|
|
|
|

الحقيقة.. بين قول غاندي وقول العرب
أ. ناديا هاشم العالول
استوقفني قول لغاندي مترجم: لا يصبح الخطأ على وجه حق بسبب تضاعف الانتشار ، ولا تصبح الحقيقة خطأ لأن لا احد يراها..
وهذا لا خلاف عليه يقبله العقل والمنطق والضمير ! لكنه يتنافي مع القول العربي المتداول: خطأ شائع خير من صواب ضائع ! أو خطأ مشهور خير من صواب مهجور..
وحتى لا نظلم العرب فإن هذا القول مخصص فقط لتبرير تداولنا اخطاء لغوية شائعة..حيث اصبحت مقبولة بل أقرب الى الصواب لتكرارها..
فمثلا وفق قواعد اللغة لا يجوز إدخال ألف التعريف على «كل» و «بعض «. فلا يجوز ان نقول «الكل « و»البعض».. والصواب ان نقول «كل الناس» أو» بعض الناس» وهكذا..ومع ذلك نتداول هذا الخطأ دون تصحيحه.. متعاملين معه كحقيقة وصواب مسلّم بهما.. مبررين: خطأ شائع خير من صواب ضائع !
لسنا بصدد كتابة مقالة متخصصة بعلم النحو وقواعد اللغة..فهذا شأن المتخصصين ولكن الهدف لفت النظر إلى ان تجاوز العرب لم يتوقف عند قواعد اللغة العربية فحسب.. بل قفز فوق اسوارها الى مساحات مختلفة وصعُد متعددة قالبا الموازين مبعثرا المعايير حتى اضحى الخطأ صوابا ، والعكس صحيح !
ومن هنا تتراكم الأخطاء متخللة أقوالنا وافعالنا وسوكياتنا وأعمالنا ولا نستيقظ منها إلا بعد ان تغرقنا تراكمات مشاكلها ، نتيجة نفينا الواضح واضحا للحقائق فيصول الجاهل ويجول الأحمق ويتمنطق السفية.. وهكذا يتراجع الحق.. وتغيب الحقيقة.. وبغيابها تتراجع شعوب.. وتفنى حضارات.. ويتقهقر الإنسان..
أما لماذا الحقيقة.. لأن الحقيقة بمعناها تشمل كل معايير الصدق والحق والمنطق والواقع..على الصعد كافة من اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية ودينية وعلمية وادبية..الخ فالبحث عن الحقيقة ودعمها ليس من اجل الحقيقة المجردة نفسها..بل اجل تجييرها لخدمة الإنسانية والإنسان.. والكون بأسره..ومع ذلك تتباين الآراء بحق الحقيقة..فبين نفي قاطع لها من قَبل أناس لا يعترفون بوجود واقع حقيقي ، بل يعتبرونه انطباعات وآراء متغيرة وفق الزمان والمكان والإنسان ، وبين مقولات أخرى تتميز بقبول جزئي ببعض الواقع ، ومع هذا النفي والتردد تقف الحقيقة المطلَقة الثابتة ساطعة كالشمس..
كلا لن اتعمق بالفلسفة فلها فلاسفتها ،علما بان الفلسفة تنبع من ارض الواقع.. من ارض العلم والمعرفة والتجربة وإعمال العقل في كل شيء بعيدا عن الوهم....و لا عجب ان كلمة «فيلوسوفي» باللاتينية.. تعني «حب الحكمة «..
فكل من يُعْمل- بكسر الميم- عقلَه يقترب من الحكمة أكثر فأكثر !فنفي وجود الحقيقة وواقعها ، يعني تغييب السلطة المرجعية المتحكمة بالصواب والخطأ، بداية بسلطة العقل..وسلطة الضمير.. الى سلطة القانون.. وسلطة الثقافة..الخ فكل تصرف بنظر هذه الفئة الرافضة للحقيقة هو تصرف صائب يناسب الموقف.. وهكذا..فربما ما هو صالح اليوم يصبح طالحا غدا... وتلك النظرة ببساطة تفسر «الأخلاقيات الموقفية» في أعظم أشكالها. فحيث أنه لا يوجد صالح أو طالح فالتصرف الذي يبدو مناسباً للموقف هو التصرف الصالح.. بغض النظر عن معاييره السلبية الواضحة للعيان.. ولهذا فإن كل شخص سيحدد قوانينه وسيعيش بها ، وبغياب مفهومي الصواب والخطأ فلن يستطيع أي أحد توجيه الآخر..فاية فوضى هذه التي سنصبح عليها حينما تتميع الحقيقة.. فنتخبط في معاييرنا الآنية المتغيرة والمتشكلة وفق المواقف الصاعدة والنازلة |»شروي غروي» !!..
نعم فوضى فكرية وعملية.. تماما كواقع الأمة العربية المقلوب رأسا على عقب..حيث انقلبت الموازين وتبعثرت المعايير وبالتالي اصبح للحقيقة وجهان.. وجه مطلق ثابت..وآخر نسبي.. وما بينهما من وجوه تتغير وتتشكل وفقا للزمان والمكان والانسان.. حتى تآكل الثابت.. فتضعضع الأساس... وانهال البنيان مرصوص وغير مرصوص.. مطلقين اثناءها الكلام المعسول.. ولا نتقن سوى صنْعة الكلام..كلا..بل صار البعض يتقن صنعة أخرى.. القتل والذبح وتقطيع الرؤوس.. نتيجة التشبث بحقيقة تعكس حق هذه الفئة بالطغيان.. لأنهم باعتقادهم أنهم وحدهم يحملون مفاتيح الحقيقة.. ليست الحقيقة المطلقة ذات المعايير والقياسات الخاضعة للعقل والحق والمنطق.. وإنما حقيقتهم التي ابتدعوها.. حقيقة أهوائهم المتقلبة.... ونحن نسالهم هل يعقل ان 1+1= لن يساويا 2 في كل مرة نجمعهما ؟ نشك في ذلك!
إذن لا بد من وجود معيار لتحديد الصواب والخطأ..
ولهذا تمتاز الدول الأخرى علينا بتنظيمها عقلها وبيتها داخليا وفق معايير الحقيقة ، ملقية بقمامة الفوضى بعيدا عن حدودها.. «علينا».. ونحن لها صاغرون ! نتفنن بإخراج وإنتاج النتائج الوخيمة لحقيقة وهمية.. حقيقة لما يسمى..الربيع العربي !!
الرأي
|
|
|
|
|
|