للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الترجمة الفورية: لغة عالمية وضرورة قومية بالعربية الفصحى

أ. ياسين الجيلاني

بالتزامن مع اليوم العالمي للترجمة، الذي يصادف 29 من الشهر الجاري، لا بد من وقفة تقييم وتشخيص لحال الترجمة الفورية، أين نحن منها محلياً وعربياً؟ أهي في مكانة متميزة في نقل الخبرة ومتطلباته؟ وهل نقدمها على أسسها اللغوية والعلمية والفنية، لتكون أداة واصلة، بين الفكر العربي بالفكر الإنساني العالمي، دون زيادة أو نقصان؟
لا شك؛ أن الترجمة الفورية، فن قائم بذاته، له شروطه وقواعده، وله ألفاظه وحرفيته. وله بعد هذا كله؛ مشكلاته القائمة وأهدافه البعيدة الأثر، وفي عالمنا التكنولوجي الذي نعيش، الأحداث فيه متسارعة بين الكلمة والخبر، وفيه لم تعد الترجمة مشكلة، إنما المشكلة تكمن في الأشخاص الذين يقومون بها، لمجرد أداء الواجب الوظيفي، من غير أن يدركوا بأن الترجمة نهضة حضارية ثقافية، تتجه إلى الجمهور الجالس أمام شاشة التلفاز أو المذياع وغيرها، والذي يحتاج إلى الثقافة والكلمة المترجمة غير المنقوصة، والذي بدونهما واعياً مدركاً. لن تكون ثمة نهضة حضارية فيها على الإطلاق.
فالرقي الحضاري في الترجمة. يتطلب من الأجهزة الإعلامية المسؤولة، توفير الشخص المناسب لتولي مهمتها، الذي يتمتع بالثقافة العالية، وفي قدرته ومهارته اللغوية والأدبية، وصوته الجذاب غير المنفرد، وهدوء نبرات صوته، بحيث يعمل ألف حساب، لاهتمامه بهذا الفن الرفيع، وفي استيعابه للخلجات والنبضات والرموز والمصطلحات ونقلها للمستمع في ثوانٍ، حتى تكون ترجمته إنسيابية ودقيقة.
أما إذا أمعنا النظر في حال الترجمة محلياً، فإن أول ما يسترعي انتباهنا، ونحن نتابعها من اللغات العالمية إلى اللغة العربية، أن المترجم لا يعد بالقياس، إلى ما يصدر عن هذه اللغات، وهذا القليل لم يترجم كله أو جله: إما لعدم قدرته في الخروج من الإطار المحلي، وإما استجابته لثوابت الدولة العامة، خشية الوقوع في المحظور؟!
وكم من العجب أن نجد بعض الترجمات، لا ترتفع إلى مستوى النص الأصلي، بل وتأتي ركيكة تستخف بالعقول أيّما إستخفاف، غير عابئة بالتفصيلات أو الجزئيات، فحسب المترجم هنا، لا ينفذ إلى صميم المغزى العام، كما ينبغي أن يكون عليه؟!.
وأما في الجانب العربي، فإن معظم الترجمات الفورية، خاصة في دول المغرب العربي، تأتي باستخدام العاميات أو باللهجات المحلية، التي من شأنها تقطيع أوصال اللغة العربية، وعزل أبنائها بعضهم بعضاً... فبالعامية تتفتت ثقافتنا، وينقطع اتصالنا الفكري والنفسي، ونفقد مزيّة اللغة العربية، أنها لغة الأرض، ولغة القرآن والدين، ولغة الملائكة في السماء ولغة من يرضى الله عنهم فيدخلهم الجنة.
لا جدال؛ أن اللغة العربية من كبريات لغات العالم، واسعة الانتشار، لها وزن وحساب في ميزان اللغات الدولية، فهي لغة رسمية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وفي اليونسكو، ومجلس الأمن الدولي، وغيرها من المنظمات والمحافل السياسية والمنتديات الاقتصادية والاتحادات الرياضية العالمية، ونحن لا نبالغ إذا قلنا أن كثيراً من مظاهر الحضارة في العالم، تمتد جذورها وتستقصي معظم أصولها من الحضارتين العربية والإسلامية.
بعد هذا كله، هل يعقل أن تكون للغة العربية، كل هذه المكانة العالية، ثم لا تلقى من أبنائها المترجمين العناية والرعاية الكافيتين؟
وهنا نطرح هذه الأسئلة: لماذا يصر البعض أن تأتي ترجمتهم باللهجة العامية، ولغتنا العربية، من إيجابياتها، أنها تمتاز بطواعية وقدرة، لها مزية على الوفاء بكل الاحتياجات المعاصرة؟ وحسبنا من الكلمة الفصيحة، قدرتها على مجاوزة حدودها المحلية، إن اعتزازنا بها ليس له حدود... إنها قيمة كبيرة لا تتمثل فقط في أنها وسيلة التعبير الوحيد للأمة العربية، ولكن لأنها - أولاً وقبل كل شيء - سجل ماضينا، وديوان حاضرنا، ووعاء ثقافتنا، فأي تقصير في خدماتها، لا يعد تقصيراً في جانب الوسيلة فحسب، إنما في جانب الغاية أيضاً.
ثم لماذا يشوه البعض، وجه لغتنا الجميلة في مناسبات عديدة، خاصة حين نجد المترجم العربي، يتحرى الصواب والدقة، حين يترجم بلغة أجنبية، ولا يعبأ حين يترجم بلغته العربية؟ وهل باتت اللغة العربية تشكو «الغربة» في وطنها، ولا تستخدم بمستواها الفصيح - إلا في نطاق ضيق - غالباً ما يحيط به التحريف والبتر والتشويه في كل جانب؟!.
ومع إيماننا، بأن الترجمة المنقولة على الهواء مباشرة، سواء أكانت في المؤتمرات الصحفية، التي تعقب عادة زيارة الملوك والرؤساء العرب لدول العالم الخارجي، أو في نقل الخطاب السياسي العربي، أو في حوار الفضائيات، أو في تعليقات وتحليلات خبراء الرياضة العالمية، في المنافسات الرياضية الدولية وغيرها، فإن الترجمة الفورية فيها، أصعب بكثير من ترجمة القصص والكتب العلمية والمعارف الفكرية والأدبية الأخرى.
لهذه الاعتبارات كافة؛ لا بد أن تحرص «جمعية المترجمين الأردنيين» من خلال كوادرها، على تقويم نهج الترجمة الفورية، تقويماً يضعها في مكانها اللائق، مما يسهم في رسم صورة أنيقة لها لدى الآخرين، وغني عن البيان؛ أن المترجم المتعلم المثقف في اللغة العربية، يمثل الضمان الحقيقية للترجمة الصادقة دون زيادة أو نقصان.
فالترجمة الفورية، هي ثورة في وسائل الاعلام الحديث، وفي ميدان الفكر المعاصر، وهي لغة عالمية وضرورة قومية إنسانية باللغة العربية الفصحى، هدفها: تعميق جذور ثقافتنا الوطنية، دونما إنعزال عن واقع الفكر العالمي بوجه عام.
وأخيراً...إن ما نطلبه من الترجمة الفورية تحريرها من القيود أولاً، ثم إقامة بناء جديد لها، قائم على دعامتين: ثقافة عربية أصيلة ننقلها إلى اللغات العالمية الأخرى، وثقافة حديثة تستعار منها، بحيث يتلاقى العنصران في وحدة عضوية واحدة متميزة، تخدم الوطن والأجيال المتعاقبة.

الرأي

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية