|
|

الجملة الشرطية في اللغة العربية : التركيب والدلالة
د. عائشة صالح بابصيل
تتركب الجملة الشرطية من ثلاثة عناصر : اداة الشرط – فعل الشرط " جملة الشرط " – جواب الشرط " جملة جواب الشرط " . ومن خلال ما قرره أسلافنا في كتب النحو واللغة نعرض فيما يأتي أنماط جملتي الشرط والجواب ، التي يأتيان عليها ، والبالغة أحد عشر نمطا :
1- ( مضارع مجزوم – مضارع مجزوم )، نحو قولنا : "إن تذاكر تنجح " ، وهي الأساس عند النحاة ، حيث إن أصل الجزاء أن تكون أفعاله مضارعة ؛ لنه يعربها .
2- (ماضٍ – مضارع مجزوم ) ، نحو قولنا : " إن قمتَ أقم " ، والماضي في هذا التركيب لم يبق على دلالته الأصلية ، وإنما صار كالمضارع ، أو في قوة المضارع .
3- (ماضٍ لفظا ومعنى أو معنى فقط – مضارع مرفوع ) ، نحو قولنا : إن قمتَ أقومُ – إن لم تقم أقومُ " ، وهي صورة حسنها متأخرو النحو ، وقواها ابن مالك في ألفيته :
وبعد ماضٍ رفعك الجزا حسنْ ورفعه بعد مضارع وهنْ
4- (مضارع مجزوم – ماضٍ ) ، نحو قول رسول الله " من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له " .
5- (ماضٍ – ماضٍ ) ، نحو قولنا : إن أتيتني أكرمتك " ، فدلالة الماضي تحولت من المضي إلى الاستقبال بتأثير السياق .
6- (مضارع مجزوم أو ماضٍ – جواب مقترن بالفاء ) ، ومثال المضارع قول الله تعالى : " و إن يمسسك الله بخير فهو على كل شيء قدير " ( الأنعام - :6 ) ، ومثال الماضي قوله تعالى : " وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله " ( التوبة:9) .وقد نظم بعض النحويين المواضع التي تجب فيها الفاء في قوله :
اسمية ، طلبية ، وبجامد وبما ، ولن ، وبقد ، وبالتنفيس
7- (الأداة والشرط محذوفان – الجواب مذكور ) ، كما في جملة " أما " ، نحو قولنا : " أما زيد فمنطلق " والتقدير : مهما يكن من شيء فزيد منطلق " .وكما في الفعل الواقع جوابا للطلب ، نحو قولنا : " ذاكر تنجح " .
8- (حذف فعل الشرط دون الأداة – الجواب مذكور ) ، كما في قوله تعالى : " و إن احد من المشركين استجارك فأجره " ( التوبة :9 ) ، والتقدير : " وإن استجارك أحد استجارك ... "
9- (الأداة والشرط – الجواب حذفت منه الفاء ) : كما في قول الشاعر :
من يفعل الحسنات الله يشكرها والشر بالشر عند الله مثلان
والتقدير : من يفعل الحسنات فالله يشكرها ، على خلاف في ذلك .
10- (الأداة والشرط – الجواب محذوف ) ، كقولك : أنت ظالم إن آذيتني " ، والتقدير : " أنت ظالم إن آذيتني فأنت ظالم " . ويتبادر سؤال إلى الذهن : لم لا نعترف بأن هذا التركيب صورة من صور الجملة الشرطية ، جاء فيها الجواب مقدما على الشرط ، أليس هذا أقرب في دلالته إلى الواقع اللغوي ، و إلى العقل ! لاسيما أن هذه الصورة قد وردت كثيرا في القرىن الكريم ، والسنة النبوية ، ولغة العرب ، وهذا ما يتفق مع مقاييس علم اللغة الذي يحرص على توصيف واقع اللغة ، وما لا يحتاج إلى تأويل وتقدير أولى مما يحتاج إليه .
11- (حذف الشرط والجواب وبقاء الأداة ) ، كما في قول الراجز :
قالت بنات العم : يا سلمى و إن كان فقيرا معدما ، قالت : و إن
والتقدير : " و إن كان فقيرا معدما أرضَ به " .
هذا فيما يتعلق بالجانب التركيبي للجملة الشرطية ، أما الجانب الدلالي فقد كان له وافر النصيب عند علماء البلاغة ، فهذا إمام البلاغة عبد القاهر الجرجاني يبين ذلك حين تحدث عن نظرية النظم ، و أن الناظم لا يبتغي بنظمه غير أن ينظر في وجوه كل باب وفروقه ، فينظر في " ( الشرط والجزاء ) إلى الوجوه التي تراها في قولك : " إن تخرجْ أخرجْ " ، و " إن خرجتَ خرجتُ " ، و " إن تخرجْ فأنا خارجٌ " و " أنا خارجٌ إن خرجتَ" ، و " أنا – عن خرجتَ – خارجٌ " " ، فذكره لهذه الأنماط الشرطية فيه دلالة على الفروق التي تميز كل نمط عن الآخر .
و أنماط الجملة الشرطية عند البلاغيين جاءت ستة فقط ، بينما قد بلغت عند النحويين إحدى عشرة صورة ، والصور الخمس التي تركها البلاغيون هي :
1- ماضٍ – مضارع مجزوم .
2- ماضٍ لفظا ومعنى أو معنى فقط – مضارع مرفوع .
3- حذف فعل الشرط دون الأداة – الجواب مذكور.
4- الأداة والشرط – الجواب حذفت منه الفاء.
5- حذف الشرط والجواب وبقاء الأداة .
ولعل السبب في عدم ذكر البلاغيين للنمط (ماضٍ لفظا ومعنى أو معنى فقط – مضارع مرفوع ) أن الإعراب لا يترتب عليه نكتة بلاغية ، و أن حذف الفاء من النمط (الأداة والشرط – الجواب حذفت منه الفاء ) يؤدي إلى غموض الربط بين الشرط والجواب ، وهذا يؤثر على فصاحة الكلام ؛ لذا ترك البلاغيون ذكره ، خاصة و أن الشاهد النحوي على ذلك " من يفعل الحسنات الله يشكرها " لم يرد إلا في الضرورة الشعرية ، أما النمط (حذف الشرط والجواب وبقاء الأداة ) فليس فيه دلالة بلاغية يحرص عليها البلاغيون إلا الإيجاز الذي أصبح ملحظا بلاغيا متكررا ، واه صوره الكثيرة ، يضاف إلى ذلك قلة الاستعمال .
والتعبير بالمضارع " تخرجْ – أخرجْ " فيه معنى التعليق ، وبالماضي " خرجتض – خرجت ُ" يدل على رغبة المتكلم في وقوع الفعل فأكد ذلك التعبير بالماضي ، ومجيء الجواب جملة اسمية يعني أن المتكلم يؤكد حكمه ويقويه ، كما أن حذف الجواب على قول القدماء ، أو اعتبار دليل الجواب المقدم جواب شرط مقدم : فيه فضل عناية واهتمام بالجزاء إن قلنا بتقديم الجواب ، و إن قلنا بحذف الجواب على رأي أسلافنا فإن المتكلم يُعمِل فيه عقله ، وفي إقحام الشرط بين المبتدأ والخبر عناية خاصة بالمبتدأ المقدم على جملة الشرط .
وقد تناول البلاغيون كذلك الحديث عن جملة الشرط في باب الحذف ، إذ قد يحذف الشرط ، كما في قوله تعالى : " وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق " ( المؤمنون: 91) ، والتقدير : وما كان معه من إله ولو كان معه آلهة إذاً لذهب كل إله بما خلق " ، ففي الحذف دلالة الإيجاز ، وهذا ملحظ بلاغي . وقد يكون المحذوف جواب الشرط ، ويحذف إما للاختصار ، كقوله تعالى : " و إذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون " ( يس: 45) ، فالتقدير " أعرضوا " بدليل قوله تعالى بعد ذلك " إلا كانوا عنها معرضين " ، و إما للإحاطة والشمول ، كما في قوله تعالى : " وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين " ( الزمر:73) . ولنكت بلاغية أخرى
|
|
|
|
|