|
|

اللغة والإنسان
د. بلال كمال رشيد
اللغة كائن إنساني تولد وتتوالد ، تنمو وتتطور ، تحاور وتجاور، تتأثر وتؤثر، تفصح وتضمر ، تقرض وتقترض ، وربما تأتيها العوادي فتنقرض ، كل ذلك تعيشه حيناً من الدهر ثم تموت .
والإنسان كائن لغوي ، تمتلكه اللغة داخلياً وخارجياً ،
داخلياً : عن طريق التفكير فلا يفكر إلا من خلالها ، وخارجياً : لا يفصح التعبير إلا بحروفها ، تمتلكه عقلاً : إذ لا يدرك المعاني إلا في ظلالها ، ويجد مجتهداً في اقتناص شواردها ، وتمتلكه يداً لا يسطر إلا حروفها ، وتمتلكه لساناً لا ينطق إلا ألفاظها ، وتمتلكه عيناً لا يرى إلا صورتها ، وتمتلكه أذناً لا يفهم من الأصوات إلا أصواتها .
تمتلكه وهي تعكس صورته وجنسه ذكراً كان أم أنثى ، وتكشف هويته ودينه ، وتميزه طبقة وميولاً واتجاهات ، تمكنه من التواصل مع الآخرين ، تراود صاحبها ، تغريه حيناً ، وتتمنع أحياناً ، تمكن صاحبها منها فيظهر فصيحاً، طليق اللسان ، بليغاً ، وتتمنع رغبة عنه ، لتعلن فيه عجزاً وعياً .
تبيح جسدها لكل العلوم ، حاملة من كل علم أجنة دون اختلاط في الأحساب والأنساب ، دون غيرة يقتتل دونها الآباء ، بل تجمع الآباء للتحاور والتشاور في شأنها ، فيما يجعلها أكثر إغراء وإغواء ، فيما يزيدهم شهوة وقدرة للنيل منها ، فيقابلون بينها والأخريات من اللغات ، يقابلون ويطابقون ، ويحاورون ويقترضون لها ويقرضون ، يمازجون بينها وبين مزايا الأخريات ، يمدونها بما يجعلها حية في دمائهم ، وعلى لسانهم ، ترافقهم في حلهم وترحالهم ، فتراها في أفكارهم ، وفي أعمالهم المختلفة ، وبيئاتهم المتعددة ، فتجدها حاضرة في الفكر ، والدين ، والسياسة ، والاقتصاد ، وفي العلوم كلها ، تجدها مع همس المحبين ، ونجوى العابدين ، وثرثرة اللاهين ، وفكر المتأملين ، تجسد المعاني والمعنويات ، وتطلق الألفاظ لمعان لا تنتهي ، تقرب البعيد ، وتقصي القريب ، وتبقى محافظة على إغرائها ، متجددة في إغوائها ....وإليها يعود أولئك الآباء منتصرين و شاكرين .
|
|
|
|
|