|
|
|
|

ليس خيالا ولكنها قصة حقيقية
أ. أسماء المدير
إلى كل أصدقائي :
أصدقائي الذين يستفسرون عن سر بداية كتابة خواطري الصغيرة، على حائط غرفة سجني الفايسبوكية باللغة العربية في الأونة الأخيرة. سأبوح لكم بقصة صغيرة حصلت معي. أولا و قبل كل شيء فدراستي الأولية كانت كلها باللغة العربية من السنة الأولى إبتدائي إلى الباكالوريا، درست الفلسفة وقواعد اللغة والشعر، حفظت شيئا من المعلقات ونسيتها. ثم إن أبي كان حرصا جد الحرص على تلقيني لغة القرآن لكريم. ذهبت إلى المسيد أنا كذلك كما أمر بذلك جلالة المغفور له الحسن التاني والدي وباقي المغاربة.
لكن السر الأساسي وراء كتابتي باللغة العربية الأم هو هاته القصة: بحكم مهنتي كمخرجة و موظبة شابة، ذهبت إلى أمريكا مؤخراً للجامعة الصيفية بأحد أكبر مدارس السينما بشيكاغو. الكل يتكلم الإنجليزية كالبرق ولا شيء غير الإنجليزية و ليست أي إنجليزية بل تلك " ديال ميركان ماشي ديال آسبانيا". سرعة هاته اللغة تجعلك تود حينها لو معك جهاز التحكم لتختار لغة أخرى، حتى تظفر أذنك ولو بجملة مفيدة.
المهم كان علينا في حصة script doctoring أن نقوم بكتابة نص وترجمته إلى الصورة.الكل يكتب ويصحح، يحصل على أفكار جديدة كلما أتيحت له فرصة اللقاء مع أحد المؤطرين الأكفاء لإعادة الكتابة، ومنهم من آنتهى من الكتابة وآنتقل إلى تصوير الفكرة ... وأنا، أنا العربية المسكينة لم أتمكن بعد حتى حتى كتابتي الأولى. الأفكار تتضارب في رأسي بلغتي وأبت أن تستسلم و تخرج بلغة غير لغتها،جاءت مؤطرتي و خاطبتني ؟ أين أنت من الكتابة ؟ قلت لازلت أبحت عن بعض المفردات. تعجبت لكلامي، رمقتُ هذا من خلال ملامحها التي تغيرت وكأن لسان حالها يقول: ما لهذه الشابة لم تفهم التمرين!!! أنا أطلب منها أن تتخيل لي مشهدا بالصورة !!! فما دخل المفردات ؟؟؟ قامت بوضع إطلالة على ورقتي الفارغة الفؤاد. فلم تحد جملة مفيدة واحدة، التشطيبات أكثر من الكلمات الصحيحة. بدأت أتلعتم،شعرت بالخجل وتمنيت حينها لو تنشق الأرض وتبلعني.
تنهدت هي ثم قالت: ما لغتك؟ قلت العربية. فأجابتني : أكتبي بلغتك. قلت لها لن تفهمين ما سأكتب!! قالت : وهل ستفهمين أنت ما ستكتبين؟ قلت نعم، بالطبع. قالت: إذن آكتبي بلغتك فأنا أريدك أنتي أن تفهمي، وترجمي لي ما كتبتيه بالصورة فيما بعد.إني أريد أن أتفرح على كتابتك. هذا معهد للسينما،الصورة لغة عالمية وسأفهمها حتما. تم أضافت: آنظري إلى أصدقاءك هم نجحوا في التقدم عليك لأنهم يكتبون بلغتهم ولا يضيعون الوقت في البحت عن المفردات والنحو وقواعد اللغة. اللغة ما هي إلا وسيلة فأرني غايتك، فغايتك ما يهمني....
فرحت بهذا الخبر الذي أثلج صدري و أطلقت العنان لقلمي و أنا أقول في نفسي :يا للعجب جئت لأمريكا حتى أتعلم الكتابة باللغة العربية وفي بلدي تعطى الأولوية والقيمة لما و لمن يكتب بلغة أخرى لكن إلا العربية. أين الخلل ؟ ما عدت أريد لأعرف . وجدت ضالتي، عثرت على مفتاح أفكاري . وقررت أن أُخرجها للمزاد العلني . منذ تلك اللحظة و أنا أعيش على إيقاع لغتي .
حياتي عادت إليها حياتها. أحسست بقشعريرة حينها، أخيرا بدأت الأفكار تتطاير علي من كل حدب وصوب، تخرج من عقلي طوعا بالفطرة دون أي مجهود. علمت حينها أن لغتي لم تكن عنيدة بل كانت فقط تريد رد الإعتبار لكرامتها. بمجرد ما أحست بحنيني إليها رفعت عني الحصار وآستسلمت لحبر قلمي. شعرت بدعوات الخير من سيبويه ومن أبي الأسود الدؤلي وقررت أن أكتب بلغتي. لألحق بالناجحين تُبت من ذنبي والتائب من ذنبه كمن لا ذنب له.
أنا لست فرنسية ولا أمريكية ولن يكون لي ذلك أبدا. أنا عربية مغربية من أصول أمازيغية، أبي و أبوكم أجمعين سيدنا آدم عليه السلام، منّٓ عليه الله وعلمه الأسماء كلها وجميع اللغات. فلا عيب إن تعلمت شيئا من الفرنسية والإنجليزية أو غيرها من اللغات، والأجمل إن أتقنتها. لكنني قررت أن أعطي لغتي أعلى مراتب تفكيري حتى لا تخدلني باقي اللغات فأقعد مذموما مدحورا.سأعبر و سأفجر طاقاتي بالعربية أولا و أخيرا...
لا تنسوا نحن نبكي ونضحك بلغتنا حتى وإن أردنا طمسها، وهذان الإحساسان هما أعظم شيء في الانسان...
هسبريس
|
|
|
|
|
|