للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

أسئلة اللغة في الشعر الإماراتي الجديد

إبراهيم اليوسف

تحوز اللغة اهتماماً كبيراً في الشعر، لأنها ركيزة رئيسة لابد منها في أي عمل شعري، إلى تلك الدرجة التي اتفق عدد من نقاد شعر ما بعد الحداثة على أن القصيدة عبارة عن "عمارة لغوية" أو على نحو أدق أنها عبارة عن "ظاهرة لغوية"، ولذلك، فإن القصيدة التي تحقق شرطها الإبداعي، هي تعتمد من ضمن أدواتها المهمة على لغة تستطيع النهوض بالحالة الشعرية، وبلغة أخرى، فإن شاعرها متمكن من ملكة اللغة، وأنها طيعة بين يديه، ويتعامل معها على نحو خاص ومختلف عما هو مستهلك، ولاسيما أن لغة الشعر حتى وإن استفادت من المفردة اليومية، فإنها تصاغ على يدي الشاعر المتمكن بطريقة مغايرة عما هو مألوف، كي تكون لها خصوصيتها، هذه الخصوصية التي يتم الحديث عنها كإحدى العلامات الفارقة في أية تجربة شعرية تمتلك فرادتها . وعلى ضوء مثل هذه المقدمة، فإنه يمكن التأكيد أن الشاعر ذا الحضور الإبداعي، يحاول عدم تكرار لغة سواه، بل إن اللغة لديه تنثال بشكل عفوي تلقائي، عبر روحه التجريبية، كإحدى الأدوات المهمة في مختبره الشعري، من دون أي تلكؤ، وهي صفة تلازم الشاعر المتمكن عادة .

خصوصية المكان

إن أية قراءة بنيوية لقصيدة الشاعرالإماراتي، تبين أن فيها ما هو مؤتلف إلى جانب ما هو مختلف، ضمن إطار كتابتها باللغة الأم التي طالما كتب بها الشعراء العرب نصوصهم في مختلف مراحل الشعر المعروفة، منذ ما اصطلح عليه بالشعر الجاهلي - وهو شعر مرحلة ما قبل الإسلام - ومروراً بعهد ما بعد الإسلام إلى يومنا هذا . ولعل وجود أرومة لغوية واحدة، هي لغة الثقافة، ولغة الإبداع، جعلت الشاعر العربي - في أي بلد عربي - يكتب من معجمين، أحدهما: عام، وهو الذي يلتقي في فضائه ما هو مشترك، وثانيهما خاص، وهو الذي يعتمد على خصوصية المكان، إضافة إلى خصوصية الشاعر نفسه .
وفيما يتعلق بخصوصية المكان الإماراتي، فإن تعايش عالمي البحر والصحراء - في آن - إلى جانب الجبل، وهي جميعها علامات بيئية بارزة، انعكست بمفرداتها على خيال الشاعر المتمكن من أدواته، ولغته، كي نكون أمام نص فيه الكثير من رموز ، وقصص، وأساطير المكان، وإنسانه، وهو يواصل الحياة، بهمة عالية، ولهذا فإن الناقد الأدبي، ليعثر على مفردات عالم الصيادين، والبحر، واللؤلؤ، والقراصنة، والأمواج، ليكون كل ذلك مادة غنية لايتلكأ الشاعر المبدع، وهو يستلهمها، يعيد صياغتها الشعرية، عبر الأداة اللغوية .

خريطة اللغة الشعرية

إذا كانت تجربتا الشاعرين حبيب الصايغ وظبية خميس بدأت في نهاية سبعينات القرن الماضي، إلا أنهما تبلورتا على نحو أوضح في مرحلة الثمانينات، ولا تزالان تواصلان عطاءيهما، كما ستظهر - وبقوة - تجربة إبراهيم محمد إبراهيم وأحمد راشد ثاني وآخرون، بيد أن مرحلة التسعينات شهدت حضوراً شعرياً لمجموعة من الشعراء الذين ظهرت أصواتهم في المشهد الشعري، إذ إن أية متابعة لنتاجات شعراء هذين العقدين الزمنيين تبين أن اللغة باتت تتحول - تدريجياً - وتتخفف من دويها، من خلال الاعتماد على سلاستها، وإن كنا سنجد من يحاول أن يكتب القصيدة الجديدة، ويحافظ على تقليدية اللغة، في بعض النصوص .
إن ظهور قصيدة النثر، في المشهد الشعري، كان بمثابة تحد كبير للقصيدة التقليدية، لذلك فإن التحول اللغوي من قبل الشاعر المحدث بات ملحوظاً جداً، وإن كانت قصيدة التفعيلة، ستحافظ على حضورها، وتقدم أوراق اعتمادها، كما قصيدة النثر، لتكونا في الصدارة، ومن هنا، فإن الشاعر الإماراتي استطاع أن يكتب قصيدته، وهو يعتمد على رصيد كبير من مفردات البيئة التي تحيط به، إلى جانب تفاعله، عبر عامل المثاقفة، مع منجزات القصيدة العربية، ولاسيما في عدد من عواصمها كما: بيروت - دمشق - القاهرة، وهو أمر مسوغ، بالنسبة إليه، يقول أحمد راشد ثاني:
أنتَ أنا الذي لم يعبرْ
الذي ظل غريقاً في الطوفان
الذي ظل أنينا، وظلاً
على شفةِ البحر .
أنت الذي لم يتكور كصخرةٍ
لم يُنلْ كقِطاف السرقةِ
لم يقفْ كحائطِ المنتهى
لم يحتطْ كبئرٍ في جحرٍ
لم يُحول النجمةَ إلى مخدّةٍ
ولا النبعَ إلى صنبورٍ
ونجد الشاعر حبيب الصايغ، يعود - بدوره - باللغة إلى عمق شاعريتها، من خلال اعتماد المفردة البسيطة، الشفافة، وإن كانت كتابته لقصيدة العمود إلى جانب التفعيلة والنثر، حيث يجد قارئ تجربته أن القصيدة لديه تفرض لغتها، بمعنى أن اللغة تتولد من خلال الحالة الشعرية، وهي سمة تسجل لنص الشاعر، يقول:
أين يكمن سر البذور
تظل تدور وتنأى بأنفسها وكأن اليقين
حشاشتها ودم النفس
لكنها تستحيل حرائق
وتغدو مشانق
ويحملها الحاطب العدمي على ظهره
كلما ينحني، يتفتق عن بذرة جذعها
وعن بذرة أختها دمعها
كلما ينحني، ننحني
أين يكمن سرَ البذور؟
حقيقة، إن تحولات اللغة في الشعر الإماراتي تبدو جلية على مدى الشريط اللغوي على مدى ثلاثة عقود ونيف، حيث إن مدماك اللغة استطاع أن يحافظ على بعدها الجمالي، كي تسمو على اعتبارها مجرد حامل للإبداع، لتدخل في صميم اللعبة الإبداعية من قبل عدد من الشعراء . وهو ما يمنح ثيمة اللغة في هذه القصيدة إمكان استقرائها عبر موشورات عدة، دلالياً، ومعجمياً، وبنيوياً، وهو يحتاج إلى جهود متواصلة، حثيثة، في هذا المجال .

الخليج

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية