|
|

المؤسسات الخدمية لا تتعامل باللغة الأم
محمد ولد محمدسالم
تزايد الاهتمام باللغة العربية في العشر سنوات الأخيرة بشكل كبير، فتعددت المبادرات والمهرجانات التي تدرس أنجع السبل لنشرها بين أفراد المجتمع، كما تكاثرت المؤسسات الأهلية العاملة في هذا الميدان، وأخيرا انتبه الساسة إلى ضرورة القيام بعمل كبير على المستويين الوطني والقومي من أجل تعميم التعليم بها، والتعاطي بها بين أفراد المجتمع، فما أسباب الاهتمام؟ هنا إجابات بعض المتخصصين والمهتمين بقضايا اللغة .
يقول الدكتور صالح محمد الشريف، جامعة طرابلس في ليبيا: "إن هناك عزوفاً كبيراً عن تعلم وتعليم اللغة يهدد بانقراضها، وانقراض الثقافة المرتبطة بها، وإذا لم نقف وقفة واحدة من أجل رفعها عالية، فسوف تضمحل من بين أيدينا، وقد بدأنا نشهد نتائج العزوف عن تعلمها في ميادين عديدة ونحن في ليبيا رغم أننا ندرس المراحل كلها بالعربية، فقد أصبح خريجونا لا يجدون فرصاً للعمل ويفضل عليهم الخريج الذي درس بلغة أجنبية، وهذه هي الكارثة، لأن الاحتفاء بلغة الأجنبي وتقديمها على اللغة الوطنية، هو عنوان للاستلاب الحضاري، وللوقوع في أحضان الغرب وإعطائه زمامنا ليقودنا في الاتجاه الذي يريده، والذي يخدم مصالحه، وهذا هو الاستعمار الجديد المقنع بقناع اللغة التي تقدم على أنها هي وحدها الصالحة للحضارة المعاصرة، للتفكير والاختراع والتكنولوجيا، وأن غيرها من اللغات لا يصلح لذلك، وهذه خدعة غربية تخفي وراءها مصالح أخرى ومآرب اقتصادية وسياسية نعلمها جيداً، وكل المؤتمرات التي أقيمت حول اللغة العربية كشفت هذه الحقيقة، وحذرت من تناميها، كما أوصت بضرورة إلزام الدول العربية لمؤسساتها التعليمية بتدريسها لكل الطلاب" .
الدكتورة نعيمة حسن وهي متخصصة في مناهج التعليم تقول: "الاهتمام باللغة في هذه الظروف نابع من الإحساس العام بأنها لغة حية ومهمة، ولم تأخذ حظها من الضوء مثلما أخذته بعض اللغات الأخرى التي قد تكون أقل منها شأنا، لذلك كان لا بد من إقامة المؤتمرات والندوات التي تجمع متخصصين وخبراء في اللغة لكي يتدارسوا الطرق الكفيلة بجعل اللغة العربية تستعيد مكانتها، بوصفها وعاء الهوية الذي إذا فقدناه فقدنا هويتنا، وما الاهتمام الرسمي بها إلا جزء من هذا التوجه العام للمجتمعات العربية في العصر الحديث" .
وتتابع: "يظن البعض أن مسألة اللغة بسيطة، أو هامشية بالنسبة لحياة الناس، لكنّ الأمر ليس كذلك، فاللغة هي التي تنسج تفاصيل حياتنا، بدءاً بفاتورة الماء والكهرباء، ووصفة الدواء، وفواتير الاتصال، وبيان الراتب وخطاب البنك، كلها بيانات باللغة، وينبغي أن تصلني أنا المستهلك بلغتي التي أفهمها، وهو ما لا يحدث في الدول العربية، فكل تلك البيانات تبعثها مؤسسات الخدمات باللغة الأجنبية، ونجد أنفسنا مفصولين عن الواقع بحجاب اللغة الكثيف، ولهذا فمثل هذه المنتديات التي تناقش قضايا اللغة ضرورية لأننا نريد أن نضع المعايير بدخول لغتنا تلك الميادين" .
أحمد محمد عيادات موجه أول للغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الإمارات يؤكد أن الاهتمام باللغة العربية في هذه الفترة جاء نتيجة أسباب عدة أهمها المنافسة الشديدة للغات الأخرى التي أصبحت تنتشر بسرعة كالإنجليزية والصينية، فالمقارنة بين لغتنا واللغات الأخرى جعلتنا ننكفئ على أنفسنا بالتهميش وبأن الآخر لا يهتم بثقافتنا، فكان لزاما علينا أن نتحرك في اتجاه تفعيل لغتنا، حتى نفرضها في الواقع ونرغم الآخر على احترامها، السبب الثاني يتمثل في بروز شخصيات حكومية وسياسية واقتصادية انتبهت إلى ضرورة حفظ اللغة العربية، بوصفها لغة حية عاملة فاعلة، تحفظ الهوية والتراث" .
الدكتور محمد عمر الأستاذ في جامعة طرابلس في ليبيا قال: "إن الاهتمام باللغة الآن راجع إلى الاهتمام العالمي بالمنطقة العربية على أصعدة عدة، وخاصة الصعيد التجاري والاقتصادي ما زاد التحدي الذي تواجهه هذه اللغة، وجعل العرب ينتبهون إلى الخطر الذي تواجهه، ويسعون للحفاظ عليهِا، وقد زاد وجود العمالة الأجنبية في المنطقة من الاختلالات التي تهدد النسيج الاجتماعي الذي كان موحداً بلغته، فظهرت لهجات ولغات كثيرة، واستوجب ذلك التحرك السريع للوقوف في وجه هذا الاجتياح اللغوي، وجعل دائرة الاهتمام بها لا تقتصر على الخبراء ولا على مؤسسات التعليم، بل دخل على الخط الساسة والاقتصاديون" .
الدكتور يحيى محمد الأستاذ في جامعة جورج تاون الدوحة، يقول: "أعتقد أن الاهتمام باللغة العربية يعود إلى نوعين من الأسباب، النوع الأول هو الشعور بالمخاطر التي تهدد اللغة العربية منذ التسعينات، ومنذ اجتياح تيار العولمة لمنطقتنا، وما جاءت به من ثقافات مختلفة، أصبحت تحتل مكان اللغة الشعبية وتتقدم على حساب لغتنا، وتنافسها في أرضها، ما حدا بالمسؤولين التربويين إلى دق ناقوس الخطر عدة مرات، السبب الثاني هو نوع من إبراء الذمة أمام التاريخ، فأرادوا أن يسجلوا مواقفهم التاريخية من اللغة، حتى لا يأتي بعدهم من يلعنهم لأنهم تخلوا عن لغتهم" . ويضيف الدكتور يحيى قائلاً: "هناك أسباب اقتصادية وسياسية كثيرة، فالعرب اليوم موجودون في كل مكان في العالم، وهم يتأثرون ويؤثرون، والاهتمام بالمنطقة العربية يتزايد، وقد أصبح الجميع مقتنعاً الآن بأن علينا أن نستغل فرصة هذا الاهتمام الخارجي بمنطقتنا ونفرض المعايير والقوانين التي تجعلهم يهتمون بلغتنا، ويتعلمونها، ويترجمون عنها، بدل أن نظل نحن نترجم عنهم ونتعامل بلغتهم" .
الخليج
|
|
|
|
|