للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

العروبة في خطر - 1

أ. جواد محمود مصطفى

قدّر لي في العام 1976، وتحديدا في شهر أكتوبر، أن أكون في فيتنام، بعد اندحار القوات الأمريكية من جنوب البلاد في 17 يونيو1975 ، ومن الأمور التي استرعت انتباهي بشدّة خلال جولات في شوارع هانوي شبه المدمّرة ثم في مدينة هوشي منه "سايغون سابقا" أن لوحات "آرمات" المحلات التجارية والبقالات، والأسواق، والشركات والفنادق وأسماء الشوارع والجادات الداخلية والمدارس، والبنوك والشركات وغير ذلك، مكتوبة باللغة الفيتنامية فقط، وكذلك الدوائر الحكومية والحدائق والوزارات، ولا شيء مكتوب باللغة الفرنسية حيث كانت فرنسا قد احتلت ما كان يعرف بالهند الصينية وفيتنام جزء منها في العام 1954 ، ولا باللغة الإنجليزية كذلك .
علمت أن الشعب الفيتنامي يشعر بالفخر والاعتزاز بهويته الوطنية وتاريخه، ويعتبر اللغة رمزا للسيادة والكرامة للوطن والمواطن على حد سواء، وبهذه الروح الكفاحية، إلى جانب المقاومة المسلّحة استطاع دحر القوات الفرنسية وإرغامها على الانسحاب من عموم الأراضي الفيتنامية ... وهكذا كان الحال مع المحتلّين الأمريكيين لجنوب البلاد.
اللغة هنا سلاح ثقافي قوي وفعّال، بيد الشعوب المقهورة لمقاومة المحتلين والغزاة ، ولنا في الجزائر أقوى نموذج لهذه المقولة، فلم تستطع فرنسا إحلال لغتها مكان اللغة العربية رغم استخدام كل وسائل الترهيب والترغيب، فبقيت لغتنا هي السائدة، وكذلك في فلسطين حيث لم تستطع اللغة العبرية الهجينة والدخيلة السيطرة على الثقافة العربية الفلسطينية.
في الوطن العربي مفارقات عجيبة، من هجر للغتنا القومية تحت عناوين مشبوهة ، وهذا الأمر دفعني إلى التفكير بالمصير المتوقع للّغة العربية في العديد من أقطار وطننا الكبير، إذا ما بقي الحال على هذا المنوال ، أي التخلي بوعي أو دونه، أو بسبب الإهمال، أو التباهي، عن لغتنا التي هي مكوّن مهم من مكوّنات حضارتنا التي كانت يوما مزدهرة ورمزا لعزّتنا وكرامتنا وسيادتنا القومية، ومقوّمات وحدة أمّتنا.
تجوب شوارع العواصم والمدن العربية، فترى أهل اللغة أنفسهم سواء كانوا قيادات فكرية ، سياسية أو ثقافية وعلمية، لم يعودوا يحفلون بالحفاظ على اللغة التي حفظت لأمة العرب الهوية والتراث والعقيدة، فتصاب بالغثيان من المتحذلقين "المتفرنجين"، وحتى الناس العاديين وهم يرطمون بلغات أجنبية، وحتى صناعة السينما بات الممثلون يتحذلقون في حوارهم بالإنجليزية، وبات المغنون والمغنيّات يكتبون أسماءهم بنظام الكليب باللغة الإنجليزية .
الظواهر الواضحة لتراجع استخدام"اللسان العربي"، تحمّل المسؤولية إلى البرامج التعليمية في البيت والمدرسة والجامعة والبيئة الاجتماعية، وفي المقدمة من كل ذلك، لعب الاستعمار دورا مبرمجا لإضعاف اللغة العربية ليصرف عنها أبناؤها حتى تتقطّع الصلة بينهم وببن أصولهم العريقة ومقومات وحدتهم، وصولا إلى العقيدة .
ومما يثير الأسى أن وسائل الإعلام المتعددة، وبخاصة المرئية منها، أي محطات التلفزة والفضائيات العربية، تلعب دورا خطيرا في تحجيم "لغة الضاد"، وإحلال اللهجات العامية والمحلية، مكان اللغة العربية المبسّطة والسّهلة، وتصاب بالهلع من العديد من مقدمي البرامج التلفزيونية من الجنسين يقحمون بعض المفردات والعبارات الأجنبية في سياق الحديث إلى المشاهدين والمستمعين، فكل مذيع، أو مقدّم برامج أو صحفي أو سياسي له دور مؤثر في المتلقي العربي ..وللإنصاف أقول إن الصحافة المكتوبة ما تزال أقل ضررا في هذا المجال.
يقال إن اللغة العربية "لغة الضاد" من أقدم اللغات التي عرفتها البشرية وأكثرها طواعية في استيعاب الاختراعات والمستجدّات العلمية والمعارف والحضارة على مر العصور، بل إن اللغات الأخرى كالسريانية والآرامية والفنيقية والعبرية مستنسخة من العربية، وكلها اندثرت وتلاشت ، ويكفينا فخرا وزهوا أن القرآن الكريم تلي على الرسول الأعظم محمد بن عبدالله باللغة العربية تكريما لأمة العرب، وليتفهّمها كل المسلمين غير الناطقين بها، قال الله تعالى في (سورة الزخرف):"إنا جعلناه قرءانا عربيا... "، وقال في (سورة الشورى): "وكذلك أوحينا إليك قرءانا عربيا... "، وفي(سورة الأحقاف) قوله تعالى: " .. وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا".

بوابة الشرق

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية