|
|
السّياسات العربيّة تجاه اللُّغة العربيّة في عصر العولمة
أ.د. عبد الله واثق شهيد
مظهر من أهمّ مظاهر العولمة الّتي تعنينا في موضوعنا هذا، هو ما يحمله طغيانها من أخطار تحدّق بهُويّات الشُّعوب: ثقافاتها ولغاتها، ذلك لأنّ مكوّنات الحضارة والمعرفة تكاد تنقل جميعها إلى جميع أصقاع المعمورة باللُّغة الإنجليزية: في وسائل الاتّصالات المسموعة والمرئيّة والمكتوبة... بالتلّفزة والسّينما وأشرطة الصّوت والفيديو والمنشورات الورقيّة والإلكترونيّة، وفي جميع مجالات الحياة الفكريّة الثقافيّة والتّعليميّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وفي العلوم بفروعها المختلفة من أساسيّة وتطبيقيّة وإنسانيّة، وفي الآداب والفنون.
وتقود هذه الهيمنة إلى تلوين ثقافات الشُّعوب تدريجيًّا بألوانٍ يختفي وراءها وجه الثّقافة الأصليّ، ولا يلبث أن تضمحل صورته وتطمس معالمه وآثاره.
إنّ سرعة تقدّم العلوم والمعرفة عامّةً والاتّصالات والمعلوماتيّة منها خاصّة، جعل وقع ضربات العولمة أشد وأقسى على الاقتصاد والمجتمع واللّغة. فقد ذُكِرَ في تقرير الأمم المتّحدة عن التّنمية البشريّة في عام 2001 أنّه في ذلك العام كان "يمكن إرسال معلومات عبر كابل واحد في ثانية واحدة أكثر من المعلومات المرسلة في عام 1970 عبر شبكة الإنترنت بأكملها في شهر. وأن سعر نقل تريليون بت من المعلومات من بوسطن إلى لوس أنجلوس انخفض من /150/ ألف دولار في عام 1970 إلى 12 سنتًا اليوم ويتكلّف نقل ملفٍّ مكوّنٍ من /40/ صفحة من شيلي إلى كينيا بالبريد الإلكترونيّ أقلّ من 10 سنتات وبالفاكس حوالي 10 دولارات وإرساله بالبريد المستعجل يتكلّف 50 دولارًا "(). هذه أمثلة نموذجيّة عن وقع التّغيُّرات السّريعة في الاتّصالات والمعلوماتيّة على الاقتصاد الّذي يسير عالميًّا في اتّجاهٍ واحدٍ هو اتّجاه الاقتصاد الأقوى الّذي فرض وسائل العولمة الاقتصاديّة ومفاهيمها، كمنظّمة التّجارة العالميّة واقتصاد السُّوق، وطغى على الاتّجاهات الأخرى فقضى عليها أو همّشها.
إنّ دراسة اللُّغة من منطلقٍ علميٍّ صرفٍ بعيدًا عن الانفعالات العاطفيّة يساعد على إيضاح رؤية مشكلاتها ضمن بيئة العولمة، ويرينا أنّ العولمة تسعى إلى هيمنة نموذجٍ لغويٍّ واحدٍ كما تسعى إلى هيمنة نموذجٍ اقتصاديٍّ واحدٍ، وتشابه المصيرين بيّنٌ واضح فيما جاء في الصّفحة الأولى من هذه الدّراسة. إنّ هيمنة اللُّغة الإنجليزيّة ستؤدّي إلى تهميش اللُّغات الأخرى واندثار الضّعيفة منها، وإلى انزواء القويّة في جزرٍ لغويّةٍ ضيّقةٍ لتلقى فيما بعد المصير نفسه. ويبدو من الإحصاءات أنّ عدد اللّغات الّتي يتوقّع لها أن تندثر في الخمسين سنةٍ القادمة يبلغ ثلاثة آلاف وأربع مئة لغة().
ولقد هزّ طغيان اللّغة الإنجليزيّة شعوب العالم بعنف، المستضعفة منها والقويّة، فانبرت متّحدةً لدفع شرور ذلك الطّغيان، وللدّفاع عن هويّاتها في منظّمة الأمم المتّحدة للثّقافة والتّربية والعلوم (اليونسكو)، التي أصدرت قرارًا حازمًا في خريف عام 2005 يؤكّد ضرورة الحفاظ على التّنوّع الثّقافيّ في العالم، واتُّخذ القرار بإجماع الدُّول الأعضاء إجماعًا خرجت عنه الولايات المتّحدة وإسرائيل فقط، مع أنّ إسرائيل من أشدّ الدُّول تمسُّكًا بلغتها العبريّة الّتي أحيتها بعد موت واندثار.
فما هو واقع اللُّغة العربيّة في هذا العصر؟ نحن نعلم أنّ مستوى التّعليم في بلادنا أخذ بالتّراجع منذ الرّبع الأخير من القرن الماضي إن لم يكن في بعض الأقطار العربيّة منذ ستينيّاته. لقد تراجع أمام التّفجُّر السُّكانيّ وعجْزِ الدّولة عن الاستجابة لشدة الإقبال عليه. وتراجع ضمنه مستوى تعليم وتعلُّم العربيّة، ولا يخفى ما لتراجع مستوى العربيّة من مفعول تسريعيّ في تراجع مستوى التّعليم في كلّ ما يدرّس بالعربيّة. ثمّ انضمّ إلى التّفجّر السّكانيّ تفجّر ينابيع المعرفة من المعلوماتيّة والاتّصالات والشّابكة (الإنترنت) والبيولوجيا...، فتصدّعت بنية التّعليم الهشّة في أوطاننا، بعد أن غصّت بأجيال المتعلّمين وبأصناف المعرفة، وشرعت العولمة في غزوها الثّقافيّ بإعداد بيئتها الثّقافيّة بعد أن مكّنت لبيئتها الاقتصاديّة، وأخذت تتهاوى بعض أجزاء بنية التّعليم المتصدّعة فتتلقّفها العولمة لتحوّلها إلى نوى البيئة الثّقافيّة المعولمة فتُنشئ بها بنية تعليميّة تمكِّن للبيئة الثّقافيّة المعولمة. وتلك كانت غالبيّة مدارس التّعليم الخاصّ أو الأهليّ الّتي رأت أنّ في اتّباع سبيل العولمة تطويرًا للتّعليم، وأنّ اتّباع سبيلها يكون بالتّعليم باللّغة الإنجليزيّة. وتسابقت هذه المدارس إلى التزيّي بأزياء التّعليم المعولم، فاعتمد بعضها من برامج التّعليم الغربيّة ما أعجب به، ولم يبق للّغة العربيّة في هذا التّعليم الهجين، في مؤسّساتٍ كبرى للتّعليم الخاصّ في بعض الأقطار العربيّة إلا سويعات في الأسبوع لتدريس اللُّغة العربيّة والدّيانة الإسلاميّة فقط(). وكان هذا سبيل أكثر الجامعات الخاصّة أيضًا، وأخذ بعضها يفاخر بالموقع الخاصّ للغة الإنجليزيّة في بنية الجامعة، وبالعقود المحكمة الّتي تربطها بجامعاتٍ أجنبيةٍ نظّمت لها برامجها.
هذا هو الجانب الظّاهر المتنامي من سيطرة العولمة على تيار التّعليم الخاصّ بجميع مستوياته من رياض الأطفال إلى الجامعات. ولا يعني ذلك أنّ الأمّة قد استسلمت للعولمة أو ارتمت في أحضانها غير مباليةٍ بضياع هويّتها وثقافتها. فبعض الجامعات الخاصّة أحلَّت تعليم لغةٍ أجنبيّةٍ حيّةٍ، هي الإنجليزيّة غالبًا المحلّ المناسب، فعلّمت اللّغة وعلّمت بها مقرّرات أو موادّ معدودة على الوجه الّذي يلبّي الهدف من تعليمها ولا يسيء إلى التّمكين للّغة العربيّة تعبيرًا وفهمًا وكتابةً وعلمًا، أي جعلت العربيّة لغة التّعليم فيها حقًّا، وأحسنت تعليم طلابها لغةً أجنبيّةً يتابعون بها تطوّر علوم اختصاصهم. وفي رياض الأطفال والتّعليم العامّ الأساسيّ والثّانويّ الخاصّ أو الأهليّ، قدّمت بعض المدارس نماذج ناجحة في التّعليم خاصةً في تعليم لغةٍ عربيّةٍ فصيحةٍ للأطفال، كان منها مدرسة الدّكتور عبد الله دنان في سوريّة، وقد كان لها في الكويت أيضًا تجربة ناجحة، كما اهتمّت بها جامعة بريغهام في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وموّلت جيل جنكينـز لتحضير رسالة ماجستير لدراسة تجربتها(). إن هذه المدارس الّتي قد تكون قليلة العدد اليوم قياسًا على عدد المدارس الّتي جرفها تيار العولمة، تدلّ على وجود مجابهةٍ عنيدةٍ وقويّةٍ لذلك التّيّار. وستكون لها الغلبة، فهي في خطّ الدّفاع عن الهويّة، ولقد صمد الدّفاع عن الهويّة في وجه الفتن الّتي مرّت بلغتنا العربيّة من قبل وفي ظروفٍ مختلفةٍ شديدة التّنوّع، ومنذ بدايات انتشار الإسلام في أصقاع الأرض، وخرجت لغتنا منها جميعًا نظيفة قويّة وأكثر خبرةً بإخماد الفتن الّتي لا يمثّل ما تأتي به إلاّ سرابًا خادعًا أو هجومًا ظالمًا مهما اختلفت مظاهره وألوانه.
وبالأمس، في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر، قامت حركة الإحياء اللّغويّ في بلاد الشّام ردًّا على تيار التّتريك الّذي اشتدّت وطأته مع قيام جمعيّة الاتّحاد والتّرقي في تركيا، ووقفت الحركة في وجه جبروته بقوّة. إلا أنّ اللُّغة العربيّة في تلك الأيّام تعرّضت لفتنةٍ شبيهةٍ بمحنة اليوم()، إذ ظهرت فئة استهدفت شقّ صفوف حركة الإحياء اللُّغويّ وزعزعة كيانها، فدعت إلى تبنّي اللّهجة العامّيّة، وصدرت كتب بها، وطوّر بعض المنشقّين هذه الدّعوة ووسّعها لتشمل استبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربيّ، فاستحثت هذه البدعة الوعي القوميّ... فأثارت المزيد من النّقمة في النّفوس الّتي وطّدت عزمها على تعزيز حركة الإحياء اللُّغويّ، وأسّست الجمعيّات لتحقيق هذا الهدف بإنشاء المدارس الأهليّة والنّوادي، وحقّقت الجمعيّة الخيريّة الّتي أسّست في دمشق نهضةً تعليميّةً باللُّغة العربيّة ، فأنشأت ما بين عامي 1894 و 1895 ثماني مدارس للذّكور ومدرستين للإناث في دمشق... وساهم خريّجو المدارس الأهليّة الخاصّة، الإعداديّة والثانويّة بنصيبٍ وافرٍ في إثراء الثّقافة ونشر اللُّغة العربيّة، ورجع من ذهب منهم للتّخصّص في أوروبا "على المبادئ العلميّة المغروسة فيهم في تلك المدارس. فلمّا وُكِل إلى بعضهم التّدريس في الجامعة النّاشئة أيّام الحكم العربيّ (في دمشق)، أنفوا كلّ الأنفة من أن يدرسوا بفرنسيّةٍ أو إنجليزيّة ، وأخذوا على عواتقهم ردّ الاعتبار إلى اللُّغة العربيّة الّتي نهضت من تحت الأنقاض، فدأبوا ليل نهار حتّى قدّموا أحسن الخدمات إلى التّعليم العالي وهي تعريبه على الأسس الرّاسخة السّليمة"().
وبالأمس القريب، في منتصف القرن الماضي (في عام 1948)، تقدّم أحد أعضاء مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة (مجمع فؤاد الأول) باقتراح استبدال الحرف اللاتينيّ بالحرف العربيّ()!، وهكذا كلمّا نامت الفتنة بعثت الأيادي الخفيّة من يوقظها.
بالأمس ناصب التّتريك العداء للّغة العربيّة ممثّلاً بالعثمانيّين الّذين ندبوا جمعيّة الاتّحاد والتّرقي لتشرف على تنفيذه. ووقف الشّعب المقهور يدافع عن حريّته ممثّلةً بهُويّته العربيّة، ثقافته ولغته، وانتصر. أمّا اليوم فناصبت العولمة العداء للّغة العربيّة وشلّت مناهضة الشّعب بعولمة اقتصاده وبغزوها الثّقافيّ محمولاً على اللّغة الإنجليزية، فاحتلّ التعليم والشّارع والإعلام، واستفاقت فئة قليلة ونهضت باللُّغة العربيّة في بعض المدارس. ودقّت شعوب العالم ناقوس خطر العولمة في منظّمة الأمم المتّحدة للتّربية والثّقافة والعلوم فانتصرت برفضها عولمة الثّقافة، كما ذكرنا من قبل، وأقرّت خيار التّنوّع الثّقافيّ. وتردّدت أصداء انتصارها على العولمة الثّقافيّة في ردهات منظّمات الأمم المتّحدة، فنسّقت مواقفها مع ذلك القرار وساهمت ببرامج لتنمية لغات الشّعوب وثقافاتها والحفاظ عليها، فكان منها في وطننا العربيّ مساهمات كلٍّ من منظّمة الصّحّة العالميّة لشرق المتوسط في تطوير المعجم الطّبّيّ الموحّد وقضايا المصطلح الطّبّيّ، وبرنامج الأمم المتّحدة للتّنمية بتقاريره السّنويّة عن التّنمية البشريّة العربيّة الّتي خُصّص فيها موقع ممتاز للُّغة العربيّة وللثّقافة العربيّة، والمنظّمة الاقتصاديّة الاجتماعيّة لغرب آسيا بمبادرتها في عام 2003 لتطوير صناعة المحتوى العربيّ على الإنترنت، وحذّر البنك الدّوليّ من تراجع مستوى التّعليم في البلاد العربيّة... .
إنّ ما تحظى به اللُّغة الأمّ من مكانة لدى أمم العالم كلّها، وسرعة اكتساح العولمة الثّقافيّة عُرُن مختلف ثقافات الشّعوب، أفزع مثقّفيها ونبّه قادتها إلى ما تحمله من أخطار تفتيت بنية المجتمع وتوهين قوام الدّولة. وسارع قادة الدّول العربيّة إلى العمل على التّمكين للُّغة العربيّة وتعزيز منعة ثقافتها من الاختراق. فنظّمت حملة التّمكين للّغة في سوريّة، وأقيمت مشروعات للتّرجمة مموّلة بمليارات الدّولارات في إمارات دولة الإمارات العربيّة المتّحدة وفي دولتي قطر والكويت، وأسّست مشروعات مكانز للُّغة العربيّة في كلٍّ من الجزائر باسم الذّخيرة اللُّغويّة تدعمها الجامعة العربيّة، وباسم المدوَّنة العربيّة في المملكة العربيّة السّعوديّة الّتي أعلن عنها في أواخر العامّ الماضي()، وسارعت كلٌّ من مصر وسوريّة أيضًا بإسناد سلطة الدّفاع عن العربيّة وتطويرها إلى مجمعيهما اللُّغويّين وجُعِلَ كلٌّ منهما حارسًا على سلامة اللُّغة، وإلزام التّعليم وجميع مؤسّسات الدّولة تنفيذ قراراتهما في شؤون اللُّغة. وطرحت سوريّة موضوع التّمكين للُّغة العربيّة في مؤتمر القمّة الأخير فاتّخذ الرّؤساء قرارًا باعتماده.
كلّ هذه الخطوات المباركة لن توقف مدّ العولمة الثّقافيّة، ولكنّها خطوات مهمّة وإجراءات أوّليّة لابدّ منها تمهيدًا لخوض معركةٍ محلّيّةٍ في الوطن العربيّ ضدّ العولمة الثّقافيّة، أقسى من المعركة العالميّة ضدّها في منظّمات الأمم المتّحدة.
كان التّعليم الخاصّ يمثّل طلائع الدّفاع عن اللُّغة والثّقافة في معركة التّتريك، أمّا اليوم فقد غيّر توجُّهه فتغيّر دوره. ففي غفلةٍ من القائمين عليه أصبح في توجّهه الجديد يمثّل ركائز هيمنة العولمة الثّقافيّة، ولم تعارض الدّولة التّغيير، ولعلّه جرى برضاها ومباركتها. ولهذا السّبب تناولنا موقع اللُّغة العربيّة في التّعليم الخاصّ، فبتحرّي أسباب انقلاب دوره نجد الخبر اليقين عن سياسة الدّولة الفعليّة تجاه اللُّغة العربيّة في الوطن العربيّ.
يمكن القول إذن بالاعتماد على واقع التّعليم الخاصّ في الوطن العربيّ إنّ موضوع السّياسة العربيّة تجاه اللُّغة العربيّة كان إلى وقتٍ قريبٍ موضوعًا لا يثير الاهتمام في كثيرٍ من البلاد العربيّة لأسباب تختلف باختلاف الأوضاع الخاصّة لأقطارها. وهذا الواقع هو من الأسباب الرّئيسة الّتي يسّرت للعولمة التّسرُّب إلى ثقافة المجتمع بعد أن استقرّ فيه اقتصادها المعولم أو كاد، ومن ثمّ زيّنت له أشكال التعّليم الخاصّ الّتي جعلت عمادها التّعليم باللُّغة الإنجليزيّة وبما تحمله معها من أساليب العولمة وبرامجها.
إنّ سياسة الدّولة في هذا المجال، وبعد قرارات المنظّمات الدّوليّة وقرارات دولٍ عربيّةٍ عديدةٍ، وقرارات مؤتمرات القمّة العربيّة ولاسيّما الأخير منها، يجب ألاّ تؤول إلى الاقتصار على ذكر جملةٍ بسيطة في دساتيرها أو في قوانينها تنصّ على أنّ اللُّغة العربيّة هي اللُّغة الرّسميّة للدّولة، أو أنّها لغة التّعليم في جميع مراحله. بل لابدّ من إيمان متّخذي القرار وصانعيه بالمضامين العميقة لمثل هذه النّصوص، وما يقتضيه تطبيقها من رسم أبعاد السّياسة الّتي ارتضيناها للّغة العربيّة، وتحديد منطلقاتها وغاياتها، واستشراف المشاهد المختلفة الممكنة لمستقبلها كما تُستقرأ من الواقع وبيئته، ووضع الإستراتيجيّة الّتي تصل بها إلى المشهد أو الصورة الّتي يمكن أن تحقّق غايات السّياسة. وبقدر ما تكون صورة السّياسة واضحة في أذهان صانعي القرار على الأقلّ، يكون لسياسة الدّولة معنًى، لأنّها تكون قد صدرت عن إرادة ووعي وتبصّر.
هذه الإرادة الواعية البصيرة لم تصحب "شعارات" الدّولة الخاصّة باللُّغة العربيّة فبقيت لذلك شعارات، كمثيلاتها شعارات الحرّيّة والدّيمقراطيّة...، ترضي المواطنين ولا تثير في نفوسهم تساؤلات حول العمل بها وتحديد محتواها وكيفيّة تحقيقه، وهو ما يوجبه العمل بها.
إنّ التّطوّرات الأخيرة في مواقف أصحاب القرار، قادة الدّول العربيّة، من العولمة الثّقافيّة واللُّغة العربيّة تنبئ بالخير، فالمنتظر أن يلقى إصلاح شؤون العلم والمعرفة عامّةً و اللُّغة العربيّة والثّقافة خاصّة، آذانًا صاغية لكل مقترحٍ رصينٍ في هذه المجالات. ونجاح المرحلة القادمة يقع على كواهل صانعي القرار في مؤسّسات الدّولة والمثقّفين الّذين تشغل أذهانهم مشكلات اللّغة والثّقافة والتّقدّم العلميّ والتّنمية. وواقع الحال فإنّ مسؤوليّات هذه المشكلات تقع منذ زمن بعيد على عواتق صانعي القرار والمثقّفين عامّةً، منهم تنتظر المبادرة بالأفكار النّيّرة للإصلاح، لأنّهم يعايشون مشكلات اللُّغة والثّقافة والعلم، وعليهم هم تقع مسؤوليّة تمحيص الحلول الّتي تحملها الأفكار وتطوير الصّالح منها، ومسؤوليّة تنفيذ ما اختير منها؛ وهذه المسؤوليّة مهمّة جدًّا، فقد أحجم المثقّفون الّذين وُكِلت إليهم مهمّة التّعليم الجامعيّ، في كثير من الأقطار العربيّة، عن تعريب التّعليم وعطّلوا في بعض البلاد العربيّة أحكام القانون في تعريب التّعليم العالي. وهم بين مخفٍ عجزه وتكاسله عن القيام بهذه المهمّة ومتعالٍ على الآخرين بالتّدريس بلغة أجنبيّة.
وتعريب التّعليم عامّةً، والتّعليم العالي منه خاصّة هو من أهمّ مشكلاتنا في وضع سياسةٍ تُتَّبع في شؤون اللُّغة العربيّة. لقد نشأ التّعليم العالي في سوريّة في بدايات القرن الماضي باللُّغة العربيّة وفي كنفها، استجابة لرغبة الجمهور، وليس تنفيذًا لما سنّته القوانين. وفي عام 1913 اضطرّت الدّولة العثمانيّة إلى الموافقة على "التّدريس باللّغة العربيّة في جميع مدارس الولايات الّتي يتكلّم أكثرية سكّانها هذه اللّغة ()..." ولم يتأثّر هذا التّوجّه، أو بالأحرى هذه السّياسة، في سنوات الانتداب الفرنسيّ، ولم يفكر المثقّفون الّذين وُكِلت إليهم مهمّة التّعليم في الجامعة السّوريّة النّاشئة بالتّعليم بغير اللُّغة العربيّة كما يذكرّنا الأستاذ سعيد الأفغاني(). إنّ سياسة الدّولة تجاه اللُّغة العربيّة تظهر بوضوح في سياسة التّعليم. وسياسة التّعليم تعاني في كثير من البلاد العربيّة "غياب رؤية متكاملة واضحة للعمليّة التّعليميّة وأهدافها... وتتّسم سياسات التّعليم في بعض البلدان العربيّة إضافةً (إلى ذلك) بقدرٍ عالٍ من التّذبذب"(). ويكاد يكون الثّابت في سياسة الدّولة تجاه اللُّغة العربيّة هو النّصّ على أنّ اللُّغة العربيّة هي اللُّغة الرّسميّة في البلاد، وهي لغة التّعليم. ولا يعني نصّ دساتير البلاد وقوانينها على مثل هذه العبارات أنّ مؤسّسات التّعليم تراعي تطبيقها بدقّة. إنّ مسؤوليّة تعريب التّعليم العالي، أي التّعليم باللُّغة العربيّة في الجامعات والمعاهد، هي مهمّة الجامعات العربيّة، مهمّة أعضاء هيئات التّدريس فيها، وهم يتحّملون وِزْر تأخر تعريب التّعليم وعدم وضع سياسةٍ واضحةٍ رصينةٍ متكاملةٍ للُّغة العربيّة في بلادنا، وبخاصّة في الأقطار الّتي لم تُنشئ مجمعًا للّغة العربيّة فيها، ولاسيّما في هذه الظّروف العصيبة الّتي رافقت العولمة. وبعد اتّخاذ الرّؤساء العرب في قمّتهم الأخيرة القرارات الّتي رسمت الخطوط العريضة لسياسة عربيّة تجاه اللّغة العربيّة أو لمنطلقاتها، لم يبق للقائمين على التّعليم إدارةً أو ممارسةً عذرٌ يسوِّغ إحجامهم عن تعريب التّعليم بجميع مراحله، كما لم يبقَ للدّولة عذر يسوّغ تأخّرها في وضع سياستها تجاه اللّغة العربيّة، والعمل على تطبيقها بحزمٍ. يستوحى من إيمان الرّؤساء بحكمة ما أقرّوا في قمّتهم، على أن يكون تطبيقها في التّعليم في أقرب وقتٍ، وأن يكون في أحكام تطبيقها محاسبة المخالفين. ولنا في تجارب دولٍ أخرى عبرة، فقد ذُكر في الخطّة الشّاملة للثّقافة العربيّة ما يأتي(): "دام الاستعمار اليابانيّ لكوريا ستّين سنة منع فيها تداول اللّغة الكوريّة، وما إن استقلّ البلد حتّى كان أوّل مرسوم في أوّل عددٍ من جريدته الرّسميّة منع التّحدّث باليابانيّة. وقد جُمع الشّيوخ من الرّيف في الصّيف لتعليم المدرّسين لغتهم... وحسم (هوشه منه) القضيّة اللّغويّة بعد انتصاره مباشرة في فيتنام فأعلن فتنمة كلّ الكلّيّات والجامعات والمدارس، وحين طلب إليه أساتذة كلّيّة الطّبّ في هانوي إمهالهم عدّة سنوات لترجمة المراجع، أمهلهم تسعة أشهر على أن تجري الامتحانات في نهايتها بالفتنامية...".
إنّ قرارات الرّؤساء والمشروعات الضّخمة الّتي أعلن بعضهم وبعض الأمراء عن إقامتها، لن يكتب لها النّجاح إذا لم توضع في إطار سياسة للّغة العربيّة يُلحق بها استراتيجيّة تعمل في خدمتها وتحقق أهدافًا تحدّد لها وفق ظروف العمل ومستوى الطّموحات. ولن يكتب للاستراتيجيّات النّجاح إلا إذا تولّت متابعة تنفيذها مؤسّسة ، تختار لها إجراءات التّنفيذ وأساليبه، وتضع خططه وتحشد له الخبرات وتقوّم انحراف مساره عن الأهداف الموضوعة، وتعالج ما يعترضه من صعوبات، وتقدّر ما يصيبه من نجاح في الوصول إلى الأهداف، ومدى ما يحقّقه من تطوير خبرات العاملين وتكوين العلماء.
أمّا المشروعات الضّخمة الّتي أعلن عن إقامتها وتمويلها بعض الرّؤساء والأمراء فيجب أن توظّف أيضاً في خدمة السّياسة اللُّغويّة العربيّة، فتقوم فيها بدور المؤسّسات والمشروعات الّتي واكبت بناء الحضارة العربيّة الإسلاميّة. إنّ تطوّر اللُّغة العربيّة في مطلع بناء الحضارة العربيّة الإسلاميّة جرى في مؤسّسات كمدرستي الكوفة والبصرة، وجرى نقل العلوم إلى العربيّة في مشروع أشرفت عليه الدّولة ورعته وجمعت له العلماء والتّراجمة وتحوّل بسرعةٍ إلى مؤسّسةٍ عُرفت باسم بيت الحكمة، نقلت العلوم إلى العربيّة وطوّرتها وطوّرت معها العاملين فيها. لا يكفي منح الأموال لإنجاز مشروعات كان إنشاؤها حلم المثقّفين، يجب أن يقيم المانحون كيانًا تنظيميًّا لكلّ مشروع تحدّد أهدافه ويدعى للعمل فيه علماء لهم خبرة وشباب أُحسن إعدادهم ويحبُّون العمل فيه.
وأمّا المؤسّسة الّتي عليها أن تتولّى متابعة تنفيذ الاستراتيجيّة فهي مجمع اللُّغة العربيّة، فليس بين مؤسّسات الدّولة ما هي ألصق منه بهذه المهمّة. إنّه المؤسّسة الوحيدة الّتي اقتصرت أغراضها وأهدافها على حماية اللُّغة العربيّة وسلامتها وتطوير خدمتها. إلا أنّ بنية المجمع وأساليب العمل فيه لم تتطوّر بالقدر الذي يمكِّنه من القيام بهذه المهمّة في عصر العولمة. فالعمل العلميّ فيه مهما اختلفت صوره وأساليبه يقوم على ما ينجزه أعضاء المجمع فرادى من الأعمال، وحصيلة عمل كلٍّ منهم فيه تتناسب وسنوات العطاء من العمر، سنوات الكهولة وما حولها الّتي يقضيها العضو في المجمع. وقد لوحظ في مجمع دمشق أنّ العمر الوسطي لأعضاء المجمع لدى انتخابهم ارتفع من قرابة الخامسة والثّلاثين في العقد الأول من عمر المجمع (1919- 1930) إلى السّبعين اليوم، بعيدًا عن السّنوات المفعمة بالنّشاط والحيويّة منه، وأنّ العمر الوسطي لأعضاء المجمع اليوم أيضًا قد جاوز الخامسة والسّبعين! فكيف يتسنّى لهذا المجمع متابعة تنفيذ استراتيجيّة اللُّغة العربيّة في القطر والتّنسيق مع المجامع العربيّة لتنفيذ سياسةٍ لغويّةٍ عربيّةٍ واحدة؟ ولا تختلف الصّورة في المجامع الأخرى كثيرًا عنها في مجمع دمشق.
ثمّ إنّ المجمع الّذي يتابع تنفيذ استراتيجيّة اللّغة لابد ّمن أن يكون قد شارك في وضعها وكوّن صورةً واضحةً عن محاورها والمراحل الحرجة في تنفيذها، أي أن يكون هو الّذي وصَّف منهجية العمل المتبعة في وضعها، وعرضها على شركائه لاستكمال رسم صورتها. إنّه باختصار المؤسّسة الّتي عليها إعداد مشروع السّياسة اللُّغويّة العربيّة في القطر وإعداد مشروع الاستراتيجيّة الّتي تعمل على إنقاذ السّياسة وتحقيقها بتعاون منظّمٍ وثيقٍ مع الجهات المعنيّة بشؤون اللُّغة العربيّة ومنها بخاصّة وزارات التّربية والتّعليم العالي والثّقافة والإعلام وما يرتبط بها جميعًا من مؤسّسات. هذه المهامّ لا يمكن أن يقوم بها مجمع من مجامعنا العربيّة بأجهزتها الإداريّة الضّعيفة وبناها الهيكليّة البسيطة المتصلّبة. يجب أن يتحوّل المجمع إلى مركز بحثٍ علميٍّ لغويٍّ. تحلّ فيه وحدات البحوث محلّ لجان المجمع العلميّة الدّائمة، فيتمكّن المجمع من جهة، مستعينًا بالبنية الإداريّة الجديدة الممتدّة إلى وحدات البحوث، من متابعة تنفيذ الاستراتيجيّة والتّنسيق داخليًّا بين وحداته المختلفة وخارجيًّا مع الجهات المشاركة. ويتمكّن بهذا التّحوّل من جهةٍ أخرى، من الاعتماد على منظومة بحثٍ لغويٍّ تتمتّع بمنهجٍ علميٍّ في البحث والإدارة معًا، وتعتمد على خططٍ لا تتأثّر بسرعة بتغيُّر مجموعة قيادة المجمع أو تضعضعها بغياب أحد أفرادها. هذا الانتقال بالمجمع من النّظام الفرنسيّ وليد القرن السّابع عشر إلى مجمع علميّ لغويّ على غرار المجامع الّتي لا تزال تحتفظ بتسميتها أكاديميّات(!)، يؤمّن له الاستفادة من خبرات الأعضاء الّتي تراكمت مع تنوّع التّجارب الّتي مرّوا بها في شؤون اللّغة العربيّة، ويقي المجمع إلى حدٍّ ما من الاضطراب الّذي تسبّبه التّغيّرات المتوافرة في مجموعة قيادته أو في بعض أفرادها بحكم السّنّ. ويحتضن البيئة المناسبة لتكوين باحثين في مقتبل العمر يمكن أن يرقى بعضهم لعضويّة المجمع في سنٍّ مبكّرة، إذ يجب أن يبقى السّعي حثيثًا لإعادة شيء من الشّباب للمجمع لأنّ المشكلات المزمنة في تعليم وتعلّم اللُّغة العربيّة هي بمسيس الحاجة إلى تطعيم الخبرة بالإبداع الّذي نتحرّى عنه في لغويّين وعلميّين في سنِّ الكهولة أو ما قبلها.
التّعقيبات والمناقشات
· أشار الدّكتور عبد الجليل عبد المهدي عقب عرضه لمحتوى بحث الدّكتور عبدالله واثق شهيد الّذي اعتذر عن عدم تمكُّنه من الحضور لظروفٍ خاصّة به، إلى عنوان البحث "السّياسات اللُّغويّة تجاه اللُّغة العربيّة"، متسائلاً ألا يجدر أن يكون هذا العنوان محورًا عامًّا تدورُ حوله عددٌ من الأبحاث، وكلُّ بحثٍ يتحدّث عن قطرٍ أو قطرين عربيّين، فتتكامل الصُّورة وتتَّضح معالمها في الوطن العربيّ كلّه، ولا تقتصر على تجارب محدودة في الجمهوريّة العربيّة السُّوريّة، حيث إنّنا نحتاج إلى أمثلة كثيرة من أقطار الوطن العربيّ كلّه تبيّن مقاومة العولمة وما يكتنفها من أُمور، وردًّا على حديث الباحث عن مقاومة بعض الجامعات الخاصّة للعولمة تحدّث الدّكتور عبد الجليل عن واقع التّعليم في الجامعات الخاصّة في الوطن العربيّ بعامّة وفي الأُردن بخاصّة، مشيرًا إلى أنَّ هناك سعيًا للتغنّي والتَّفاخر بوضع مسمّيات لجامعات خاصّة في الوطن العربيّ من دون عملٍ للرّقيّ بالمستوى العلميّ لها، فالتّعليم في جامعة نيويورك الموجودة في عمّان مثلاً يختلف كلّ الاختلاف عن التّعليم في جامعة نيويورك في موطنها الأصليّ "أمريكا"، إذ إنّ البون شاسعٌ بينهما.
ثُمّ عقَّب الدّكتور عبد الجليل على حديث الباحث عن تمكين اللُّغة العربيّة في سوريّة، مبيّنًا أَنّ قلّة حصص اللُّغة العربيَّة في مدارسنا ستؤثّر على أداء طلابنا اللُّغوي، فاللُّغة العربيّة عندنا لها حصصٌ أقلّ ممّا ينبغي أن يكون لها بكثير، ففي المرحلة الثّانويّة – مثلاً - يُعطى الطّالب ثلاث حصص في اللُّغة العربيّة أُسبوعيًّا باستثناء الفرع الأدبيّ، الّذي يلتحق به فئة قليلة ... وتتشابه المدارس والجامعات في الأُردنّ وسوريّة في المناهج والخطط الدّراسيّة، وردًّا على حديث الباحث عن إنشاء مدارس لتعزيز حركة الإحياء اللُّغويّ تساءل الدّكتور عبد الجليل عن أسباب التّركيز على الإيجابيّات وتجاهل السّلبيّات في معرض حديثٍ لغويّ علميّ أدبيّ ثقافيّ... ، وليس حديثًا سياسيًّا، وَلِمَ التّركيز على تجربة خاصَّة في سوريّة من دون استقصاء لتجارب مماثلة في العالم العربيّ كلّه؟!.
وإشارةً إلى الصّفحة العاشرة من البحث الّتي ركّزت على دور المثقّفين وإحجامهم عن التّعريب، وحاولت الابتعاد عن دور أصحاب القرار، أكّد الدّكتور عبد الجليل أهمّيّة القرار السّياسيّ في التّعريب، وهو لا يلغي دور المثقّفين، فعند صدور قرارٍ سياسيّ سيُلزمُ المعارضُ للتّعريب بالعمل بمقتضاه .
وأضاف قائلاً: إنّ الحديث عن السّياسات العامّة يوجب البحث في قضايا ومحاور أساسيّة تمثّل تلك السّياسة، مثل سياسات المناهج التّعليميّة والكتب المدرسيّة وما يتّصل باللُّغة العربيَّة من اختيار للنّصوص ومن تأهيل من يعلِّمونها وغير ذلك... ، وهي إن سرنا فيها سيرًا صحيحًا ودقيقًا وموضوعيًّا فسنصل إلى تحقيق سياسات إيجابيّة، ومنها تمكينٌ للُّغة العربيّة في مؤسّسات الدّولة جميعها، إضافةً إلى أهمّيّة توضيح محور التّباين في سياسات الدُّول العربيّة تجاه اللُّغة العربيّة، فهل الدُّول العربيّة سواء؟! وهل المشرق العربيّ مثل مغربه؟! فالبلدان الّتي كان الإنجليز يستعمرونها يشيع فيها التّعليم بالإنجليزيّة، أمّا الفرنسيّة فتشيع في البلدان الّتي كان الفرنسيّون يستعمرونها، فماذا عن سيطرة اللُّغات الأجنبيّة؟! وكيف نقف إلى جانب لغتنا وننصرها؟! وماذا عن العاميّة في العديد من الفضائيّات ؟! وماذا عن لغة الإعلام؟! وهل سعينا لتخصيص أموالٍ لازمة لإنجاز مشروعاتٍ أساسيّة، مثل مشروع المعجم التّاريخيّ، وإنشاء مراكز للأبحاث والتّرجمة...؟! ولِمَ لا يُربط الموضوع المطروح اليوم بموضوعاتٍ ذات صلة وثيقة نوقشت في ندواتٍ سابقة فنبدأ بما انتهينا إليه.
اختتم الدّكتور عبد الجليل تعقيبه بالإشارة إلى طغيان العولمة علينا إلى الحدّ الّذي نجد فيه أنّ أقسام اللُّغة العربيّة في بعض البلدان العربيّة أُلغيت، وأَصبح قسم اللُّغة العربيّة ضمن وحدة التُّراث، ثمّ تساءل كيف ستكون العولمة، وكيف ستكون مقاومتها عندما يُخصَّص أربعون ساعةً للتّخصّص؟! فهل تكفي هذه السّاعات لتخريج متخصّصٍ أو مثقّفٍ أو عارفٍ باللُّغة؟! مشيرًا إلى تقرير الأمم المتّحدة الإنمائيّ لعام 2002م، الّذي ورد فيه أَنَّ العالم يواجه على جبهة اللُّغة موقفًا مصيريًّا، إمَّا أن يتمسّك بتعدُّد لغاته وما ينطوي عليه ذلك من صعوبة التّواصل وإعاقة تبادل المعلومات والمعارف، وإمَّا أن تتوحّد لغات العالم في لغةٍ قياسيّة واحدة، وهي اللُّغة الإنجليزيّة في أغلب الظَّنّ، وحينئذٍ تكون قد حلّت بالبشريّة الطامَّة الكبرى، كما ذكر مدير عام منظمة الثّقافة العالميّة (اليونسكو).
· أشار الدّكتور عبد اللّطيف عربيّات أثناء تعقيبه على هذه المحاضرة إلى كتاب: "الغارة على العالم الإسلاميّ" للكاتب الفرنسيّ شاتليه الّذي ألّفه عام 1906 وما ورد فيه من تلخيصٍ لمخطّطات للهيمنة على العالم الإسلاميّ، ذاكرًا أنّ ما يُقال الآن عن الهيمنة والسّيطرة على مقوّم مهمٍّ من مقوّمات الأُمّة العربيّة، وهو اللُّغة العربيّة، هو ناتجٌ عن تلك المخطّطات الهدّامة المستهدفة أُمّتنا الإسلاميّة، موضحًا أَنّنا ابتعدنا عن المرجعيّات الّتي انطلق منها آباؤنا وأجدادنا فاستطاعوا بذلك أن يحصّنوا أنفسهم ويحافظوا على مقوّماتهم، فمرجعيّاتنا السّابقة غُطَّت بكثيرٍ من الوسائل، ولذلك أصبحنا نفكّر تفكيرًا مختلفًا، وأصبح التّعليم في جامعاتنا العربيّة والإسلاميّة باللُّغة الإنجليزيّة حتّى في العلوم الإنسانيّة، وذلك على قاعدة الاستثناء، رغم أنّ تجربة التّعليم باللُّغة الإنجليزيّة قد خضعت للتّقويم في السَّبعينيّات وثبت فشلها، إلاَّ أنّ هناك مَنْ تجاهل النّتيجة السَّلبيَّة لهذه التّجربة، وتجاوز المؤسّسات القائمة للحفاظ على لغتنا العربيَّة، كما أُدخل تعليم العلوم والرّياضيّات باللُّغة الإنجليزيّة إلى مدارسنا الخاصّة، وأُقرّ تدريس لغة أجنبيّة من الرّوضة والابتدائي رغم مخالفة هذا الأمر لقواعد العلم والتَّربية.
ثمّ أشار إلى تقرير الأُمم المتّحدة الّذي ذكر قبل أشهرٍ قليلةٍ أنّ الأُردنّ يحتلّ المرتبة الأُولى عربيًّا في قطاع التَّربية والتّعليم منذ أربعين عامًا، موضحًا أنَّ شؤون التّربية والتّعليم نُظّمت بموجب قانون التّربية والتّعليم رقم 16 لسنة 1964، حيث حُدِّد انبثاق فلسفة التّربية والتّعليم في الأردنّ من الإيمان بالله والمثل العليا للأُمّة العربيَّة، ثم فُصّل هذا القانون عام 1988، ورغم كل المحاولات بقي هو الأصل، إذ جعل الوزارة مؤسّسة دائمة ومستمّرة؛ ولذا احتلّت الأُردنّ المرتبة الأُولى في البلاد العربيّة في مجال التّربية والتعليم منذ أربعين عامًا.
ثمّ تحدّث عن المرجعيَّات العربيّة الأصيلة والقيم الإنسانيّة الإسلاميّة الرّفيعة، وكيف استبدل بها مرجعيَّات غربيّة، وهُدِمت المؤسَّسات الصّحيحة المنظَّمة بالخلوات الّتي يقرّر فيها ما يتعارض مع القانون وعمل المؤسَّسات، ذاكرًا أنّ هذا العرض البسيط المتسلسل يوضّح لنا أين نحن، وكيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه، وماذا يرادُ بنا، وقد رأى الدّكتور عربيَّات أنّ التّمسّك باللُّغة، وتجاوز العقبات والتّحدّيات الّتي تحاك ضدّ لغتنا هي في مقدور أمّتنا إذا أرادت ذلك.
· عقّب الدّكتور إسحاق فرحان على هذه المحاضرة بتأكيده أنّ التّعريب إرادة سياسيّة، وأوّلُ مَن سيستجيبُ لهذه الإرادة المثقّفون، مبيِّنًا أنّ هذا الأمر يوجب القيام بالضّغط في الإعلام ومجلس النّوّاب والأعيان.... وعلى السّاسة ليقرّروا التّعريب، ثمّ أبدى أسفه لما يحدث في التّعليم الخاصّ من سيرٍ نحو الخصخصة كما تريد السّياسة العامّة، فبعض المدارس تدرّس العلوم والرّياضيات باللُّغة العربيّة والإنجليزيّة في آنٍ واحدٍ، وبعضها تقتصر على التّدريس باللُّغة الإنجليزيّة، وما يبعثُ على الأسف أيضًا ما أَقرّته وزارة التّربية والتّعليم قبل بضع سنوات من وجوب تعليم اللُّغة الإنجليزيَّة من الصَّفّ الأول الابتدائيّ، وهذه خطيئة كبرى، والحديث ذو شجونٍ عن الفضائيّات والإعلام واللافتات والمسمّيات الّتي تُطلق على شركاتنا ومحالّنا... .
ثمّ أكَّد الدّكتور إسحاق ضعف التّعليم الجامعيّ في البلاد العربيّة، فبعض دول الخليج – مثلاً – يوجد فيها أكثر من عشرين جامعةً أجنبيّة كأكسفورد وهارفرد وغيرهما، حيث تعطي شهاداتٍ لخريّجيها لا ترقى لشهادات هذه الجامعات في بلدها الأجنبيّ، وقد اختتم تعقيبه بالإشارة إلى أهمّيّة اللُّغة العربيّة الّتي استُبدِل بها اللُّغة الإنجليزيّة في التّجارة والاقتصاد والإعلام... رغم أنّها صنو الدّين، فاللُّغة العربيّة والدّين عماد نهضتنا ومشروعنا الإصلاحيّ.
· ذكرت الدّكتورة سرى سبع العيش أنّ المحاضرة رغم جودتها إلاَّ أنّها، للأسف، مفتقدة للجدّة المنشودة منها، ففي بلادنا العربيّة لا توجد أيُّ سياسة رسميَّة في حفظ اللُّغة العربيّة، ربّما نجد مقاومةً بسيطةً للتّغريب في مدارس تحفيظ القرآن الكريم الّتي غايتها الأُولى دينيّة وثقافيّة، وهذا يعود بالخير على اللُّغة العربيّة، أمّا بالنّسبة للجامعات فهي توغل في التّغريبة الّتي تعيشها أُمّتنا العربيَّة، وما زالت مجامع اللُّغة العربيّة وحدها بقع زيتٍ مضيئة تطفو على بحر هذه التَّغريبة، وردًّا على ما ورد في المحاضرة من ذكرٍ كثيرٍ لسياسات التّعريب في سوريَّة، رأت الدّكتورة سرى أنّ هناك تراجعًا ملحوظًا في التّعريب في القطاع الطّبّيّ، إذ نلحظ أنّ الطّبيب السُّوريّ يكاد أن يكون خجولاً من لغته العربيَّة، فهو يحاول إلقاء محاضرته باللُّغة الإنجليزيّة المتعثّرة في المؤتمرات الطّبّيّة الّتي تُعقدُ في سوريَّة... ، كما يفعل أطبّاؤنا في الأُردنّ... فضلاً عن أنّ أسماء الأطبّاء الّتي تعلَّق على صدورهم بِشَاراتٍ صغيرة تُكتبُ باللُّغة الإنجليزيّة.
· تساءلت الدّكتورة هدى أبو غنيمة في مفتتح تعقيبها على هذه المحاضرة عن سبب تركيز مناهجنا على الأداء اللّفظيّ للطّلبة رغم كون لغتنا أداءً فكريًّا بالدّرجة الأُولى، وليست أداءً لفظيًّا... إذ إنّ هذا الأمر يبعد طلبتنا عن هذه اللُّغة، كما أنَّ عدم إقبال معظم طلبتنا على تعلُّم اللُّغة العربيَّة يرجع إلى أنّنا لم نستطع إلى الآن أن نصيغ نظريَّة من نصوصنا العربيَّة في تراثنا العربيّ المهمّ.
وقد تدعونا حالة المثاقفة في الأندلس إلى الانتباه إلى أنّ كثيرًا ممّا أُنتج في عصر النّهضة في أُوروبا كان نتيجة حالة المثاقفة بين العرب والأُوروبيّين، مشيرةً إلى أنّ الباعث على الأسف أنّ بضاعتنا لم تردّ إلينا بنزاهةٍ، بل رافقها مشروع سياسيّ يستهدف تغييب هُويّتنا، وأنهت الدّكتورة هدى تعقيبها ببيان أنّ حركة المقاومة تبدأ بتصحيح صورة الذّات عند أبنائنا، والتّنبّه لقيمة هذه اللّغة وقيمة هذا التّراث.
· توقَّف الدّكتور حامد صادق قنيبي في معرض تعقيبه على هذه المحاضرة عند كلمة "التّقنيات" وكيفيّة نطقها، موضحًا أنّ التَّقْنِيات هي مفرد تقْنية، والتَّقْنِيَةُ مأخوذة من أتقن أو تقن بمعنى أَحْسَنَ، أمّا التِّقْنِيَةُ بالكسر فهي كلمة معرّبة مأخوذة من كلمة تكنولوجيا، ولأنّ مصمّم التّكنولوجيا قد يصمّم أحيانًا تقنية سيئة ذات عمر محدود، أو قد يتعمّد تصميم تقنية سيّئة مثلاً، فضلاً عن أنّ التّقنية كما ذُكر في هذه المحاضرة قد تكون لها آثارٌ سلبيَّة علينا إذا أسأنا استعمالها، ولم نقم بتوظيفها لصالحنا وصالح لغتنا، فهي ليست في كلّ أُمورها خيرًا، ولذا فإنّ ضبط الكلمة بالكسر أصحّ.
· استهلّ الدّكتور مشهور عبد الرحمن مشاهرة تعقيبه بالإشارة إلى قول الدّكتور عبد الجليل إنّ عنوان المحاضرة يحتاج إلى جرأة مؤكّدًا هذا القول، حيث إنّ جميع ألوان التّغيير تحتاج إلى جرأةٍ ومصداقيّة، أَمَّا بالنّسبة لأهل السّياسة فقد رأى الدّكتور مشهور أنّه يكفي بأهل السّياسة أن يستشعروا أهمّيّة ما نتحدّث عنه وخطورة تجاهله، وأيّ استشعارٍ نستطيعه هو نجاحٌ له نتائجه، ثمَّ تحدَّث عن عولمة أقسام اللُّغة العربيَّة سواء أكان ذلك في مواد اللُّغة العربيَّة وذلك بتغيير بعض أسماء الموادّ خاصَّة التُّراثيّة إلى حديثة أو التّقليل من بعض الموادّ.... أم في أساتذتها، مشيرًا إلى أنّ أحد الحلول يكون بتفعيل أقسام اللُّغة العربيَّة، بحيث يكون القسم خليّة نحلٍ فاعلة ... ،ثمّ اختتم تعقيبه ببيانه كيف استطاعت مؤسّسات غير حكوميّة في القدس أغلبها في حقوق المرأة والدّيمقراطيّة، أن تعرض قضيَّتها، حيث قامت بثورة إعلاميةّ كبرى، وحاولت إقناع النّاس بأنّ لها قضيَّة، فإذا كان هؤلاء على باطلهم وزيف ما يدّعون أحدثوا شيئًا في مجتمعاتنا، أفلا نستطيع نحن أصحاب الحقّ أن نؤثّر في غيرنا ونحدث شيئًا يخدم قضيّتنا ؟!.
· أكَّد الدّكتور عبد القادر عابد أهمية وجود الإرادة السّياسيَّة أوّلاً، موضحًا كيف تمّت حركة نشطة للتّرجمة في دولة الخلافة الإسلاميّة في العصر العباسيّ، فعندما أرادت الدّولة التّرجمة قام علماء العرب المسلمون بأعمالٍ إبداعيّة في أيَّام المأمون... ثمّ تلا ذلك تأليفات كبيرة في بدايات القرن الثّالث مثل كتاب الحاوي في الطِّبّ لابن الرّازي ورسالته المشهورة في الحصبة والجدري والتّمييز بينهما.
وقد رأى الدّكتور عبد القادر أنّه لا بدّ من عصفٍ ذهنيّ وتفكير بطريقة إبداعيّة مختلفة من أجل نهضةٍ علميَّة شاملةٍ تتصدَّرها الإرادة السياسيَّة، مشيرًا إلى أنّ سوريّة رغم تعاملها مع تعريب التّعليم العالي والتّعريب بشكل عام قرابة مئة عامٍ إلاَّ أنّها لم تنهض، فالدّول العربيَّة الّتي تدّعي أنَّها عرَّبت التّعليم العالي والّتي لم تُعرّب كلاهما متخلّف جدًّا علميًّا وبطيء الخطوة نحو النّهضة.
· ابتدأ الدّكتور عبدالله إبراهيم تعقيبه ببيان الفرق بين الماضي والحاضر في تعلُّم اللُّغة العربيّة، حيث أشار إلى ضعف أبنائنا صغارًا وكبارًا في اللُّغة العربيَّة وتدهور مستواهم اللُّغويّ في العصر الحاضر، ذاكرًا أنّه لولا القرآن الكريم الّذي حفظ لغتنا وخلّدها لكانت اللُّغة العربيّة من أوائل اللّغات الّتي اندثرت، فاللُّغة مصيرها مربوطٌ بمصير أُمّتها فهي تضعف بضعف أهلها وتقوى بقوّتهم، والأمّة العربيَّة الآن في حالة ضعفٍ شديدة.
ثمّ تحدّث عن أهمّيّة تعليم اللُّغة العربيَّة؛ إذ إنّ كثيرًا من الألفاظ في لغتنا تتغيّر دلالتها تبعًا لتغيّر حركتها، وربّما يقع الإنسان في الحرام إذا غيَّر الحركة، مناشدًا الأساتذة الأفاضل ووزراء التّربية ومَن قادوا مؤسّسات تربويّة...أن يبذلوا وسعهم خدمةً للغتنا الشَّريفة الّتي يناصرونها ويستشعرون بأهمّيّتها ودليل ذلك حضورهم فعاليَّات مجمعنا، وهم يلحظون الضَّعف المتبدّي في اللُّغة لدى أبنائها، وكيف يخطئ خريج اللُّغة العربيَّة أكثر من خطأ في اللّغة وهو يقسم أمام مدير التّربية والتَّعليم بقسمٍ لا يتجاوز السّطرين، فضلاً عن حديث ساستنا ونوّابنا الّذي يتفطَّر منه القلب لشدّة الاعتداء على اللّغة ... ثمّ تساءل ماذا يمكن لمجمع اللُّغة العربيَّة الأُردنيّ والمجامع الأُخرى أن تفعل مقرونةً بأصحاب القرار، داعيًا إلى التّوصية بعقد امتحانٍ في اللُّغة العربيَّة لطلبة الدّراسات العليا على غرار امتحان "التوفل" في الإنجليزيّة، وأن يتولّى المجمع الأُردنيّ متابعة هذا الأمر.
· أوضح الدّكتور خالد جبر أنّ هناك فرقًا كبيرًا جدًّا بين أن تكون اللّغة وعاءً للفكر وبين أن تعلّم اللّغة بوساطة نصوصٍ فكريّة، مشيرًا إلى أنّنا واقعون في شبهة أو خلطٍ ناتج عن شبهة بين هذين الأمرين، فنحن لا نعيش في العصر الجاهليّ أو عصر صدر الإسلام... نحن نعيشُ في القرن الحادي والعشرين... فالعرب قديمًا كانوا يعيشون مجتمعًا لغويًّا، أمَّا نحن الآن فأمَّة عرجاء عوراء من حيث اللُّغة، حيث ابتعدنا كثيرًا عن أن نكون مجتمعًا لغويًّا... فالطُّرفةُ والنّادرةُ والنّكتةُ والشّعرُ والخطبةُ والرّسالةُ كلّها تُستعملُ فيها العربيَّة النّقية الخالصة الفصيحة، فكيف يمكن أن نستخدم النّصوص الرّاقية وهي تمثّل قمّة الذّكاء اللّغويّ في تعليم العربيَّة في الصّفّ الثّالث والرّابع الأساسيّ، وقد غلَبَت اللّهجات الدّارجة في عصرنا الحالي لغتنا الفصيحة بنسبة 99%؟! وكيف يفهم الطّلبة المجاز والاستعارة والكناية والتّشبيه بصنوفه المختلفة، ثمّ نحيد بهم عن أن يفهموا الجملة العربيَّة المنظومة نظمًا خطيًّا... ثمّ ذكر أنّه إذا كانت عنايتُنا بالقيم الّتي تمثّلها النُّصوص اللُّغويّة فإنّنا سنحيد كثيرًا عن أن يُتقن طلبتنا مهارات الكتابة والقراءة والمحادثة والاستماع... فقديمًا كانوا يقولون علّموا أبناءكم شعر فلانٍ وروِّهم شعر فلان... لأنّ المجتمع كان لغويًّا ... أمّا نحن الآن فقد ابتعدنا عن لغتنا، مشيرًا إلى أنّ هناك عوامل خارجيّة تتمثّل في هجمة أعداء الأمّة العربيّة على اللُّغة العربيَّة والقيم العربيّة والحضارة العربيّة والإنسان العربيّ بل على البلاد العربيّة ذاتها وعلى ثرواتها.... ، وهذه العوامل جعلت اللُّغة العربيَّة في مأزق، كما أنّ هناك مجموعة من العوامل الذّاتيّة تتطلّب الانتباه إليها، فما الّذي طوّرناه في أساليب تعليمنا للعربيَّة؟! حيث إنّ طلبتنا ما زالوا يتلقون تلقيًا تلقينيًّا وكأنّهم يتعلَّمون في الكتاتيب.
· تحدّث الدّكتور همام غصيب عن العولمة ذاكرًا أنّ فيها كثيرًا من السَّلبيَّات ولا خلاف في ذلك ... لكنّنا نغفل الجانب الإيجابيّ منها وهو ثورة الاتّصالات "الإنترنت وغيرها" فماذا فعلنا لتوظيف الإنترنت لخدمة لغتنا وأُمّتنا؟، كأن نقوم بتعميم النّصوص الجميلة وهي كنزٌ لا ينضب إضافةً إلى تعميم المصطلحات وما نريده من مبادئ وقيم....، كما أنّنا نفتقد عنصر التّراكم أو التّراكميّة في أعمالنا، داعيًا إلى وضع خلاصة لما تمّ من أفكارٍ وما أُنجز من أُمور في هذا المجال أو ذاك، لنبني عليه بإضافاتٍ تغنيه.
أمّا القرار السّياسيّ الّذي تحدّث عنه المعقّبون فقد رأى الدّكتور همام أنّ القرارات السّياسيّة موجودة في دساتيرنا وقوانين جامعاتنا، والمشكلة تكمن في أنّ اللُّغة تنهض بنهضة الأُمّة وتكبو بكبوتها... مشيرًا إلى أنّ الإرادة السياسيّة غير القرار السّياسيّ.
مجمع اللغة العربية الأرني
|
|
|
|
|