للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الوظيفة التعليمية والذوقية لأدب الأطفال

د. سناء الشعلان

        السؤال التقليدي المطروح في الغالب في صدد الحديث عن أدب الأطفال هو: هل أدب الأطفال للترفيه أم للتعليم أم لكليهما؟ وهذا السؤال يقودنا مباشرة إلى تعريف أدب الأطفال،فاعتماد تعريف يقودنا ابتداءً إلى شكل هذا الأدب وصولاً إلى غايته،ولعلّ تعريف هادي الهيتي يتمثّل ما نذهب إليه،فهو يعرّف أدب الأطفال على أنّه:" فرع جديد من فروع الأدب الرفيعة،يمتلك خصائص تميّزه عن أدب الكبار رغم أنّ كلاً منهما يمثّل آثاراً فنية يتّحد فيها الشّكل والمضمون... أدب الأطفال في مجموعه هو الآثار الفنية التي تصوّر أفكاراً وإحساسات وأخيلة تتفق ومدارك الأطفال،وتتّخذ أشكال القصة والشّعر والمسرحية و والمقالة والأغنية". (1)
    وبناء على ذلك فإنّ أدب الطفل ينتقل إليه عبر مسارب ناقله متعددة وفق الحاجة والظّروف المعطيات،فنجد القصة القصيرة والرواية والمسرح  والكتب العلمية التعليمية والمتاحف والقصائد والأناشيد ومجلات الأطفال والبرامج الإلكترونية والأفلام الكرتونية والدعايات والنشرات والرقصات الشعبية والحكايا الشعبية والمعاجم المتخصّصة(2).
  وهي جميعاً نواقل طبيعية تعكس اهتمام الشعوب بالطّفل وبأدبه بمستويات متباينة تعكس وعي الأمم،وتقدّم معارفها،وتطور أدواتها وخبراتها ،كما تعكس من جانب آخر القيم التعليمية والذوقية التي تسعى إلى بلورتها في نفس الطفل انبثاقاً من معطيات دينه ومجتمعه وواقعه وظروفه وتحدياته وآماله(3).
     وتتباين محمولات هذه النواقل،ولذلت تتفاوت درجات الاستفادة منها،وفي هذا الشّأن نؤكد مربين وأهلين وقيادين ووطنيين بل وإنسانيين أهمية البعد التربوي في أدب الطفل الذي إن كان صورة للترفيه،ولتمضية الوقت،ولتزجية الساعات،ولترويج البضائع فقط،فإنّه بالتأكيد سوف يكون أداة مدمّرة للطفل،إذ إنّه في هذه الحالة يقدّم له مانراه يقدّمه الآن في كثير من الأحوال من أدب مفرغ من الأدب،ومن القيم الإنسانية والتربوية والدينية والوطنية،منزوع الفكرة الراقية،مطعّم بقيم العنصرية والعنف والإقصاء للآخر ونزعة الانتقام والفردية والانتهازية،وبذلك يحرّض الطفل على السلبية والانهزامية بدل أن يحرّضه على قيم العمل والإبداع والإنتاج والأعمار التي ماخلق إلاّ من أجل أن يقوم بها.
      فأدب الأطفال ليس اعطباطيّاً،ولا ينبغي أن يكون كذلك،وإنّما يجب أن يكون مدروساً واضح المعالم والغايات لاسيما فيما يخصّ بعده التربوي،فهو أداة تربية،ولكنّه ليس التربية ذاتها،وأداة تعليم،ولكنّه ليس التعليم ذاته،ولذلك يجب أن يقوم أدب الأطفال على ركيزة من المضامين الوطنية والاجتماعية والإنسانية والتربوية التي تقوم على أمرين: البناء الذي يكفل له أن يقوم بواجبه خير قيام ليضطلع بدوره الطبيعي في الأسرة والمجتمع،والحماية التي تؤهله لحماية فطرته البريئة من كلّ مايحيط به من مخاطر ومفاسد وانحرافات(4).
   ويتجلّى الهدف التعليمي بوضوح في أدب الأطفال؛لأنّه في هذه الحالة هدفاً معلناً يتقبّله الطفل مباشرة وبقصدية عالية عبر الأسرة أو المنظمومة التعليمية وإن قدم بشكل جميل ومسلٍّ يروق له،ففي مثل هذا النّوع من الأدب يكتسب الطفل معلومات علمية وثقافية تسهم في بناء شخصيته،وذلك عبر تزويده بمعلومات عن كلّ معطيات ذاته وواقعه وعالمه وجماعته وماضيه وحاضره ومستقبله.ويكون الطفل في هذه الحالة يمارس التعلّم من خلال التسلية واللعب أحياناً،وكلّما ارتفع رصيد الأدب من الاتقان والجودة وجمال الطرح ومخزون المعرفة كلّما زادت قيمته التعليمية والتربوية،وأصبح قصد الأهل والمعلمين والمربين،بل والأطفال ذاتهم إن كان يقدّم بالشكل الذي يشدّهم.
   ومن الضّروري في هذا النّوع من أدب الأطفال أن يراعي مبدعه ملائمته للفئة العمرية للطفل،لتتناسب المعلومات وطريقة تقديمها طردياً مع قدرة الطفل الفكرية والشعورية والنفسية بل والجسدية أحياناً في التلقي والفهم والإدراك،ولذلك غالباً ما تتوزّع هذه الإبداعات على محاور عمرية محددة،وهي (5):المحور الواقعي المحدود بالبيئة:وهو من سن الثالثة إلى الخامسة،ومحور الخيال الحرّ،وهو من الخامسة إلى الثامنة ،ومحور المغامرات والبطولة،وهو من الثامنة إلى الثانية عشرة،ومحور الغرام،وهو من الثانية عشرة إلى الثامنة عشرة تقريباً.
   والبعد التعليمي لا يقدّم في أدب الأطفال بكل علمي معرفي ثقافي بحت،بل قلّما يكون كذلك حتى في أكثر المواضيع علمية بحتة مثل علوم الأحياء والفيزياء والكيمياء،بل الاتجاه الحديث في التربية  والتعليم يجنح إلى تجربة القدامى في هذا الشأن ،وهي التعليم من خلال  طرق غير مباشرة،فهي تكون في الغالب أنجع وأكثر تأثيراً،ولذلك نجد القيم التعليمية  تأخذ اتجاه شعبي عبر تلك القصص الموروثة التي تتداولها الجماعة عبر مخيال شعبي جمعي(6)،أو عبر الاتجاه التاريخي الذي يسجّل لحياة الإنسان ولعواطفه وانفعالاته في إطار تاريخي،أو عبر الاتجاه الأسطوري،أو عبر الاتجاه الرمزي الذي ينطق الحيوانات والجمادات والكائنات من أجل أن تقوم بدور تعليمي فعّال ومؤثّر.
    والمواد المعرفية والتعليمية المتحصّلة من أدب الأطفال عليها أن تقترن بمجموعة من المكتسبات والقرائن التربوية التي تضمن أن يستفيد الطفل والجماعة والمجتمع ممّا تعلّمه واكتسبه من معرفة أولية من أدب الأطفال الذي تسنّى له أن يطلع عليه،وهذه المكتسبات التربوية نجملها في(7):أن يدرك الطفل واقعه،ويتطلّع إلى مستقبله ضمن جماعته،ويحترم تاريخه وماضيه،ويأخذ العبرة منه،وأن يدرك أنّ قيمة الإنسان تتجلّى في قدرته على صنع حضارته ومجتمعه وسعادته،وتقوية الانتماء إلى الوطن المحلي والعربي،وتقوية الانتماء إلى المجتمع الإنساني،وتنمية التعاون وتقديره من أجل بناء الحضارة الإنسانية،وتنمية الاتجاهات الكفيلة بتحقيق التفاهم العالمي،وإثارة التفكير وتنميته.وبهذا الشكل يستطيع أدب الأطفال أن يحقق سوية عالية للطفل في مستوياتها الفردية الاجتماعية والقومية والإنسانية والعملية.
    وجدير بالقول في هذا المقام على أنّ كلّ الآمال المنشودة من أدب الأطفال لايمكن تحقيقها كما يجب بعيداً عن اهتمامنا بالقالب اللغوي الفصيح الرشيق؛فاللغة هي الحامل الحقيقي للمعرفة،ودونها يتعسّر التواصل،وتتعطّل المعرفة،وتضطرب المعلومات،ولذلك علينا أن نولي البعد اللغوي مايستحقه من اهتمام في مضمار أدب الأطفال،فضلاً عن كل ميادين الحياة،فيجب أن تقدّم المعرفة للطفل حتى في شكلها الأدبي والترفيهي أحياناً بلغة فصيحة، مضبوطة الحروف ، مشكولة الأواخر،وتعتمد أسلوب تقديم معجم مفسّر للكلمات الجديدة المستخدمة ؛ بغية إثراء معجم الطفل ، وتعريفه بالكلمات .
    وبناء على ذلك فإنّ إجراء البحوث الخاصة للتعرّف على مدركات الأطفال ومحاصيلهم اللغوية يعدّ أساساً لابدّ منه؛فكلما نمت قدرة الأطفال على القراءة وعلى إدراك المعاني المجردة،زادت مقدرته على التعلّم والفهم،والتقدّم خطوة في الاكتساب والتواصل والبناء (8).وباختصار ليس هناك عملية تعليمة تربوية  تواصلية معرفية دون لغة،ولذلك من الواجب أن يمتلك المربون والمبدعون أدوات المعرفة اللغوية  ليستطيعوا أن ينقلوا عبرها أهدافهم ورؤاهم وغاياتهم،ناهيك عن أنّ اللغة في الأدب هي أداة وغاية في الوقت ذاته،ولذلك لا يمكن أن يفهم الطالب اللغة بغير اللغة،وإلاّ كانت معضلته بلا حلّ،وعيّه بل نهاية.
     ويبقى السؤال: من أين يستقي المبدع أولوياته ومعلوماته التعليمية والتربوية؟ وهنا نعود إلى الحلقة الدائرية المفرغة التي تستوجب تحقّق جميع المعطيات من أجل الوصول إلى الهدف،فالمبدع عليه أن يكون ملمّاً حقيقياً بالمعرفة بأبعاده العلمية والتعليمة والعملية والنفسية والفكرية والخلقية والجمالية،وبغير ذلك سيكون وبالاً على نفسه وعلى الطفل بما يقدّمه من أدب مشوهٍ ممجوج،ولا داعي في هذا المقام إلى ذكر أمثلة بعينها،فكلنا على معرفة بكثير من المواد السامة المبثوثة هنا وهناك،وتسمى أدب أطفال،في حين أنّها لا تعكس سوى أنّها  مواد منزوعة الروح والإبداع لأشخاص لا يدركون خطورة ما يقدّمونه للأطفال فيما ينتجون.
 ولذلك نحن نطالب  بأدب أطفال يقوم على أكتاف مواهب عربية وبأقلام مؤمنة بدورها في إيقاظ الأمة، وتحفيزها على استعادة دورها الإنساني الريادي،أملاً في تقديم أدب للطفل المسلم ، يراعي ذوقه ، ويحترمه مزاجه وخصوصيته ،  ويسمح لخياله بالتحليق دون أن يقطعه عن تاريخه أو حضارته أو دينه أو أمته ، أو أن يعيشه في خيال مضلّل مبني على الجهل والمغالطات والأخطاء ، بل هو أدب يقدّم للطفل ليربط ماضيه بحاضره ، ويوقظ داخله مشاعر الاعتزاز بأمته ،ويحثّه على استنهاض روح العمل والاقتداء بالآباء والسلف من العلماء والمبدعين الذين أعلوا بناء صروح الحضارة الإسلامية .
 وحديثنا عن أهمية البعد التربوي في أدب الأطفال لا يعني أبداً أنّنا نهمل قيمة البعد الشكلي والاعتباري للقيمة الفنية،بل على العكس تماماً،فمن أجل تقديم فكرة راقية،ومؤثرة،ومربّية،ومعلّمة يجب أن يقدم ذلك عبر  وسيط يلتزم بالقواعد الفنية للناقل أكان قصة أو مسرحية أو أنشودة أو أغنية أو رواية أو فيلم كرتوني أو وثائقي،" ولا تغني الموهبة كاتب القصة مثلاً عن الدراسة،ولا تحلّ معرفته بأصول التربية وعلم النّفس محلّ علمه بالأصول الفنية لكتابة القصة؛فقصص الأطفال مثلاً تحتاج إلى فكرة وإلى رسم شخصيات مع تشويق وهيكلة وبناء سليم،وهذه الاعتبارات الأدبية يجب أن تتفق مع مستوى الأطفال الذين نكتب لهم،ودرجة نموهم الأدبي،ومدى ما وصلوا إليه من النّضج الأدبي".(9).
   وهذا من شأنه أن يرفع من ذائقية الطفل في الانتقاء،وتخيّر الأفضل،والتعرّف على قيم الجمال الشكلي مثل الرّسم واللون والنحت والرّقص والصوت والإضاءة والتناسق في الأبعاد والأحجام،وعقلنة المشاهد،فضلاً عن إطلاق قوى التخيّل في البناء والجمال والتوسعة،لا جعلها أدوات تقطع الطفل عن واقعه،وتجرّم مفاهيمه،وتأسره في معطيات خيالية لا وجود لها،ليكون أسير تهويماتها وجنونها.
   هذا فضلاً عن أنّ الطفل في هذه المرحلة يكون قد حصّل قيماً ذائقية عليا في اختيار مواد القراءة والمتابعة والمشاهدة من حيث المضمون أيضاً،بعد أن كوّن له الأهل والمربون والمبدعون اتجاهات معرفية وفكرية وإخلاقية وتربوية تكفل لها نماء سوياً،واندماجاً محموداً في جماعته،وتواصلاً مع إنسانيته على أرضية ثابتة من القيم والمعارف والمحددات والأولويات.
  وفي هذا الشأن يجب  مراعاة الاعتبارات الفنية والتقنية المتعلقة بنوع الوسيط"فالوسيط الذي ينقل أدب الأطفال إليهم قد يكون كتاباً أو مسرحية أو أيّ وسيط آخر من وسائل الإعلام،ولكلّ وسيط من هؤلاء الوسطاء ظروفه وإمكاناته الخاصة التي يجب أن يراعيها الكاتب،فتقديم قصة إذا كان الوسيط كتاباً يختلف عن تقديم هذه القصة نفسها إذا كان الوسيط فلماً أو برنامج إذاعة " (10)

__________________________
الهوامش:
(1) هادي نعمان الهيتي: أدب الأطفال فلسفته وفنونه،وسائطه،ط1،القاهرة،الهيئة العامة للكتاب،القاهرة،1997،ص ص71-72.
(2) . انظر: رشدي أحمد طعيمة:أدب الأطفال في المرحلة الابتدائية،ط1،القاهرة،1998،ص:24-25؛ موفق رياض مقدادي، القصة في أدب الأطفال في الأردن،ط1،الروزنا،الأردن،،2000،ص ص13-15
  (3)انظر تاريخ تطور أدب الأطفال: موفق رياض مقدادي، القصة في أدب الأطفال في الأردن، ص ص 14-16؛ ذكاء الحرّ: الطفل العربي وثقافة المحتمع،ط1، دار الحداثة،1984،ص23؛ علي الحديدي: في أدب الأطفال،ط3،مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة،1982،ص242.
(4)انظر: محمد حسن بريغش،أدب الأطفال تربية ومسوؤلية،ط1،دار الفواء،المنصورة،1992،ص92.
(5)انظر عبد العزيز عبد المجيد: القصة في التربية،ط1،دار المعارف،مصر،د.ت،ص ص 15-19
(6)انظر: عبد الحميد يونس: الحكاية الشعبية،ط1،دار الشؤون الثقافية العامة،الهيئة العامة للكتاب،القاهرة،1968،ص ص 11-12.
(7)انظر هيفاء شرايحة: كتابة التاريخ للأطفال،ط1،منشورات أمانة عمان الكبرى،2001،ص ص40-52.
(8) هيفاء شرايحة: كتابة التاريخ للأطفال،ط1،منشورات أمانة عمان الكبرى،2001،ص 67.
(9) موفق رياض مقدادي، القصة في أدب الأطفال في الأردن، ص 25.
 (10) موفق رياض مقدادي، القصة في أدب الأطفال في الأردن، ص 26.


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية