للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

لِمَ التشاؤم من مستقبل اللغة العربية؟

أ. دوان موسى الزبيدي

لِمَ التشاؤم من مستقبل اللغة العربية؟
اقرأ بعض مميزاتها ولا تتشاءم  !

تشم في كثير من الأحيان رائحة التشاؤم من مقالات تقرأها هنا أو هناك وهي تتناول اللغة العربية  في حاضرها غير المستقر، وضعف قدرتها على التأثير والانتشار ،ويعزو الكتاب عدم الاستقرار إلى ضعف قدرتها على مواكبة العصر،وعدم استقرار أوضاع أهلها ، وحالهم المزري، ما درى هؤلاء أو ربما يدرون لكنهم غارقون في تشاؤمهم أن اللغة، أي لغة ماهي إلا لسان وطريقة تعبير بحروف ومفردات معينة وتستخدم للتواصل بين الناس لكي يفهم كل منهم مقصود الآخر ،وتستخدم في تعبير الإنسان عن نفسه سواء أكان كتابة أم قولا، ومن خلال اللغة يتعرف الإنسان المادة العلمية والفكرية التي يتحدثها الآخر ، ويستمد منها أفكاره وكلماته وأفعاله.
وكلما كانت اللغة ثرية بالألفاظ، تصبح قادرة على التعبير بدقة عن الإنسان وأنشطته وأعماله وتخطيطاته وحياته كلها، و تصبح أكثر تفاعلا وتأثيرا في المحيط الذي يعيش فيه كله ، بل إذا كانت اللغة معبرة ومؤثرة فإن أثرها يمتد إلى ما شاء الله.
امعنوا النظر في لغتنا وبدهي تجدون أنها لغة ثرية جدا بكل ما توفره من كلمات ،وأساليب حوارية وتفاعلية للمتحدث بها، لأنها توفر له كلمة موجهة للهدف الذي يعبر عنه ،كما أنها توفر له تعبيرات تعطي أمثلة وتنتقل بين الأحوال من حال لآخر بكل يسر وانسياب ،وتنبه الذهن وتزيده كفاءته على التفكير في محتوى المعاني الغزيرة أورد الدكتور فاضل السامرائي مقارنة جميلة تتعلق بميزتين تمتاز بهما العربية عن سائر لغات العالم هما الإعراب والإيجاز
سأقف هنا عندهما :
 – الإيجــاز :
الإيجاز صفة واضحة في اللغة العربية . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( أوتيت جوامع الكلم )). ويقول العرب (( البلاغة الإيجاز )) و (( خير الكلام ما قلّ ودلّ )). وفي علم المعاني إيجاز قصر وإيجاز حذف .
والإيجاز في العربية على أنواع فمنها:
الإيجاز في الحرف : ، الإيجاز في الحرف، حيث تكتب الحركات في العربية عند اللبس فوق الحرف أو تحته بينما في اللغات الأجنبية تأخذ حجماً يساوي حجم الحرف أو يزيد عليه. وقد نحتاج في اللغة الأجنبية إلى حرفين مقابل حرف واحد في العربية لأداء صوت معين كالخاء (KH) مثلاً ولا نكتب من الحروف العربية إلا ما نحتاج إليه، أي ما نتلفظ به، وقد نحذف في الكتابة بعض ما نلفظ : لكن - هكذا - أولئك. بينما في الفرنسية نكتب علامة الجمع ولا نلفظها، وأحياناً لا تلفظ نصف حروف الكلمة. ونكتب في الإنكليزية حروفاً لا يمر اللسان عليها في النطق ، كما في كلمة (right) مثلاً التي نسقط عند النطق بها حرفين من حروفها (gh) نثبتهما في كتابتها .
وفي العربية إشارة نسميها ( الشدة )، نضعها فوق الحرف لندل على أن الحرف مكرر أو مشدد، أي أنه في النطق حرفان، وبذلك نستغني عن كتابته مكرراً، على حين أن الحرف المكرر في النطق في اللغة الأجنبية مكرر أيضاً في الكتابة على نحو (recommendation) .
ونحن في العربية قد نستغني كذلك بالإدغام عن كتابة حروف بكاملها، وقد نلجأ إلى حذف حروف. فنقول ونكتب ( عَمَّ ) عوضاً عن ( عن ما ) و ( مِمَّ ) عوضاً عن ( من ما ) و (بِمَ) عوضاً عن ( بما ) ومثلها ( لِمَ ) عوضاً عن ( لِما ) .
الإيجاز في الكلمات : وبمقارنة كتابة بعض الكلمات بين العربية ، والإنكليزية نجد الفرق واضحاً :
(أمّ) في العربية حرفان وثلاثة أصوات ،لكنها في الإنكليزية ستة حروف mother
(أخ ) حرفان  في العربية، وفي الإنكليزية سبعة حروف brother   


وليست العربية كاللغات التي تهمل حالة التثنية لتنتقل من المفرد إلى الجمع، وهي ثانياً لا تحتاج إلى الدلالة على هذه الحالة إلى أكثر من إضافة حرفين إلى المفرد ليصبح مثنى، على حين أنه لا بد في الفرنسية من ذكر العدد مع ذكر الكلمة وذكر علامة الجمع بعد الكلمة :الباب - البابان – البابين  the two doors
الإيجاز في التراكيب : والإيجاز أيضاً في التراكيب ، فالجملة والتركيب في العربية قائمان أصلاً على الدمج أو الإيجاز . ففي الإضافة يكفي أن تضيف الضمير إلى الكلمة وكأنه جزء منها :his book ,their book
وأما إضافة الشيء إلى غيره فيكفي في العربية أن نضيف حركة إعرابية أي صوتاً بسيطاً إلى آخر المضاف إليه فنقول كتاب التلميذ ومدرسة التلاميذ، على حين نستعمل في الفرنسية أدوات خاصة لذلك فنقول : le livre de l’élève : ، l’école des élèves .
وأما في الإسناد فيكفي في العربية أن تذكر المسند والمسند إليه وتترك لعلاقة الإسناد العقلية المنطقية أن تصل بينهما بلا رابطة ملفوظة أو مكتوبة، فنقول مثلاً ( أنا سعيد ) على حين أن ذلك لا يتحقق في اللغة  الإنكليزية ، ولا بد لك فيهما مما يساعد على الربط فتقول  ( I am happy ) :.وتستعمل الإنكليزية لذلك طائفـة من الأفعـال المساعدة مثل   (to have , to be) .
كما أن الفعل نفسه يمتاز في العربية باستتار الفاعل فيه أحياناً، فنقول (أكتب) مقدرين الفاعل المستتر، بينما نحتاج إلى البدء به منفصلاً دوماً مقدماً على الفعل كما هو الأمر في الإنكليزية (I , you ...). وكذلك عند بناء الفعل للمجهول يكفي في العربية أن تغير حركة بعض حروفه فتقول : كُتِب على حين نقول في الإنكليزية ( it was written ) .
وفي العربية إيجاز يجعل الجملة قائمة على حرف : فِ ( وفى يفي )، و (ع) من وعى يعي، و ( ق ) من وقى يقي، فكل من هذه الحروف إنما يشكل في الحقيقة جملة تامة لأنه فعل وقد استتر فيه فاعله وجوباً .
وفي العربية ألفاظ يصعب التعبير عن معانيها في لغة أخرى بمثل عددها من الألفاظ كأسماء الأفعال .
نقول في العربية : ( هيهات ) ونقول في الإنكليزية ( it is too far )
(شتان  ( there is a great difference  (         
وحرف الاستقبال مثل : ( سأذهب ( I shall go )
والنفي أسلوب في العربية يدل على الإيجاز :
العربية : ( لم أقابله ) ، الإنكليزية : ( I did not meet him )
العربية : ( لن أقابله ) ، الإنكليزية : ( I will never meet him )
الإيجاز في اللغـة المكتوبـة :
فمثلاً سورة ( الفاتحة ) المؤلفة في القرآن من 31 كلمة استغرقت ترجمتها إلى الإنكليزية 70 كلمة .
ويقول الدكتور يعقوب بكر في كتاب ( العربية لغة عالمية(: (( إذا ترجمنا إلى العربية كلاماً مكتوباًُ بإحدى اللغات الأوروبية كانت الترجمة العربية أقل من الأصل بنحو الخمس أو أكثر .))
أما الإعراب فمن خصائصه إعطاء اللغة سعة في التعبير كما بين لنا الدكتور فاضل السامرائي:
في الإنكليزية نقول: Mohammed gave Khaled the book                       
وفي العربية نقول:
أعطى محمد خالدا كتابا ..السامع لا علم له ونريد أن نخبره
محمد أعطى خالدا كتابا ..السامع يعلم أن المعطي محمد لكن ماذا أعطى؟
خالدا أعطى محمد كتابا ...السامع يعلم أن محمد أعطى كتابا لكن لمن؟
كتابا أعطى محمد خالدا... فقد يعلم السامع وقد لايعلم ويريد أن يستفهم عن المعطي
كتابا خالدا محمد أعطى ..
خالدا كتابا محمد أعطى..
 نلاحظ صورا مختلفة نستطيع فهم المعنى العام  من خلالها مهما تغيرت أوضاعه لأنه واحد
ولأن كل كلمة تحمل دلالتها الخاصة ،وكل صورة من الجملة تحدد هذه الدلالة
وقد نحتاج إلى تحديد الدلالة وسعة التعبير هي التي تمنحنا القدرة على التحديد وهذا غير موجود في اللغة الإنكليزية
وقد صقلت اللغة العربية ألفاظها ،ومعانيها بكلمات الله تعالى في القرآن الكريم فهو الكتاب المعجز الذي يعطي الآيات المبهرة عن خلق الله تعالى، وهو الكتاب الذي يخاطب الله تعالى به خلقه من بني البشر ومن الجن أيضا. لذلك نجد مسار علوم اللغة العربية قد تطور بنزول القرآن الكريم، بل وتغير مساره  إلى الأعلى والأحسن إلى الحث على قيم  الفاضلة والبعد عن
سفاسف الأمور.
لذلك فاللغة العربية لغة غير عادية على الإطلاق، وكلما قرأ الإنسان في القرآن الكريم عرف قيمتها أكثر لأنها بالفعل تخاطب عقله وفكره وقلبه بكلمات معبرة وقوية لا تقبل تحوير ولا إعوجاج لأن لها معنى واضح وطريق مستقيم. أيضا كلما قرأ الإنسان القرآن الكريم ازدادت حصيلته اللغوية وكان أكثر علما وثقافة وأكثر تمكنا من التعبير بالعربية بل وبأساليبها الثرية عن فكره وثقافته وعلمه، وبالتالي يكون أكثر تأثيرا... لنشر الخير والحق والعدل والفضيلة والخلق الكريم.
تحتوي كل لغة الموروث الثقافي للشعب الذي ينطق بها أو لأهلها الذين يتكلمون بها، فقد تجد كلمات في لغة ليس لها مقابل في لغة أخرى، بل أنه أحيانا يكون المعنى اللغوي الواحد لكل لفظ في كل لغة مختلف من حيث الفكر ومن حيث التطبيق في الواقع.

يمكن أن نفرد أمثلة لاستخداماتنا اللغوية... مثلا إذا كان لديك موقع على الشابكة (الإنترنت )سواء أكان شخصيا أ مؤسسيا، فأنت قد أنشأت الموقع لهدف معين وهذا الهدف يتحقق من خلال الناس الذين تتعامل معهم أو أنه لخدمة شريحة من الناس ووسيلة تواصل معهم، ومن الطبيعي أن يكونوا هؤلاء الناس عرب... يكون من غير المنطقي أن تكون الرسالة التي يحملها الموقع لهذه الشريحة بالإنجليزية أو بأي لغة أخرى، لأنه بمنتهى البداهة لن تحقق هدفك في إيجاد التواصل بين هؤلاء الناس وبالتالي تبادل المنافع معهم.
اللغة العربية هي الهوية التي تعبر بها عن نفسك  تلك اللغة الجميلة العذبة، التي تأسر الألباب، وتأخذ بمجامع القلوب، لغة العواطف المرهفة، والمشاعر الصادقة الجياشة. اللغة التي بذّت اللغات جميعاً في جمال الكلمات ووفرتها، وفي طلاوة العبارات وعذوبتها. إنها لغة القرآن الكريم الذي نزل على قلب رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ونطق بها لسانه الطاهر الشريف. لغة "اقرأ باسم ربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم". اللغة التي وعد الله سبحانه وتعالى بحفظها وبقائها، حيث يقول تعالى في آية كريمة: {إنا نحن نزلنا الذِّكْرَ وإنّا له لحافظون}. والذِّكْر هو القرآن الكريم، لذلك أقول لكل متشائم لاتخشَ على مستقبل لغتنا  مهما عصفت الريح ، فالشجرة راسخة الجذور..راسخة  راسخة مابقي  من ينطقها من أهلها..
 من أهم مراجع :
معاني النحو للسامرائي
العربية لغة عالمية يعقوب بكر
القرآن الكريم



التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية