|
|

اللهجة العامية كأحد أسلحة القضاء على العربية
أ.د. سلوى السيد حمادة
أن اللغة العربية لغة حية على أعلى مستوى فارتباطها بالقرآن الكريم كفل لها دعم جغرافي واسع المجال يتماثل في انتشار الإسلام في شتى بقاع العالم.كذلك الدعم اللغوي الذي يتمثل في وضوحها وسلامة بنيانها وإيجازها ومرونتها بالإضافة للدعم الديني إذ أنها لغة القرآن الكريم الذي تمثلت معجزته في البلاغة اللغوية.كما إن قدرة اللغة العربية على استيعاب العلوم لتوفر جميع شروط اللغة العلمية بها و كبر معجمها ومرونتها في اشتقاق المصطلحات العلمية ,عكس ما يشاع عنها من أعداءها, تدفعنا دفعاً للحفاظ عليها محافظتنا على وجودنا وكياننا. لقد حافظت اللغة العربية على دورها عبر التاريخ وفرضت نفسها كلغة عالمية تأثرت بها أغلب الدول الأجنبية واقتبست من ألفاظها . كل ذلك مرجعه لدور القدامى في المحافظة عليها بتهيئتها لمواجهة أي صراع أو هجمات أجنبية معادية. أما بالنسبة للعصر الحديث فاللغة العربية تلاقي غربة في وطنها وتعاني من محنة في عقر دارها وذلك أنها تتقلص تقلصاً ملحوظاً في المدارس والجامعات والأعلام و البيئة بشكل لا يمثل خطراً عليها وحدها ولكن على الكيان العربي كله إذ أن العرب لن يمكنهم أن يصنعوا فكرً وأبدعاً وثقافة وحضارة من دون لغتهم الأم. أن محنة العربية ليست فقط في طرق تدريسها وزحف اللغات المحلية عليها وتأخر التقاءها بالتقنيات الحديثة الهجمات الشرسة عليها من أعداءها ،التي تدعي أنها لغة أدب وليست صالحة لاحتواء العلوم وغير ذلك، بل في استسلام أبناءها وانهزامهم أمام الزحف الموجه عليهم
ومن الملاحظ بوضوح في هذه الأيام طغيان استخدام اللهجات العامية على استخدام اللغة العربية وتشجيع استخدام العاميات سواء من داخل الوطن العربي أو من خارجه ما هو إلا مخطط للقضاء على اللغة العربية لغة القرآن الكريم. إن المُشَرّع الفرنسي تدخل فور الإحساس بالخطر لسن قوانين تحفظ للغة الفرنسية مكانتها ومن أهمها قانون "لزوم الفرنسية" الذي صدر عام 1994. لقد صادق برلمان الثورة الفرنسية قبل قرنين على قانون صارم لتعميم اللغة الفرنسية تضمن مادة جزائية نصت على أن كل من يخالف هذا القانون ابتداء من وقتها ويحرر وثيقة بغير الفرنسية ، يطرد من الوظيفة ويسجن ستة أشهر. واللغة العربية ليست كأي لغة أخرى فكل اللغات لغات وطنية على مستوى الوطن أما اللغة العربية فلغة وطنية ولغة قومية -على مستوى الوطن العربي- ولغة القرآن الكريم -على مستوى البلدان الإسلامية في العالم كله- فالحفاظ عليها واجب قومي ووطني وديني.
1- الفرق بين تعلم اللغة العامية واللغات الأجنبية:
إن اللهجات العامية في عبارة عن مستوى من الأداء اللغوى دون مستوى العربية الفصحى وليست لغة أجنبية وقد عاشت إلى جانب اللغة الفصحى قرونًا عديدة في تفاعل طبيعي.
2- اللغة العربية الفصحى:
يقول كارم غنيم: اللغة العربية الفصحى هي اللغة التي تستخدم في تدوين الشعر والنثر والإنتاج الفكري والعلمي عامة، وهي تخضع لقوانين تضبطها، وتحكم عبارتها. وهي تتوخى الإيضاح والأصالة. والإعراب إحدى وسائلها إلى تحقيق هذه الغاية ، غاية الإيضاح والإفصاح عن صلات الكلمات بعضها بعض وعن نظم تكوين الجمل بالحالات المختلفة لها والبحث في الدلالات العديدة التي تحملها. أما اللغة العامية فهي لغة الحديث التي تستخدم في الشؤون العادية ،ويجري بها الحديث اليومي في البيت والسوق والشارع، وهي لا تخضع لنفس القواعد والقوانين الضابطة للعربية الفصحى لأنها تلقائية، ومتغيرة تبعا لتغير الأجيال و تغير الظروف المحيطة بهم ، ومن أبر مميزاتها خلوها من ظاهرة الإعراب.
3- ظاهرة العامية:
إذا بحثنا عن طبيعة العلاقة القائمة بين اللغة الفصحى من جهة ،واللغة العامية أو العاميات من جهة أخرى، فإننا نجدها في كل لغات العالم تقريبا علاقة قديمة تضرب جذورها في أعماق تاريخ نشأة اللغات المكتوبة. بل أن الفصحى كانت في إحدى مراحل التاريخ عبارة عن لغة عامية، تطورت نتيجة لعوامل مختلفة ،لا مجال لتفصيل الحديث عنها ،إلى لغة فصحى. من هنا لم يكن اهتمام اللغويين العرب القدماء بدراسة العامية وعلاقاتها بالفصحى يهدف إلى تدوينها كلغة قائمة بذاتها . وإنما كان من أجل تصحيحها وتقليص الفجوة بينها وبين الفصحى لكي تصبح جزءا سليما من اللغة الفصحى وليست منافسا لها. هل اللغة العامية قادرة فعلًا على الوفاء بمطالب الفكر والعلم والتكنولوجيا؟ بالطبع لا ومما أيده كل الباحثين اللغويين تقريبا أن العامية سواء في البلاد العربية أو غيرها من البلدان الأخرى لغة قاصرة جدًا في التعبير إلا في المجالات البسيطة.
يقول تركي رابح: كما أنها فقيرة فقرًا شديدًا في مفرداتها ولا يشتمل متنها على أكثر من الكلمات الضرورية للحديث العادي فقط، وهي فوق ذلك كله لتعدد أنماطها فى البلد الواحد لغة مضطربة كل الاضطراب في قواعدها، وأساليبها، ومعاني ألفاظها وتحديد وظائف الكلمات في جملها، وربط الجمل بعضها ببعض إلى غير ذلك كما أنها تخلو من المصطلحات العلمية، ومن الدقة في التعبير فى غير مجالها الحياتى وأداة هذا شأنها لا يمكن أن تقوى مطلقًا على التعبير عن المعاني الدقيقة، ولا عن حقائق العلوم والآداب والإنتاج المنظم. ولذلك فهي لا تصلح أن تكون أكثر من أداة تخاطب في الشؤون العادية. ومن ثم لا يجوز اتخاذها أداة للكتابة وما يطلب منها من أغراض لأنها لا تصلح لأن تكون لغة عامة (لاختلاف العاميات حتى في البلد الواحد).
الفرق بين تعلم اللغة العربية الفصحى وغيرها من اللغات:إن اللهجات العامية في عبارة عن مستوى من الأداء اللغوى دون مستوى العربية الفصحى وليست لغة أجنبية وقد عاشت إلى جانب اللغة الفصحى قرونًا عديدة في تفاعل طبيعي.
ولا تمثل اللغة العامية أي مشكلة في تعلمها مثل اللغة الفصحى لأن
أ. الناشئ يتعلمها في بيئتها الطبيعية.
ب. الناشئ لديه دافعية قوية وهدف واضح محدد من هذا التعلم. إنه يريد أن يشترك فيما يقوم به أقرانه من أنشطة وألعاب، وهو يراقبهم يلعبون ، منصتًا لكل ما يقولون منتهزًا الفرصة الملائمة لكي ينضم إليهم ويشعر بالانتماء لجماعتهم وهو يحاول أن يقلد عباراتهم وحركاتهم.
ت. الناشئ لديه رغبة شديدة في تعلم اللغة لأن سياق الحياة العادية حوله يساعد على سرعة تعلمها.
ث. الناشئ لديه عدد لا يحصى من المعلمين (أسرته-أصحابه-جيرانه-المدرسة).
4- الدعوة إلى العامية وأسبابها
تهدف الدعوة إلى استخدام العامية بدلاً من الفصحى وقد بدأت في العصر الحديث ببداية ظهور حركة الاستعمار الأوربي، تعنى الحركة التي كانت حقيقة لفظ الاستعمار: استخراباً اقتصادياً و حضارياً وكان ترويج لفظ الاستعمار من الأوربيين بمعنى الاعمار مجرد خدعة لا حقيقة تحته ، فقد شنت تلك الحركة حملة واسعة النطاق على اللغة العربية الفصحى باعتبارها لغة القرآن الذي هو مصدر الدين الإسلامي، وباعتبارها الرابطة التي تربط بين العرب في شتى أقطارهم وأمصارهم، ولذلك فالقضاء عليها يحقق لأعداء الأمة العربية عدة أهداف منها:-
1. القضاء علي الدين الإسلامي الذي هو مصدر القوة والمقاومة للعرب.
2. فصم عرى الوحدة القومية بين أقطار الأمة العربية ،باعتبار اللغة الفصحى العامل الأساسي في وجود الشخصية القومية وفي بقائها،حتى يمكن استعباد العرب جميعاً بعد أن تذهب قوتهم الكامنة في اتحادهم وتكاتفهم وتضامنهم تمثلاً بالقول المعروف"فرق تسد".
3. القضاء على الثقافة العربية عن طريق فصل الأجيال العربية الجديدة عن تراثهم الثقافي المدون بالحروف العربية التي يراد استبدالها أيضا بحروف لاتينية. وحدوث كارثة من عدم انتفاع معظم المتعلمين من الأجيال العربية الصاعدة من هذا التراث.
4. حدوث بلبلة فكرية ، واضطراب ثقافي واجتماعي خطير للغاية وتقليص القدرة على الإبداع.
5- كيف نفصح العامية:
أن العامية ظاهرة طبيعية في معظم لغات العالم مادامت لم تتعد حدودها وتنافس اللغة الرئيسية. عندما حاول الغرب القضاء على اللغة العربية الفصحى سعى أولا لدراستها وفهمها محاولًا البحث عن نقاط قصورها وعندما لم يجد أفحم العامية في الكتابات كوسيلة لمحاربة الفصحى. وعندما اقترحت كاتبة المقال في مؤتمرٍ للغة دراسة العامية و البحث عن نقاط القصور فيها ومن ثم تقييدها وتقليص الفجوة بينها وبين الفصحى حتى تتمكن من القيام بدورها سليما قوبلت بمعارضة وهجوم شديدين من أهل اللغة ولا تعليق.
بدأت الدعوة إلى استخدام العامية بدلًا من الفصحى في العصر الحديث ببداية ظهور حركة الاستعمار الأوربي، فقد شنت تلك الحركة حملة واسعة النطاق على اللغة العربية الفصحى باعتبارها لغة القرآن الذي هو مصدر الدين الإسلامي، وباعتبارها الرابطة التي تربط بين العرب في شتى أقطارهم وأمصارهم.
الحلول المطلوبة للرقي باللغة العامية وتقريب الفجوة بينها وبين اللغة الفصحى
تبسيط الفصحى والعودة لنشرها بين الناس عن طريق:
1. تبسيط اللغة العربية لدارسيها وتيسير النحو باستخدام الإمكانيات الحديثة.
2. نشر اللغة في وسائل الأعلام والصحف حتى تكون قريبة من الآذان والمفاهيم.
3. التركيز على استخدامها في برامج الأطفال والكتب الخاصة بهم بطريقة مشوقة حتى يألفها الطفل قبل دخول المدرسة أيضًا.
4. منع المدرسين من استخدام العامية بالمدارس وتشجيع الطلبة على استخدام الفصحى ويكشف هذا دور مدرس اللغة العربية وظلمه بالمسئولية الملقاة على عاتقه إذا إننا عندما نطالب بتأهيله لتحمل دوره يجب أن لا نتغافل عن شركائه في هذا الدور من مدرسي جميع المواد إذ أنه في رأي البحث "لا يوجد مدرس لغة عربية ولكن كل مدرس يجب أن يدرس باللغة العربية" بمعنى إنه هناك مدرس نحو وشعر وبلاغة غير أن مدرس العلوم عليه التحدث باللغة العربية بأسلوب عربي وعليه أن يحاسب طلابه على الخطأ في الأسلوب والأخطاء الإملائية والنحوية أيضًا وبهذا التكثيف يمكن للطالب أن يعي لغته الأم ويتقنها. هذا الكلام يقودنا للبحث عن كيفية تأهيل كوادر جديدة من المدرسين تستطيع فعلًا القيام بهذا الدور وإعادة تأهيل الفئة الموجودة الآن فعلًا.
5. العودة لتحفيظ القرآن الكريم والأشعار البليغة والنثر ذى القيم والمبادئ والأخلاق الفاضلة.
أما بالنسبة للحاق بالركب العالمي فيجب استغلال إمكانيات الحاسب في المواد اللغوية لخدمة اللغة كما سنوضح في لقاء آخر.
|
|
|
|
|