للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

لغتنا الجميلة وآليات التمكين

د. خالد الخاجة

لا تتوقف حدود اللغة العربية عند كونها لغة تخاطب وتواصل بين ملايين من البشر، لكنها أصل يرتبط به الفرد، كما أن مستواها وطبيعتها يعكسان حالة الشعب، وكاشفة لصلابته الثقافية، باعتبارها خط الدفاع الأول عن الثقافة، والضامن لتواصل الأجيال، وهي البصمة التي تميز الفكر.

 لذا كانت الإمارات دوماً، وهي تنفتح على العالم شرقه وغربه، حريصة على الارتكاز على ثوابت ثقافية وحضارية تحفظ لأبنائها ثقافتهم، من هنا كانت مبادرة القيادة الرشيدة لتمكين اللغة العربية. ولقد تحدثنا كثيرا عن أن الخاسر من تنحية اللغة العربية هم أهل اللغة أنفسهم، وحان الوقت للانتقال إلى مربع آخر.

ولأن سياسة الإمارات تسير في طريق التمكين، سواء للمواطن عبر الاستثمار في البشر أنفسهم والتمكين كذلك لثقافته، والتي تعد اللغة العنوان الأكبر والأول له، ولكن كيف يكون التمكين للغة العربية؟

والحق أن بداية التمكين للغة العربية يأتي من داخل كل فرد، وإيمانه بقيمة لغته، وإدراكه لأهمية الحفاظ عليها، وأن تسود بين لغات العالم، وعندما يتأصل ذلك في نفوسنا سوف ينعكس بالتبعية على الواقع من حولنا، عندما يحرص الآباء على إلحاق أبنائهم بمدرسة تحرص على تعليمهم العربية السليمة وإن درس فيها كل اللغات.

إن أولى خطوات غرس القيم الوطنية في نفوس أبنائنا وتوعيتهم بقيمة ثقافتهم وتراثهم لن يكون بمعزل عن اعتزازهم بالوعاء الذي ينقل تلك الثقافة وهي العربية، التي لن يتأتى فهم المفردات الثقافية لبيئتهم دونها. إن الاعتزاز باللغة هو بداية الطريق لتربية أبنائنا على المعاني والقيم الوطنية، لأنها مكون أساسي من مكونات الهوية الوطنية. فما أحوجنا ونحن نتنسم عبير الاحتفال باليوم الوطني الثاني والأربعين أن نتماهى مع ما تنادي به القيادة الرشيدة، ونعلن حملة تنطلق من المؤسسات الأهلية بعنوان "لغتنا هويتنا" للتأكيد على أنها التي نتميز بها عن غيرنا من الأمم.

كيف نتصور أن من يهمل لغته يدرك معنى وقيمة كلمة "وطن" ودلالتها، واستحقاقاتها من الولاء له، والزود عنه، والتضحية بكل غال من أجل عزه ورفعته، وكيف يكون البنيان الفكري لنفس تعجز عن تذوق بيت من الشعر أو تطرب لحكمة خالدة.

الحق إن التمكين للغة العربية يكون عندما تحضر اللغة العربية بقوة في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وعندما يكون شرط إجادة اللغة العربية بطلاقة يسبق إجادة اللغات الأخرى، هنا يدرك قطاع كبير من الشباب أهمية التمكين من أدوات اللغة العربية، ليس لكونها وسيلة للتواصل لكنها أداة للتفكير والإبداع، الذي لم يخبرنا التاريخ أنه كان لشعب ما بلغة غير لغته الأم؛ وكلمة الأم تعني ذلك الارتباط الحتمي بين الإنسان وأسباب وجوده، وكأن اللغة للفرد تعني الحياة، والبعد عنها يجعله غير متسق مع ذاته، وأن هناك خواء في النفس ووحشة لن يؤنسها إلا بالعودة إلى طبيعة تكوينه، والتي تمثل اللغة "الأم" أكبر عناصره.

التمكين للغة العربية يكون عندما يحرص أبناؤها على إثرائها عبر الإبداع الفكري، والإنتاج العلمي، والبحث والدراسة، وبدلاً من أن تكون مهمة أصحابها نحت مصطلحات تواكب لغة العلم أن تكون هي ذاتها لغة العلم. لذا فإن تقدم أهل اللغة في مختلف المجالات هو الطريق الصحيح للتمكين لها بين أهلها وسعي والآخرين إلى تعلمها، وتاريخ العرب خير شاهد. التمكين للغة العربية يكون عندما تجعل وسائل الإعلام من نفسها حاضنة لها، وأداة - كما كانت دوماً - لذيوعها، وتبسيطها وتنشئة الأجيال على جرسها، وتقديمها في قالب جاذب، وأن تكون المواد الإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية منصة للبيان العربي عبر مختلف الفعاليات الثقافية والفنية.

وإذا كانت سياسة الدولة التمكين للغة الضاد، لإدراك القيادة أهميتها في الحفاظ على الثوابت الوطنية، من خلال سن القوانين، وإصدار القرارات، وتوفير الإمكانات لكل الهيئات التي تهتم باللغة، وتشجيع الجهود الرامية للحفاظ عليها، فإن ذلك لن يؤتي ثماره إلا بتضافر كافة المؤسسات الأهلية والمجتمعية بداية من الأسرة؛ وهي النواة الأولى التي يتكون فيها فكر الفرد، والتي كما تقوم بدورها في توفير الاحتياجات المادية لأبنائها عليها أن تمدهم باحتياجاتهم الفكرية. ومن هنا فمن الأهمية بمكان أن يكون إنشاء مكتبة جزءاً أصيلاً من مكونات المنزل، وتشجيع الأبناء على تكوينها بأنفسهم ليشعروا بقيمة ما تحويه. ثم يأتي دور المدرسة من خلال التوقف طويلاً أمام معايير اختيار معلمي اللغة العربية، لأنهم البوابة التي يلج من خلالها الطالب إلى معرفة لغته، وهم أحد أهم أسباب إقباله وحبه لها وشغفه بها أو إدباره عنها، وبخاصة في سنواته الأولى من التعليم.

كما أن دور المدرسة يتعاظم من خلال إصدار مجلات مبسطة، يعبر فيها مختلف التلاميذ عن مواهبهم من شعر ونثر، وتكوين مجموعات للخطابة والصحافة المدرسية، كل ذلك من شأنه أن يمكن للغة العربية في نفوس أبنائنا في تلك المرحلة المبكرة من حياتهم، والتي يدوم أثرها طويلاً. تمكين اللغة العربية يكون عندما تكون حاضرة في البرامج الجامعية بتخصصاتها المختلفة كلغة أصيلة، ليس فقط لأنها اللغة الأم، بل لأنها الأغنى والأصلح والأقدر على الارتقاء بمهارات الفرد الفكرية والإبداعية دون الاكتفاء بقاعات الدرس الرسمية، ولكن لابد من مبادرات تحفيزية، مثل الورش التعليمية والدورات التدريبية والحملات غير التقليدية.

ولقد استوقفتني فكرة طلابية بالكلية تدور بعنوان "يوم بلا عامية"، تكون فيه الفصحى المبسطة هي لغة التواصل بين الأساتذة والطلاب، وبين بعضهم البعض داخل قاعات الدرس وخارجه، وبينهم وبين أصحاب اللغات الأخرى، لإزالة الوحشة القائمة بين أبنائنا وبين لغتهم الفصحى، ولو ليوم واحد، ربما يكون بداية لتعلقهم بها، وفتح نقاشات وحوارات حول أهمية التمسك بتلابيب لغتنا الجميلة.

ولن يكون ذلك بعيدا عن توفير برامج للحاسب الآلي يمكن من خلالها إظهار الجانب الجمالي للغة، سواء في الشكل أو المضمون، وبخاصة أنه النافذة الأقرب إلى أبنائنا. إن التمكين للغة العربية هو تمكين لهويتنا الوطنية، والحفاظ عليها هو الضامن للحفاظ على ثقافتنا وتراثنا، من هنا وجب النظر إلى آليات التمكين وابتكار الآليات التي تتناسب ولغة العصر، لتصبح العربية هي لغة العصر.

 


البيان

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية