|
|
|
|

اللغة العربية رافعة رئيسه لمقوماتنا الوطنية والقومية
أ. د.حسن عبدالله
" أنا لغتي" ، هكذا عرف الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش نفسه، وربط الهوية باللغة هنا لم يكن ربطًا اعتباطيا، وإنما استند إلى فهم عميق لأهمية اللغة في التكوين النفسي والثقافي للانسان ، فهي مفتاحه المعرفي والثقافي والإجتماعي والفني ، خصوصاً وأن هناك علاقة تكاملية، بين اللغة والتفكير، بين اللغة والإبداع ، وبالتالي بين اللغة وانسانية الانسان.
ومعلوم أن كل شعب من الشعوب يعتز بلغته ويفاخر بها ، لكن لغتنا العربية تستحق بامتياز أن نتمسك بها وان نعرف انفسنا من خلالها، لأنها عنوان عروبتنا.
والحقيقة انك إذا كنت متدينا او علمانياً، مسلماً او مسيحياً، يسارياً او يمينياً، لا يمكن للغتك العربية أن تستقيم بمعزل عن قراءة متبصرة في تراثنا العربي الأدبي وبخاصة الشعر، أو بمعزل عن قراءة لغوية ودلالية معمقة للقران الكريم. واذا أهملنا هذين المصدرين ستظل لغتنا معلقة في السماء بلا أساس، فالقران الكريم على وجه الخصوص جعل لغتنا عالمية يحرص على اتقانها الباكستاني والهندي والصيني والماليزي والتركي...، لكي يعي ويفهم روح النصوص القرآنية، بما حملته من أحكام وشروحات، إضافة الى الدروس والعبر المستقاة من القصص القرآنية.
اللغة العربية غنية بمفرداتها وجميلة رشيقة بموسيقاها، ومدهشة بتشابيهها واستعاراتها، وطيعة ومستجيبة للنحت اللغوي بتصريف الكلمات وتوظيفها في خدمة النص، لكن نسبة كبيرة من الجيل الشاب لا تدرك القيمة الحقيقية للغتنا ، وتفضل لغات أجنبية عليها ، كنوع من التباهي أو الظهور بمظهر المحاكي للغرب، على اعتبار انهم تقدموا ونحن تأخرنا، وفي ذلك تحميل للغة مأساة فكرية تطحننا كبارا وصغاراً، بعد ان تخلفنا عن ركب الحضارة ، وامسكنا بذيل الدول التي استعمرتنا بالامس القريب ، وتحولنا إلى أدوات في أيديها ، لتفتيت أوطاننا وتمزيق أرضنا وحرق أنفسنا بانفسنا في حروب وصراعات، ضمن خطة استعمارية قديمة جديدة، تهدف تحويل وطننا العربي الكبير إلى دويلات طائفية ومذهبية متقاتلة، حتى لا تقوم لنا قائمة، وتذهب خيراتنا لأولئك الذين ينظرون إلينا من علٍ.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هل الذنب تتحمله لغتنا، أم تفضيلنا القاع على القمة ؟ لقد قبلنا ان نقتات على فتات حضارات أخرى، مقلدين بسذاجة فصرناكالغراب الذي حاول تقليد اليمامة، وهي تدرج على الارض، ففشل ونسي مشيته الأصلية عندما حاول العودة اليها.
أن نتعلم لغة الآخرين ، هذا جيد وايجابي وضروري، فيجب أن نكون منفتحين على الثقافات الأممية الأخرى، واللغة دائماً هي المفتاح ، لكن بعد أن نتقن لغتنا ونعطيها الأولوية، فالبريطاني لا يتعلم اللغة الفرنسية او الإسبانية قبل أن يكون قد تمكّن من لغته.
لذلك المطلوب استقطاب الأجيال الشابه للغتنا، من خلال لفت الانتباه إلى مقوماتها وبخاصة الجمالية، وعدم التنفير منها، لا سيما وأن بعض معلمي اللغة العربية التقليديين يميلون الى التقعر والتصعيب، ظانين انهم يستعرضون عضلاتهم اللغوية ويبهرون طلبتهم بقدراتهم "الخارقة"، وهم من حيث لا يعلمون يشعلون نار النفور ويضعون حواجز منيعة بين الطالب ولغته.
فتسهيل اللغة وتبسيط استعمالاتها واللجوء إلى المفردات والألفاظ التي تتعلقبالحياة والفهم والأدب والثقافة، من شأنه أن يرغَّب ويستقطب ويشجع والعكس صحيح. وما أثار انتباهي في السنوات الأخيرة ، أن بعض الأمهات الشابات يعشن حالة خاصة من النشوة وهن يستمعن إلى أولادهن في مستوى البستان والروضة ، يرددون مفردات ومصطلحات وأغان انجليزية، للظهوربمستوى معين أمام صديقاتهن وفي وسطهن الإجتماعي. فأن يتعلم الطفل الانجليزية، ويقرأ قصيدة أو يردد أغنية بهذه اللغة ، فذلك لا يندرج في اطار الحرام أو الممنوع، بيد انه من المفروض أن يتم بعد تعلم الطفل النشيد والغناء وقبل ذلك الحديث باللغة العربية الأصلية.
فلنبدأ مع أطفالنا أولاً بلغتنا، بما فيها من جمال ومرونة وغنى وتسامح، ولنعلمهم أغانينا وقصائدنا التي تحترم الآخر وتقدره ، وتقدس التعايش في اطار التعددية، ونبعدهم عن التعصب " والأنا المضخمة"، التي تقود إلى التطرف الفكري والديني، ونستخلص العبر من اولئك الذين حرفوا النصوص ونحروا اللغة ببنادق ومدافع التعصب، التي جعلت من الآخر العربي المسلم والمسيحي عدوًا، يجباجتثاثه واقتلاعه وشطبه، جاهلين أنهم يجتثون ويشطبون مجتمعات بأسرها!!
لغتنا العربية تتسع لنا جميعا، كما اتسعت واستوعبت منذ قرون حضارات أخرى، وصمدت واستمرت في ظل استهدافها من الدول الإستعمارية،وقد أثبتت قدرتها على الاستمرار والتطور، لأن جذورها ضاربة بعمق في التاريخ البعيد البعيد.
وطن
|
|
|
|
|
|