|
|
|
|

درس سياسي في اللغة
أ. خيري منصور
رأى البعض من المراقبين أن إجابة وزير خارجية ألمانيا عن سؤال توجه به صحفي بريطاني طالباً الإجابة باللغة الإنجليزية كانت صادمة، أو أنها في أحسن الأحوال بمثابة رد رمزي على العولمة، لأن الوزير الألماني قال لسائله إنه لن يتحدث بغير الألمانية، لأنه ألماني ويتحدث أمام مؤتمر صحفي في ألمانيا .
حقيقة الأمر أن من صدموا بتلك الأجابة هم الذين صدقوا أن اللغة لم تعد هوية وسمة قومية وأنها مجرد أداة للتواصل بحيث تنوب أية لغة منتشرة عالمياً كالإنجليزية عن كل اللغات الأخرى، والحقيقة أن ما صدم بعض الأوروبيين أثار لدينا كعرب شجناً قديماً متجدداً حول لغتنا التي بلغ الاستخفاف بها حداً ينذر بعدة أخطار دفعة واحدة! رغم أن مكانة الأبجدية العريقة حتى في ألمانيا ذاتها لم تنلها لغة أخرى باعتراف مستشرقين وعلماء لغة، وهناك كتاب ألماني شهير يدرج في خانة الاستشراق لباحثة أكاديمية شهيرة عنوانه "شمس العرب تستطع على الغرب"، أما من كتب من هؤلاء عن الشعر العربي وتحديداً المتنبي فإن ما قاله بعضهم قد لا نجرؤ نحن العرب على قوله لأسباب منها ما تراكم لدينا من إحساس بالقصور وازدراء الذات!
وهناك مستشرق آخر، قال بالحرف الواحد إنه لو كان صاحب قرار في مناهج التعليم لاقترح المعلقات السبع أو العشر لتكون من مقررات الدراسة في مختلف مراحل التعليم الأدبي في ألمانيا، وكان هذا المستشرق واسمه "نولدكة" متحمساً للغة العربية بحيث تمنى لو أنها لغته، وهذا أيضاً ما عبّر عنه مستشرق ألماني آخر هو مارغليوث في مطالع القرن العشرين!
ما قاله وزير خارجية ألمانيا ليس درساً في فقه اللغات أو علوم الألسنية، إنه تعبير قومي وسياسي بامتياز، وعلينا كعرب أن نتلقى مثل هذه الرسائل بجدية بعد أن بدأنا نفرط بلغتنا التي تنفرد كما وصفها كاتب فرنسي بأنها ذات رسالة كونية .
فهل أزف الوقت الذي نعود فيه إلى رُشدنا القومي واللغوي ونكف عن ازدراء أعز موروثاتنا؟ وليس معنى ذلك العزوف عن اتقان لغات أخرى فهذا بحد ذاته هدف حضاري نبيل، شرط ألا يكون على حساب الاهتمام باللغة القومية والتفريط بها بحيث يرطن بها أهلها وكأنها ليست لغة آبائهم وأجدادهم وأقدس النصوص في حضارتهم .
الخليج
|
|
|
|
|
|