|
|
|
|

الدين الالكتروني
أ. ميادة كيالي
أصبح من اللافت مع الغزو الإلكتروني لفضاءاتنا الروحية، حدوثُ تحوّل في الكيفية التي تحدد شكل التعاطي مع الدين، فطغيان الشبكة العنكبوتية عوالمنا، وابتكارها المستمر لأشكال التواصل التي جمعت الشامي بالمغربي بالأوروبي بالآسيوي بالأمريكي بالإفريقي، أسست لأشكال جديدة من المفاهيم، وأنتجت نماذج للتدين جاءت لتزيد الطينة بلة، في ظل غياب جوهر الاعتقاد، ومفهوم الإيمان، وأهمية الدين.
اليومَ نواجه مشكلة كبيرة في اللغة العربية وهي لغة القرآن الكريم، حيث تدرّس بطريقة تقليدية مقيتة تتكئ نصوصها في الغالب على التاريخ، فتجترّه من جديد بقنوات تعزز موروثاً تديّنياً أحادياً، ما أفقد الشباب روح التواصل مع اللغة، وبالتالي مع الدين، وباتت اللغة محط سخريتهم، بحيث احتالوا على التسمية. وحتى لا يُكَفَّروا أطلقوا على سخريتهم من اللغة “نكت من أيام الجاهلية”.
لا يشعر الجيل الجديد بأي انتماء لهذه اللغة، ولا يحبها ولا تشده للمطالعة. ونرى كيف تحولت الرموز الدينية إلى مدعاة للشفقة، فنجد صفحة على الفيسبوك لمليونية صلاة على النبي، ومواقع لتكرار أصول الدخول والخروج من الخلاء، وكيف نتيمّم، وأنواع الأدعية وتصنيفاتها؛ فتلك لإنجاب الأولاد، وأخرى للرزق، وثالثة لفك السحر، ورابعة للحفظ من الفقر، وغيرها كثير مما لا مجال لحصر أشكال تمظهراته الدينية على الإعلام ووسائل التواصل، وأخيراً ابتلينا بتنظيمات دينية ترفع شعارات طائفية، وتسوّق للقتل على الهوية، ويجمعها كلها مقولة “الله أكبر” كماركة مسجلة للإجرام “حاشى لله”!
وثمة من يدعوك: إن كنت مؤمناً حقيقياَ فلتضع “لايك”، ونتباهى بعدد المشاهدات، وعدد اللايكات، وبرنامج إقرأ، وبرنامج عن قصص الأنبياء، وندوات حوار، وأنت تسأل في دينك ونحن نجيب.
تحوّل الدين، الذي هو تديّن، فلم يبق من جوهره شيء، إلى “بوستات” تدّعي أنها تثقفك، فتقوم بمشاركتها وكلك أمل أن تحمل النورين: نور الثقافة ونور الدين، مع كل مساهمة لك في القص واللصق أو النقل أو المشاركة.
وحتى الرسائل المتبادلة بيننا في المناسبات الدينية أصبحت كالوجبات الجاهزة، وبالتالي بكبسة زر واحدة ترسل رسالتك الفارغة من المحتوى، والتي بلا روح ولا روحانية، ترسلها لمن تحب، وتتوقع أن تنال الثواب وتشكر على تدينك اللافت، وتصبح مركبات الدين الجديد الأساسية بدلاً من ثلاثية فراس السواح: “المعتقد والطقس والأسطورة ” والفرعية “أخلاق وتشريع وشعائر”، تصبح: “كمبيوتر وإنترنت وبرنامج لغة عربية “وفيس بوك وتويتر وواتس آب”، فتتلاشى الروح، ويتشظى الشغف!
هذا “الدين الإلكتروني” الجديد سيكون دين الأجيال المقبلة، وقد تسأل شاباً مسلماً من هو محمد بن عبد الله (عليه السلام)، فيقول لك: انتظر ريثما “أجوجله”، وإذ تسأله: ماهي مفاهيم دينك، وأركانه عقائده ومقاصده، فسيذهب، وربما لا يجد الإجابة، إلى موقع “ثقف نفسك، أو أسلم نفسك”..
وما تقدّم، بالرغم من من سوداويته، إلا أنه جرس إنذار لنتحرك ونؤسس لطريقة أفضل للتعامل مع الدين، بحيث لا نقع في فخ من يستخفون بعقولنا، ولا نبتعد، بسبب بلاهة الطروحات المقدمة، إلى نفض يدنا من الدين، والهروب إلى انتماءات جديدة لا تقل خطورة عن دين الإنترنت الحديث الذي يعمّق اغترابنا، وانسحاقنا الروحي والحضاري.
all4syria
|
|
|
|
|
|