للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

لغتنا العربية

أ. ليلى حافظ

صدمت العائلة الصغيرة عندما كانت تبحث عن حضانة لابنتها التى لم يتجاوز عمرها العام ونصف العام، عندما اكتشفت ان كل الحضانات التى وقع عليها الاختيار لا تتحدث مع الأطفال باللغة العربية، بل فقط بالانجليزية، بالرغم من انها جميعا حضانات مصرية، ملك لشخصيات مصرية.

وصدمت هذه العائلة اكثر، بعد أن اعترضت الأم وأبدت رغبتها فى ان تتحدث ابنتها باللغة العربية فى الحضانة كما تتحدث بها معها فى المنزل، عندما عرفت أن الأهالى هم الذين لا يريدون تعليم أبنائهم العربية ويصرون على ان تقوم المدرسات بالتحدث إليهم بالانجليزية فقط.

يتصور الأهل انهم بذلك يضمنون لاولادهم مستقبلا أفضل اذا هم شبوا يتحدثون بالانجليزية، ويتصورون ان اللغة العربية هى لغة العامة وغير المثقفين.

ولكن، وللأسف الشديد، لا يدرك الأهل أنهم بذلك انما يرتكبون جريمة كبرى فى حق أطفالهم أولا، وفى حق وطنهم، ثانيا. فسوف يفقد هؤلاء الأطفال هويتهم الأصلية وثقافتهم الاصيلة، بدون ان تتكون لهم هوية وثقافة أخرى محددة. فهم يعيشون فى وطن لايريدون ان يتعلموا لغته، وفى نفس الوقت يتحدثون بلغة لا يعيشون فى وطنها؛ وكأنهم يقطعون جذورهم من أرض ولا يحاولون مدها فى أرض أخرى، والنتيجة ألا تطرح الشجرة وتظل جرداء. هؤلاء الأطفال، الذين يخلطون عدة لغات فى نفس الجملة، وينتقلون من لغة الى أخرى مع كل كلمة، سينموا عقلهم مشوها، ويصبح تفكيرهم مشوها لأن لغتهم التى ينطقون بها ويفكرون بها مشوهة. ففى فرنسا تصر المدارس على ان تكون اللغة التى يتحدث بها الطفل فى المدرسة هى نفسها التى يتحدث بها فى البيت وفى المجتمع، حتى تتكون لدى الطفل حصيلة كبيرة من اللغة الاصلية، وبعدها يتعلم اللغات الأجنبية التى ستصبح بالنسبة له لغة ثانية وثالثة وربما رابعة وخامسة أيضا. لكن الأساس تكون هوية الانسان قد تشكلت.

أما بالنسبة للوطن، فان الجيل الحالى لن يستطيع بعد عشرين عاما، ان يدرك ماهية هويته. والانقسام الذى يحدث اليوم بين أبناء الجيل الواحد داخل الوطن الواحد، بين من يتجه الى الثقافة الفرنسية او الإنجليزية او الألمانية وبين من يتمسك بالثقافة المصرية، سوف يتحول الى فجوات بين أبناء الشعب والمجتمع الواحد الذى لن يجمعهم شيئا. فى الماضى كان من الممكن القول ان مصر ليست متعددة الثقافات لأننا جميعا، كل الطبقات وكل المستويات التعليمية نتحدث بلغة واحدة ونستمتع بالانصات الى نفس الاغانى، ونتذوق نفس الطعام، ونقرأ نفس الكتب. كان هناك شيئا يجمعنا؛ وذلك لم يكن يمنع فى نفس الوقت، الاطلاع على ثقافات أخرى بإعتبارها ثقافات أخرى.

أتذكر دائما الأستاذ الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيرى، أستاذ الأدب الانجليزى فى الجامعة، عندما يتحدث عن تلاميذه الجدد فى اول العام الدراسى الجديد، وكيف ينطلق القادمون من المدارس الأجنبية بلغة انجليزية سليمة بينما يجلس فى صمت القادمون من المدارس العربية خجلا او خوفا؛ الى ان يتلاشى هذا الخجل والخوف ويبدأون فى الكلام، فتخرج على حد قوله «الجواهر» والأفكار القيمة.

وهكذا ندرك ان النجاح والعلم ليس فى اللغة التى نتحدث بها، ولكن فى الفكر الذى تترجمه تلك اللغة الى كلمات.


الأهرام

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية