للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

لغة الخطاب في التدريس الجامعي بين الفصحى ... والعامية

أ. د. فاضل خليل إبراهيم

     لكي نسعى الى تحقيق جودة التدريس الجامعي ، بوصفه منظومة متكاملة ، تهدف الى بناء شخصية الطالب الجامعي وتنميتها في الجوانب المعرفية والقيمية والسلوكية ، لا بد من التنبيه الى ضرورة تحسين وتطوير لغة الخطاب كأداة للتواصل بين الاستاذ الجامعي وطلبته ، ليس على الصعيد الاكاديمي فحسب ، بل على مستوى التداول اليومي للغة في المحيط الجامعي .
   ان ما نقصده بلغة الخطاب ، اللغة التي يستخدمها الاستاذ الجامعي في ايصال المعرفة العلمية الى طلبته في القاعة الدراسية : عرضا ، أو توضيحا ، أو مناقشة ؛ أو اثناء اجراء التجارب في المختبرات ؛ او في العمل الميداني أو الحقلي ؛ او في تقديم النصيحة أو التوجيه التربوي ، وبمعنى آخر ان الاستاذ الجامعي يستخدم نوعين من الخطاب : الخطاب المعرفي والخطاب التواصلي .
 ولا شك أن لغة الخطاب لا تعني المفردات والتراكيب اللغوية فحسب ، بل تعني ايضا ما تحمله تلك المفردات من مضامين معرفية وفكرية لبيان الحجة وإقامة الدليل ، فقد اشار القران الكريم الى هذا المعنى في حديثه عن النبي داؤود (عليه السلام) ,
قال تعالى: ((وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ))(سورة ص ، الاية 20) ، اي وقوينا ملك داؤود ، وآتيناه النبوة ، وإصابة الصواب في القول والعمل ، والفصل في القضاء ، وبيان الحق من الباطل. وقال تعالى ، في نبأ الخصمين اللذين دخلا على داؤود ليحكم بينهم : ((إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)) (سورة ص ، الاية 23) ، اي غلبني في بيان الحجة وفي  المجادلة .
واللغة العربية بوصفها لغة التدريس في عموم التخصصات الانسانية والعلمية ، باستثناء اقسام اللغات الاجنبية ، تعاني من ازدواجية الاستخدام بين الخطابين الشفهي والكتابي ، ففي الوقت الذي يتقيد فيه الاستاذ بضوابط اللغة العربية في الخطاب المكتوب وبنسب متفاوتة في الجودة ، نجده في الخطاب الشفهي اقرب الى العامية منه الى الفصحى .
لقد كرم الله تعالى اللغة العربية بأن جعلها لغة القرآن الكريم ، كما حفظها من الزوال، لذا فمن واجب اساتذة الجامعة في مختلف التخصصات العلمية ان يرتقوا بهذه اللغة في خطابهم المعرفي وفي تواصلهم مع طلبتهم وبمستوى ((اللغة الفصحى المتوسطة المعتدلة)) ، من اجل ألا تكون الفصحى لغة الادب والشعر فحسب ، والاهتمام بها حبيس اقسام اللغة العربية في الجامعة ، وببعدها الاكاديمي ليس إلا ، اما البعد التواصلي ؛ اي التناول اليومي لها من قبل اهل الاختصاص فبالعامية ايضا ، يقول احد اساتذة العربية :
(( الكلام في قسم اللغة العربية بالذات بالعامية ، فكيف تسود الفصحى اذا كان اصحاب التخصص قد اعرضوا عنها ؟ )) .
لا شك ان اللغة هي وعاء العلم والمعرفة ، وهي تعكس ثقافة المتحدث بها ، ونمط تفكيره، فاذا تمكن منها ، وأجاد مفرداتها وقواعدها وتراكيبها ،استطاع ان يوصل رسالته للآخر بدقة ووضوح ، مقنعا اياه ، وربما فاقه في الجدل والحوار . والفصيح من القول هو خير تعبير عن مكامن النفس والعقل ، وفصيح اللسان يستعان به في النصح والتبليغ والدعوة ،فقد استعان موسى (عليه السلام) بأخيه هارون لكونه افصح منه لسانا ، قال تعالى  :
((وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ))(القصص : الآية 34) .
ولابد ان نطرح سؤالا مفاده ، ما اسباب غلبة العامية على الفصحى في محاضرات بعض الأساتذة ومناقشاتهم ؟ وهل لذلك تأثير على طلبتهم ؟
يرى كاتب هذه السطور ان تلك الاسباب تعود الى :
1- انكفاء بعض الاساتذة على تخصصاتهم العلمية ، الضيقة احيانا ، دون محاولتهم تطوير معرفتهم الاكاديمية في الميدان الارحب .
2- ضعف الاقبال على القراءة الثقافية العامة ، خاصة الكتب والمقالات ذات  الطابع الفكري او الادبي او الفلسفي ، وحتى الديني . مما اضعف لديهم المحصول اللغوي من المفردات والجمل والسياقات الفصحى .
3-     بعض الاساتذة يبنون ثقافتهم على المشافهة من خلال الآخر ، ويؤسسون معظم استنتاجاتهم عليها ، وذلك بطبيعة الحال يؤثر على افقهم المعرفي.
4-    قلة الممارسة الاجتماعية للغة الفصحى داخل اروقة الجامعة ، وقد يجد من يتكلم العربية الفصحى في المناسبات العامة حرجا ، وربما انتقادا من البعض الذي لا يروق له ذلك الامر .
5-    غلبة استعمال المفردات الاجنبية على العربية الفصحى ، لمن يتقن اللغة الاجنبية ومن لا يتقنها ، او حتى لا يعرف منها إلا اطرافها ، تزيينا للكلام ظاهره دون جوهره .
6-    احجام الكثير من الاساتذة عن الكتابة التأصيلية في ميدان التخصصص او حوله ، وبوجه خاص المقالات القصيرة والهوامش والتعليقات ، لان الاخيرة تتطلب انتاج افكار من صاحبها ذات لغة غنية بمفرداتها المتميزة.
ان عواقب العامي من اللغة شديدة على الطلبة ، فالطالب في الاعم الاغلب مقلد لأستاذه في لغته ومتأثر بها . كما ان الطالب سيلجأ الى الحفظ والتلقين وليس التفاعل مع المعرفة المقدمة له بالعامية ، لان كثيرا من مفردات الفصحى بعيدة عن ادراكه ، فينتج عن ذلك صراع بين رغبة الطالب في التعبير وقدرته على ألتعبير .
  ومما زاد في الامر خطورة ظهور ما يسمى باللغة الثالثة بفعل وسائل التواصل الاجتماعي الالكتروني على الشبكة العنقودية ، فتتشكل لدى الطالب ، وحتى الاستاذ اذا شاركه بالتواصل ، لغة جديدة خليط بين العامية وبعض من الفصحى مع غلبة المفردات الاجنبية .
كيف السبيل الى جودة لغة الخطاب في التدريس الجامعي ؟ للإجابة نقدم التوصيات الاتية :
1-    حث اعضاء مجالس الجامعات والكليات والأقسام والفروع العلمية على الالتزام بالغة العربية الفصحى في منحاها المبسط ، وتجنب الالفاظ العامية في مناقشاتهم .
2-    تشجيع اعضاء الهيئة التدريسية بمختلف مراتبهم العلمية على التحدث بالعربية الفصحى امام طلبتهم داخل المحاضرات وخارجها .
3-    اخضاع المتقدمين لإشغال عضوية هيئة التدريس في الجامعات الى امتحان القدرة اللغوية قبل المباشرة بمهنة التدريس .
4-    الزام عضو هيئة التدريس الراغب بالترقية العلمية الى مرتبة اعلى اجتياز دورة تطويرية في سلامة اللغة العربية واليات تعزيز الثروة اللغوية ، والتعبير اللغوي ، اسوة بدورة طرائق التدريس.
5-    الدعوة الجادة الى تعزيز القراءة الادبية ، وحث الاساتذة على قراءة ادبيات بعينها يتم تحديدها من قبل اقسام اللغة العربية ، تساعد على الاثراء اللغوي .
6-     تعزيز المنابر الخطابية في الجامعة ، وتشجيع الاساتذة في التخصصات العلمية والإنسانية من غير المختصين في اللغة على تقديم افكارهم شفاها امام جمهور من الطلبة والأساتذة ، وتخصيص قاعة في مكان ما في الجامعة لهذا الغرض ، تكون بمثابة مختبر لتنمية اللغة المنطوقة .
7-     وأخيرا قيام الجامعات بتخصيص يوم في العام يطلق عليه ( يوم الضاد)، يتعهد فيه اساتذة الجامعة وطلبتهم ان يتحدثوا بالفصحى في ذلك اليوم.  


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية