للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الأدب العربي في الصين

د. شوي تشينغ قوه

 1- ترجمة الأدب العربي في الصين

تعود العلاقات الصينية العربية إلى ما قبل ألفي سنة تقريبا، حيث ربط طريق الحرير المشهور بين الأمتين العريقتين. ولا تخلو السجلات التاريخية والجغرافية الصينية القديمة من ذكر أخبار العرب ونوادرهم، عبر كتابات الرحالين والتجار الصينيين، إلا أن هذه الكتابات اكتفت برصد العادات والتقاليد العربية، ولم تتناول العوالم الروحية والفكرية للعرب. أما الأدب العربي، فظل مجهولا من قبل الصينيين حتى أواخر القرن التاسع عشر، عندما تُرجم أول عمل أدبي-- ديني عربي إلى اللغة الصينية هو قصيدة «البردة» لمحمد شرف الدين البوصيري. وكان الفضل في ذلك يرجع إلى العالم المسلم ما ده شينغ (Ma Dexing) الذي عاد إلى الصين بهذا الكتاب من البلاد العربية، وسرعان ما تعاون مع تلميذ له في ترجمته. على أن المنية وافته فلم تتم هذه الترجمة إلا على أيدي تلميذيه اللذين ترجما القصيدة إلى اللغة الصينية الموزونة الكلاسيكية، وطبعت هذه الترجمة مع النص العربي عام 1896.

يمكن اعتبار المرحلة التي بدأت من صدور ترجمة قصيدة «البردة» حتى تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 المرحلة الأولى لترجمة الأدب العربي في الصين. ولم تشهد هذه المرحلة نشاطات مكثفة في ترجمة الأعمال الأدبية. وكان السبب الرئيسي في ذلك هو قلة الدارسين الصينيين للعربية في ذلك الوقت، وانشغال أغلبهم بالقضايا الدينية. فقد قام بعض العلماء المسلمين بترجمة عدة كتب تتعلق بدين الإسلام والحضارة العربية الإسلامية عن اللغة العربية مباشرة. أما الترجمة الأدبية فتمت على أيدي المترجمين عن لغات أخرى، حيث ظهرت عدة ترجمات جزئية لـ «ألف ليلة وليلة» عن الإنجليزية واليابانية ابتداء من عام 1900؛ ولم تظهر الترجمة عن العربية مباشرة إلا على يد المستعرب المسلم ناشيون (Na Xun)، الذي ترجم معظم حكايات الكتاب ونشرها في خمسة مجلدات عام 1941.

بالإضافة إلى «ألف ليلة وليلة»، كان للقراء الصينيين احتكاك بالأدب العربي الحديث أيضاً، ذلك عن طريق أعمال جبران خليل جبران، حيث ترجم الأديب الشهير ماو دون (Mao Dun) عن الإنجليزية خمسة مقاطع نثرية في كتاب «السابق» ونشرها في مجلة أدبية عام 1923 بعد ثلاث سنوات من صدور الكتاب الأصلي في الولايات المتحدة عام 1920. وفي عام 1931 ظهرت الترجمة الرائعة لـ «النبي» التي قامت بها الأديبة المشهورة بينغ شين (Bing Xin)، التي كتبت في مقدمة الكتاب "إنني مولعة بالحكمة الشرقية الفائقة واللغة الشاعرية العجيبة في هذا الكتاب الصغير". وقد لقيت هذه الترجمة إقبالا كبيرا في الصين وأعيدت طباعتها مرات كثيرة من يوم صدورها حتى الآن.‏

وتعتبر الفترة من تأسيس الصين الجديدة إلى ما قبل "الثورة الثقافية" المرحلة الثانية لترجمة الأعمال العربية. وكانت تتأجج في تلك الفترة الحركات النضالية في سبيل الاستقلال والتحرر. ومن الطبيعي أن تقف الصين المتحررة حديثاً بجانب الشعوب المناضلة. ولخدمة هذا الموقف السياسي فقد ترجمت إلى الصينية عدة دواوين شعرية تضم قصائد وطنية أو ثورية لأبي القاسم الشابي وعبد الوهاب البياتي وشعراء آخرين من أقطار عربية عديدة، إضافة إلى مجموعات قصصية واقعية لقصاصين من مصر وسوريا ولبنان. وترجمت في هذه الفترة أيضاً «الأيام» لطه حسين و«كليلة ودمنة» لابن المقفع.‏

ثم يأتي ما عرف بـ "الثورة الثقافية" التي دامت عشر سنوات ابتداء من عام 1966، والتي في الحقيقة ليست إلا كارثة بكل معنى الكلمة. وكان مضمار الترجمة الأدبية العربية حينذاك صورة مصغرة لما كانت تعانيه الصين من التدهور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، إذ أن نشاطات الترجمة في هذه الفترة اختفت تماما.‏

ومع انتهاء تلك الحقبة ودخول الصين عصر الإصلاح والانفتاح في أوائل الثمانينات القرن الماضي، دخلت الترجمة العربية المرحلة الثالثة وهي مرحلة ذهبية امتدت حتى منتصف التسعينات.‏ فقد ترجمت خلال أقل من عشرين سنة نحو 150 عملا بين الروايات ومجموعات قصصية ومختارات شعرية أو نثرية، ونال الكتّاب المصريون واللبنانيون حظاً أوفر في النقل إلى اللغة الصينية، حيث يأتي نجيب محفوظ في صدارة هؤلاء الكتّاب، إذ ترجمت له حوالي عشرين عملا بما فيها ثلاثية «بين القصرين» و«أولاد حارتنا»، ويليه إحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي ويوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوي وطه حسين وغيرهم. أما من لبنان فقد ترجمت المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران خليل جبران (أربع مرات)، إضافة إلى ترجمات كثيرة لمختاراته نثرا وشعرا؛ كما ترجمت أعمال لميخائيل نعيمة وجرجي زيدان وتوفيق يوسف عواد وغيرهم.‏

ومن أقطار عربية أخرى ترجمت أعمال متفرقة لبعض الكتاب، منهم أسماء كبيرة في الأدب العربي الحديث، مثل أبو القاسم الشابي وغسان كنفاني وحنا مينا وعبد الحميد بن هدوقة وعبد المجيد بن جلون والطاهر بن جلون وأحمد إبراهيم الفقيه والطيب صالح وآسيا جبار وسعاد الصباح وليلى عثمان.

وتباطأت وتيرة ترجمة الأدب العربي في الصين منذ انضمام الصين إلى المنظمة العالمية للملكية الفكرية في منتصف تسعينات القرن الماضي، إذ ينبغي على دور النشر طلب موافقة الكاتب قبل ترجمة أعماله ونشرها في الصين، مما يعني أن هذه الدور مضطرة إلى مراعاة الحسابات المالية قبل اختيار عناوين الترجمة. لذا، دخلت ترجمة الأدب العربي المرحلة الرابعة وهي مرحلة هادئة، فترجمت في القرن الجديد حتى الآن نحو ثلاثين عملا بين روايات ومجموعات قصصية ودواوين شعرية، منها 14 رواية عربية من ضمن 105 أفضل رواية عربية في القرن العشرين التي تم اختيارها من قبل اتحاد الكتاب العرب، وصدرت في خمس مجلدات تحت عنوان "مختارات من الروايات العربية". كما ترجمت ثلاث مختارات شعرية لأدونيس وكتاب آخر لمختاراته النثرية، وروايتان لجمال الغيطاني، إضافة إلى أعمال متفرقة بين روايات ومجموعات قصصية لبعض الكتاب العرب المعاصرين.

بعد هذا العرض لأهم الإنجازات في ترجمة الأدب العربي في الصين، نتوصل إلى استنتاج أن الأدب العربي قد أثبت تواجده في الصين عبر جهود أجيال من المترجمين، ولكن حركة الترجمة لا تزال ناقصة وتعاني من بعض المشاكل والصعوبات.‏

أولاً، إن التراث الأدبي العربي القديم لم ينقل إلى الصينية إلا ما يعدّ على الأصابع؛ ثانياً، لم تترجم من الشعر والمسرحية أعمال كثيرة، كما أن الترجمة ركزت على أقطار عربية معينة، أما أدب الخليج وأدب المغرب العربي فلم يستوفيا حقهما. ثالثاً، مستوى ترجمة الأدب العربي لم يكن مرضياً بشكل عام، ولاشك أن مستوى الترجمة غير المرضي كان من بين الأسباب التي تحول دون انتشار الأعمال العربية في الصين، حيث أن معظم الأعمال المترجمة –باستثناء ألف ليلة وليلة وأعمال جبران وبعض روايات نجيب محفوظ وشعر أدونيس- لم تطبع إلا نسخاً محدودة، وأن قراءها يقتصرون على الباحثين والمعنيين بالآداب الأجنبية.‏

arabic people

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية