|
|
|
|

كفى تنافساً على التّوصيف
أ. خيري منصور
معظم الندوات التي تُعقد في هذا الموسم حول الدفاع عن اللغة العربية ورصد المفردات الهجينة التي تسللت إلى ألسنة الشباب لا تبدأ من أول السطر، ومنها ما ينتهي عند حدود الاستهجان والتوصيف، لهذا يبدو بعضها بمعزل عن النوايا كأنه إعلانات مجانية عن هذا القاموس الهجين والذي تليق مفرداته الملفقة بشكل عشوائي بمرحلة هي برمتها أصبحت عشوائية، ليس فقط بالمعنى العمراني، بل بكل المعاني الثقافية والاجتماعية وحتى السياسية .
إن مجرد إلقاء نظرة سريعة وبشكل أفقي على أسفل بعض الشاشات الفضائية يكفي لمعرفة واحد من أهم أسباب هذه العشوائية اللغوية، فهي ليست عربية ولا عبرية، وليست سنسكريتية أو هيروغليفية، بل هي ركام من الكلمات التي تشبه النمل الأسود على الشاشة البيضاء!
وهناك مسلسلات وأفلام تتوارى خلف الكوميديا لتنتهك كل شيء، بحيث لم يعد هناك أية حرمة لا للغة أو كياسة أو أي حدّ أدنى من مراعاة الذوق العام .
لهذا نقول للسادة الخائفين على لغتنا وعلى قاموس أطفالنا إن إغفال الأسباب هو تواطؤ مكشوف، فما نراه ويثير لدينا الغثيان ليس نبتاً شيطانياً أو شيئاً أمطرته السماء من سحابة غامضة، ولا يمكن معالجة أية ظاهرة إذا اكتفينا بالإفراط في توصيفها لأننا عندئذٍ نفسر الماء بعد الجهد بالماء . . وقد نضاعف من خطورة هذا القاموس الذي يرطن به الشباب عندما نردد كلماته ونستشهد بأكثرها فجاجة وفظاظة .
ولا نظن أن هناك طبيباً وفيّاً لقسم أبوقراط يسمح لنفسه بأن يكرر في كل مرة أمام مرضاه خطورة مرضهم وما يمكن أن ينتج عنه من مضاعفات إذا تفاقم . . لأن مهنته تتلخص أساساً في المعالجة وليس فقط بتحديد مصدر الألم . . فالمريض نفسه يعرف ذلك ولا حاجة به إلى طبيب!
وما يتعلق بهذا القاموس الملفق الذي يرطن به عدد كبير من الشباب في مختلف أقطارنا العربية هو مجرد مثال، ففي العديد من الفعاليات الثقافية وأحياناً الاجتماعية والسياسية ينتهي الأمر عند التنافس على القدرة الوصفية، بحيث يخرج من دَخَلَ أشَد حيرة وما من إجابة شافية عن الأسئلة التي دفعته إلى الإصغاء .
فهل سبب ذلك عقد ندوات على طريقة ذرّ الرماد في العيون أو تأدية واجب العزاء . . وكفى الله المثقفين والباحثين شرّ التحليل والتعليل .
إن ما يبدأ أشبه بانهيار بالصدفة ينتهي بهلاك مبرمج!
الخليج
|
|
|
|
|
|