حقه ووصفه وإن كل ما سبق غيضٌ من فيضٍ وحسبنا في ذلك كله والمغني عن طول البيان والتبيان أنها لغة القرآن وأنها اللغة التي تحدث بها المصطفى العدنان عليه أفضل الصلاة والسلام ومهما مخرنا عُباب هذا البحر فلن نصل إلى ساحله وستظلّ عجائبها وفرائدها إلى يوم يبعثون.


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية