للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

حتى لاتندثر لغات - حق الشعوب في تمكين لغاتهم الأم والحفاظ عليها

أ. دوان موسى الزبيدي

يحتفل العالم في شهر21 شباط/فبراير من كل عام بيوم اللغة العربية الأم ،وما جاء هذا اليوم عبثا ، بل ليؤكد حقيقة لايجهلها أحد هي أن اللغة التي يتعلمها الطفل في حجر أبويه مهددة ، وعلى الجميع ( أفرادا، وحكومات) أن يسعى إلى تمكينها ، والحفاظ عليها؛لأن لكل فردٍ خريطة جينية خاصة تميزه من الأفراد الآخرين،حتى يمكننا أن نسميها الصندوق الأسود لكل أنسان، لما تحتويه على معلومات وراثية خاصة عن الفرد، فلكل شعبٍ أيضاً لغة خاصة تحمل مفرداتها ثقافة هذا الشعب ، وتراثه ، وقيمه المادية والمعنوية، وتحدد هويته..
 إن أيّ خلل يحدث في الخريطة الجينية ،والمورثات لدى الفرد يخلق مولوداً غير صحي ،ومُعوّق ذهنياً وبدنياً، كذلك حال اللغة أيضاً، فأي ضغطٍ ،أو حظرٍ عليها يخلق شخصيةً غير مستقرة ،وشعب متوتر اجتماعياً وسيكولوجياً. لأن اللغة الأم هي مصدر الإبداع ووسيلة للتعبير الثقافي التي تجعل النمو الفكري ،والوعي والذهنية والعقلية تتطور تطورا سليما، وهذا بدوره ينشئ مجتمعاً صحياً، ويؤثر في مستوى التعليم ،ونتائجه، مكا يؤثرفي مصادر المعلومات و المعرفة أيضاً.
إن المعلومات في عصر التقنية المذهلة، وفي مجتمع المعرفة هي أداة ووسيلة أساسية لصنع القرار لتمكين الناس من المشاركة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتطور الإنساني. ومن ثم امتلاك القدرة على الوصول إلى المعارف ،والمعلومات المستقاة من التنمية اللغوية ،وكيفية الانتفاع بها، والتأثير فيها، التي بدورها ستؤثر بشكل متزايد في قدرة الفرد على المشاركة في المجتمع، وامتلاك إرادة لتحديد نوعية الحياة التي يرغب الفرد والمجتمع  في أن يحياها ، و اللغة هي الوسيلة الأولى التي تؤدي دوراً حاسماً وأساسياً في هذه العملية.
لهذا فاللغات ليست أدوات تواصل فقط ، بل هي أيضاً وسائل لنقل منظومات القيم والأخلاق والتراث ،وأشكال التعبير الثقافي، والجمالي الفني، كما أنها عامل أساسي في تشكيل هوية الشعوب والأمم وأفرادها. وإن التنوع اللغوي الذي من نتاجه التنوع الثقافي يعدّ عنصراً أساسياً في التراث الحي للبشرية ،والثقافة الإنسانية ما يستوجب رعايته. نظراً لهذا الدور الحياتي التي تؤديه اللغات في تحديد مصير الشعوب ومستقبلها، فقد قررت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونيسكو) أن يكون يوم" 21 شباط"* من كل عام يوماً عالمياً للغة الأم. هذا القرار الذي اتخذته اليونيسكو بتارخ 17-11-1999- والبدء بالعمل به منذ عام 2000 والهدف من هذا القرار هو المحافظة على حقوق الشعوب  في التعليم باللغة الأم، وبالتالي تعزيز التعدد اللغوي، و التنوع الثقافي الإنساني.
إن الحضارات القديمة قد أثّرت وتأثّرت فيما بينها ،وأصبحت ميراثاً إنسانياً، فإن اللغات التي تستخدمها البشرية هي أيضاً أثّرت وتأثّرت فيما بينها. لذلك فإن اللغات تترابط فيما بينها بأصولٍ مشتركة مع حفاظ كل لغة على مصدرها الخاص للمفردات والمعاني تعبّر فيها عن الواقع والتراث، ومستوى الوعي الفكري والإيماني لكل شعب، وهذا التنوع يصبح ثروة ثقافية إنسانية. لأن اللغات تحافظ  على الميراث المادي والمعنوي للشعوب وتطوره، فإن تعايش اللغات وانسجامها يؤدي إلى التقارب الثقافي، والتعايش السلمي وتحقيق التضامن المبني على أساس الاحترام والحوار والتفاهم والتسامح فيما بين الشعوب والأفراد.
إن الدول التي تضع قوانين عنصرية والحكومات التي تتبع سياسات تمييزية تهدف إلى صهر اللغات الأخرى داخل المجتمع، تحقن المجتمع بفيروس التفرقة الذي يؤدي إلى إضعاف شعور الانتماء ونشوء خلل اجتماعي  يتعذر إصلاحه. لأن سياسة الصهر اللغوي تؤدي إلى موت لغات ،واندثارها ما يؤدي إلى ضياع الذاكرة والأنماط التفكيرية التي تعدّ موارد ثمينة للمستقبل الإنساني.
بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم، يجب على الحكومات والدول والمنظمات العالمية كافة ،أن تضع قوانين وسياسات لغوية متوازنة تضمن التعلم للشعوب، والجماعات الأثنية بلغتهم الأم ،وإيجاد آليات التواصل بين الثقافات ،وإقامة ثقافة سياسية ديمقراطية.
نظراً لِما للغة الأم من دور أساسي في الهوية والتواصل والاندماج الاجتماعي، والتطور الثقافي ،والتنمية في مستقبل الشعوب، فهي ذات أهمية استرتيجية مؤثرة في  مستقبل سكان هذا  الكوكب الجميل ذاته. بحيث تسخّر كل الرؤى المتنوعة والمعارف وأشكال الثقافات عن طريق تعزيز التعلم باللغات الأم التي تعد وسيلة أساسية للتفاعل الاجتماعي و المفتاح المصيري للمستقبل الانساني.
*في 21 شباط عام 1952 فتحت الشرطة النار في مدينة داكا-عاصمة بنغلاديش الحالية-على تلاميذ خرجوا متظاهرين للمطالبة بالتعلم بلغتهم البنغالية كواحدة من لغتي البلاد الرسمية لما كان يعرف آنذاك بباكستان...


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية