للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

شرح مقصورة ابن دريد...كنز لغوي وشرح جامع اللغة غايته

إسماعيل مروة

تعدّ مقصورة ابن دريد من القصائد المشتهرة، بل الأولى في شعرنا العربي، وقد حظيت بعناية خاصة من اللغويين والأدباء قديماً وحديثاً، ومن كثرة شرحها صارت أماً كقواعد الإعراب والألفية المتأخرتين زمنياً عنها، وتعاقب العلماء الأجلاء على شرحها ودرسها وتفصيلها وتعليمها يدل على مكانتها العالية في الشعر واللغة. وكثير من الطلبة يضع المقصورة في غير مكانها، فهي عندهم كالألفية
وضعت لغاية تعليمية، ولكن المقصورة، وببراعة من نظامها هي قصيدة لها موضوع أو موضوعات عدة، أغلبها شعري معنوي، ومن غاياتها التعليم، فقد حوت مقصورة ابن دريد حالات المقصور في اللغة، ولذا جاءت المقصورة تحمل قيمة فنية وشعرية إضافة إلى القيمة التعليمية التي كانت غاية للنظم ولم تغب عن الناظم.
 
شرح المبارك
أصدر مجمع اللغة العربية بدمشق شرحاً جديداً لم ينشر قبل اليوم، لعضو مجمع اللغة العربية اللغوي والفقيه والشاعر عبد القادر المبارك، وقد مضى على تصنيف هذا الشرح أكثر من قرن من الزمن كما يشير التاريخ المثبت وكما كتب ابن الشارح استاذنا الدكتور مازن المبارك، وأظن أن سعي الدكتور المبارك ومعرفته بالشرح والشارح كانا وراء نشر هذا الأثر النفيس الذي اعتنى به الدكتور إبراهيم عبد الله، فحققه وخدمه كما يليق بكتاب تراثي نفيس. وبذلك أضيف شرح إلى شروح المقصورة المطبوعة، وكتاب إلى المكتبة التراثية العربية، وخاصة أن الأستاذ عبد القادر المبارك من أساتذة العربية الأجلاء في تاريخ سورية الحديث، ومن علمائها المخلصين، ويأتي نشر هذا الشرح ليحفظ تراثاً ومذهباً في العربية وتدريس والشرح.
ويذكر عضو مجمع اللغة العربية الأستاذ الدكتور مازن المبارك ابن الشارح في مقدمته عن والده بأن هذا الشرح هو أهم آثاره، فمع أنه نشر له من قبل كتابين، إلا أن هذين الكتابين مدرسيان فهما لا يرقيان إلى الشرح الذي يضع المبارك في مكانته العلمية التي يستحقها «ولا شك أن أهم آثار الشيخ المبارك هو شرحه على مقصورة ابن دريد فهي التي عني بها منذ فجر شبابه، والتي كان يحث طلابه على حفظها» وتأتي أهمية الكتاب الشرح من أن الأستاذ المبارك لم يقم به بتكليف أو لغاية درسية، وإنما قام به ونهض عن عشق للغة وإعجاب شديد بالمقصورة ومعانيها، وهو الذي حفظ الكثير من اللغة والأدب، وينقل الدكتور المبارك عن ظافر القاسمي أحد طلاب الشارح شهادة لمعايش متتلمذ «أشهد أنني كنت أختار ألفاظاً غريبة فأسأله عنها، فيجيبني رحمه الله بنص عبارة القاموس أو فقه اللغة للثعالبي، وقد عرف عنه أنه كان يحفظ فقه اللغة والألفاظ الكتابية والقاموس المحيط عن ظهر قلب.. وكان للمبارك غرامه بالمترادف يقصف به لسانه كالرعد دون توقف ولا تلعثم، فإذا اعترضه لفظة غريبة شرحها أحياناً بما هو أغرب منها وأعقبها بلفظ واضح».
 
التحقيق والشرح
من حسن الطالع أن يكلف الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الله بتحقيق هذا الشرح، فقد عاد إلى الأوراق ورتب وأصلح واستدرك بعد أن ضاعت النسخة الكاملة كما أشار الدكتور المبارك ابن الشارح، والدكتور عبد الله من النحويين المشهود لهم وبمنهجيتهم لذلك خرج الشرح من بين يديه على صورته التي وضعها الشارح، أو في أقرب صورة فقد بذل الجهد الكبير في الضبط والتوثيق دون أن يثقل النص بالحواشي ليغير من نسبة الكتاب إلى صاحبه، وقد قدم لتحقيقه أو عنايته بمقدمة مهمة تحدث فيها عن المقصورة وشروحها ليصل إلى منهجه في تحقيق هذا الشرح.
فالمقصورة ليست تعليمية فقط، بل لها غايات أخرى، فيذكر المحقق «المقصورة ضرب شعري، رويّ كل بيت فيه ألف مقصورة، وليست كل قصيدة تنتهي بمثل هذا الروي معدودة في القصائد المقصورة، ذلك لأن القصيدة المقصورة لها خصائص ليست لغيرها» ويذكر أن هذا النوع من التصنيف لم يبدأ بابن دريد، فقد سبق إليه عدد من الناظمين، لكن خاصة هذه القصيدة كما يذكر مستشهداً بشرح ابن هشام اللخمي «غير ابن دريد من المقدمين في نظم القصائد المقصورة من حيث بناؤها وإحكام نظمها وسلاسة اسلوبها وجمال سبكها ورفعة موضوعاتها إنسانية كانت أو حكماً أو أمثالاً أو مشاعر وأحاسيس، لذا نالت مقصورته شهرة واهتماماً بالغين عند أهل العلم لأنها امتازت بسهولة ألفاظها ونبل أغراضها وثقة منشئها واستفادة قارئها واشتمالها على نحو الثلث من المقصور واحتوائها على جزء من اللغة كبير» وهذا ما يفسر ورود ذكر مقصورة ابن دريد في الكثير من المصادر، والعناية بشرحها، فهي كنز للمقصور ومعجم لغوي، إضافة إلى ما فيها، والإشارة إلى المشاعر والأحاسيس مهمة، فنحن أمام قصيدة منظومة، لكن روح الشعر وإحساسه فيها، ولننظر إلى أبيات وردت في المقصورة في الحكمة والمثل:
فإن أمت فقد تناهت لذّتي
وكل شيء بلغ الحدّ انتهى
وإن أعش صاحبت دهري عالماً
بما انطوى في صرفه وما انسرى
وللفتى من ماله ما قدّمت
يداه قبل موته لاما اقتنى
ويعرض الدكتور عبد الله لشروح المقصورة حتى يصل إلى شرح المبارك ليقف عند منهج الشرح بشيء من التفصيل والنقد، ليخلص من تصريح المبارك بأن الشرح جمع إلى مزايا هذا الشرح، ومنها الاستفاضة وترك القارئ أمام خياراته، التصرف في الاختيارات والتقديم والتأخير، العناية بجمع المعاني اللغوية، التطويل والشرح، ويذكر المحقق أن الإطالة في الجزء الأول أكثر من الثاني، ويرد ذلك إلى أن الشارح أعاد النظر في الجزء الثاني.
ويقف عند مصادره ليحدد سبعة معاجم هي تاج العروس، لسان العرب، القاموس المحيط، المصباح المنير، الصحاح، النهاية في غريب الحديث، أساس البلاغة، إضافة إلى أحد عشر مصنفاً في علوم شتى، ولكن تفريغ المعجمات اللغوية هو السمة الأبرز لأن الشرح حمل الصبغة اللغوية، وكان الشارح ينقل معاني المفردات من أمهات كتب اللغة.
بدأ الكتاب بنص مقصورة ابن دريد على خلاف بعدد أبياتها ومطلعها، وأثبتها المحقق كما وردت في الشرح.
وأختار شرح مطلع المقصورة لبيان منهج الشارح، فهو أقصر الشروح ليعطي صورة عن الشرح ومنهجه.
يا ظبيةً أشبه شيء بالمها
ترعى الخزامى بين أشجار النقا
الظبية: الغزالة، والمها بالفتح، بقر الوحش، وهي التي يقال لأولادها: الجآذر، والخزامى بألف التأنيث مضموماً: عشبة طويلة العيدان، صغيرة الورد حمراء الزهر، طيبة الرائحة، لها نور كنور البنفسج، وليس في زهر البادية أطيب من نفحتها ولذلك يقال لها: خِيريُّ البر بكسر الخاء، على لفظ المنسوب إلى الخِيرْ، وهو الكرم والشرف، والنقا: الكثيب، وهو التل المجتمع من الرمل.
من هذا المثال نجد العناية باللغة وتفصيلاتها دون إعطاء مجمل المعنى، ويترك الشارح للقارئ أن يشكل فهمه.
حسناً فعل المحقق حين أثبت نص المقصورة في البداية، فقد وقع في الطبع بعض الأخطاء التي يمكن أن تشوش مثل ضياع كلمات من الأبيات عند الشرح كما في البيت 155 ص611 حيث جاء البيت بالحرف الأسود ناقصاً كلمة المقصور «العرى» كما في مقدمة المحقق، يذكر المصنفات التي اعتمدها، وعندما يذكر عمله يتابع الترقيم بدل البدء بأرقام جديدة، فجاء عمله استكمالاً للمصنفات! وهذا لا يغيب عن المهتم بقراءة مثل هذه المصنفات.
كتاب «شرح مقصورة ابن دريد» شرح عبد القادر المبارك كتاب غني لغة وأدباً، وهو إلى اللغة أقرب، ونشره إنجاز لمجمع اللغة العربية، وخوفي أن يضيع هذا الأثر لو لم يكن ابن الشارح استاذنا الدكتور مازن المبارك عضواً في المجمع الكريم، فماذا يحصل بأعمال جليلة مقاربة أو أعلى إن لم يتهيأ لها من يتابع؟!

الوطن

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية