|
|
|
|

ألغام لغوية
أ.د. صلاح جرار
أفلح الإسرائيليون في مفاوضاتّهم مع العرب بعد حرب حزيران 1967 في توظيفهم للّغة العربية لتحقيق مكتسبات لهم بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وذلك من خلال استغلالهم لمعرفتهم الدقيقة باللغة العربيّة وجهل المفاوض العربي بأصول لغته ودلالاتها، فقد نجح الإسرائيليون وحلفاؤهم الغربيّون في الضحك على لحية المفاوض العربي وإقناعه بالتوقيع على نصّ قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) الذي يطلب من الاحتلال الإسرائيلي إعادة أراضٍ احتلتها إسرائيل عام 1967، وليس إعادة الأراضي التي احتلتها سنة 1967. والفرق بينهما شاسعٌ، فإعادة (أراضٍ) يعني إعادة جزءٍ من الأراضي المحتلّة، بينما إعادة (الأراضي) بأل التعريف يعني إعادة جميع الأراضي التي احتلتها.
وبعد هذا الانتصار الذي حققه الإسرائيليون من خلال المفاوضات بدا لهم أنّهم اكتشفوا طريقاً جديدة لتحقيق الانتصارات على العرب من دون أن يخوضوا مزيداً من الحروب، وتتمثل هذه الطريق في استغلالهم معرفتهم بأسرار اللغة العربيّة وجهل المفاوضين العرب بأسرار لغتهم، بل إنّ المفاوض العربي أو المسؤول العربي يرى في إتقان العربيّة معرّة ومنقصة، وبالتالي يستطيع الإسرائيليون إقناعهم بالتوقيع على قرارات خطيرة تتضمن ألغاماً لغويّة يمكن للإسرائيليين استغلالها قانونياً لتحقيق مكاسب جديدة.
وممّا يؤكدّ ذلك ما شكا منه الوفد الفلسطيني الموحّد في المفاوضات التي جرت مؤخّراً في القاهرة في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة، إذ كرر الوفد الشكوى من المحاولات الإسرائيلية في أثناء المفاوضات غير المباشرة للتلاعب بالألفاظ والمصطلحات عند صياغة القرارات التي تمخّضت عنها المفاوضات، ممّا أعاق الوصول إلى اتفاق غير مرّة.
وهذا التلاعب بالألفاظ والمصطلحات هو شكل من أشكال توظيف اللغة لأغراض سياسية ولصالح الاحتلال الإسرائيلي.
وقد يستغلّ الإسرائيليون صياغة القرارات بلغة أجنبية وقلّة إتقان المفاوض العربي لتلك اللغة، فيستخدمون عبارات ومصطلحات لها دلالات خاصّة يستطيع الإسرائيليون استخدامها قانونياً لصالحهم.
فإذا كان المفاوضون الإسرائيليون والأجانب يسعون إلى ابتزاز العرب واستغفالهم من خلال اللغة، فإن ذلك يعني أنّ هؤلاء المفاوضين يدركون أهميّة إتقان اللغة في مختلف المجالات، وأنّه ليس من مسوّغ للمتفلسفين من أبناء أمّتنا الذين يحاولون الانتقاص من أهميّة إجادة اللغة العربيّة ومعرفة دلالاتها ومعانيها المضيّ في التنكّر لأهميّة إتقان اللغة العربيّة وقواعدها ودلالاتها وأسرارها.
كما أنّ هذا الأمر يدعو إلى ضرورة أن يتمثّل المسؤول العربي والمفاوض العربي لغته بصورة دقيقة وأن يعرف أسرار هذه اللغة، بحيث لا تنطلي عليه مكائد الأعداء أو تخفى عليهم الألغام اللغوية.
كما أنّ هذا الأمر يتطلّب من المسؤولين والمفاوضين العرب أن يحرصوا على أن يشتمل أي اتفاق يوقعونه مع دول أو أطرافٍ غير عربيّة على نسخة باللغة العربيّة وأن تكون مطابقة تماماً للنص غير العربيّ.
الرأي
|
|
|
|
|
|