|
|
|
|

عقبة اللغة.. في اجتماعات العمل
م.أيمن خوري
ما دفعني الى كتابة هذا المقال, هو ما حدث معي في أحد الأيام الماضية عندما كنت متواجدا مع جمع من المهندسين في مختبر يعود لاحدى الشركات اليابانية المتخصصة في مجال الاتصالات اللاسلكية والهاتفية. بعد جلسة العمل الأولى التي عقدناها, وبعد ان قام كل شخص موجود في قاعة الاجتماعات بالتعريف بنفسة وبنوعية العمل الذي سيقوم به وبالمهامات والواجبات المسندة اليه, تم على الفور تشكيل فرق او مجموعات عمل صغيرة وباشرنا مهامنا الموكلة الينا.
في الجلسة الثانية من برنامج العمل وبالرغم من ان اللغة الانجليزية هي اللغة التي تم اعتمادها كلغة مشتركة للحوار والمناقشة ولكتابة التقارير وتسجيل النتائج, ألا اننا كنا قد تعرضنا الى بعض المعوقات اللغوية وذلك بسبب اختلاف الألسنة, وهذا امر طبيعي. كان هنالك عدد قليل من المتواجدين في مجموعة العمل يجيدون القراءة والكتابة باللغة الانجليزية, لكنهم يواجهون بعض الصعوبات في التحدث بطلاقة وفي طرح المواضيع الشفوية والخوض في غمار الاسئلة والاجوبة. كانت تلك المشكلة تتجلى عندما كان يتجه سير النقاش الى مراحل شائكة ومعقدة تحتاج الى المزيد من الدقة والتفصيل.
وجدت نفسي في بعض الأحيان مرغما على القيام بالترجمة الفورية من اللغة الانجليزية الى اليابانية وبالعكس, وهذا امر لم يكن في الحسبان ولم اكن اتوقعه, لكن واقع الحال آنذاك اجبرني على التدخل لأداء هذه المهمة الصعبة. اقول صعبة, لأنني لست متخصصا في الترجمة الفورية ولا احمل شهادة بها ولم انتسب الى اي دورة تدريبية في هذ المجال. لكن لا مفر من القيام بذلك من اجل المساعدة في ايجاد حلول عاجلة للمواضيع والمشاكل التقنية التي كانت تواجهنا.
بعد ان فرغنا من القيام ببعض التجارب, قمنا باخذ عينة من النتائج التي تتمحور حول مشكلة تقنية معينة. كانت تلك المشكلة التقنية تتطلب الكثير من الشرح والتفصيل والسين والجيم الخ, وبعد مضي اكثر من نصف الساعة من الجدال والمناقشة في تلك المشكلة لفهم حيثياتها ومسبباتها لكي نتمكن من وضع الحلول المناسبة لها, على مبدأ المشكلة التي يتم تعريفها وفهمها هو نصف حلها, وصلنا الى عقبة اللغة مجددا, الأمر الذي اوصلنا الى طريق مسدود والى حالة من اليأس في المتابعة. حينها كان لا بد من ايقاف تلك المناقشة العقيمة, وايجاد طريقة فاعلة وبديلة لذلك, لأن سيف الوقت قاطع ولا يرحم.
اقترحت على المتواجدين في القاعة ان نستخدم اللوح الابيض «السبورة» لشرح المشكلة ومناقشة حيثياتها خطوة بخطوة, وافقني الحضور على ذلك, تركنا مقاعدنا وتجمهرنا امام اللوح الابيض. اصبحت لغة الحوار المشتركة الآن عبارة عن الرسومات والكتابات التوضيحية على اللوح مع المحادثة البسيطة المصحوبة ببعض الجمل القصيرة التي تحمل في طياتها العديد من المفردات العلمية والتكنولوجية, وفي نهاية المطاف استطعنا الوصول الى ارضية او وسيلة مشتركة للنقاش العلمي وتمكنا من تحقيق الهدف المنشود وايجاد الحلول الملائمة, لكن ذلك الامر استغرق وقتا اكثر من اللازم لأن عائق اللغة كان حاضرا بقوة.
مما لا شك فيه, بان التسلح والتحزم بالعلم امر حتمي وضرورى, لكن معرفة وتعلم لغات اجنبية الى جانب اللغة الأم هو امر مهم ومتطلب عصري لا يجب المرور عليه مرور الكرام. لذلك اتوجه الى الجهات التعليمية والى كافة المؤسسات المعنية في أردننا الحبيب, واحثهم على اعطاء هذا الموضوع المزيد من الاهتمام, لتشجيع ابنائنا واحبائنا الطلبة ليس لتعلم لغة اخرى كالانجليزية او الفرنسية او غيرها من اللغات, قراءة وكتابة فحسب, بل التركيز على جانب المحادثة والمحاورة والاستعياب ايضا كعناصر هامة لا يجب اهمالها. مع التأكيد مجددا بان ذلك كله, أي تعلم لغة او لغات أجنبية أخرى, يجب ان لا يكون على حساب لغتنا العربية الجميلة والرائعة التي نعتز ونفتخر بها في كل مكان وزمان.
الرأي
|
|
|
|
|
|