|
|
|
|

لكم لغتكم و لنا.. فرنسا
أ. فتيحة بوروينة
يا... كم هو متعب بل مهدر للوقت الذهاب نحو مناقشة موضوع اللغة العربية مجددا في الجزائر، هرمنا ولم نر اللغة العربية بعد سيدة اللسان في مؤسسات الدولة الرسمية ومنابرها الدبلوماسية ومحادثات مسؤوليها مع الوافدين إليها، هرمنا وما يزال النقاش بشأن التناطح بين الضرتين التاريخيتين العربية والفرنسية مستمرا.. ما زلنا في المربع الصفر ولن نبرحه بدليل أنه بعد 52 سنة من (الإستقلال) ما يزال وزراء يعترفون علنا داخل هيئة سيادية مثل البرلمان أنه ليس بوسعهم الردّ على أسئلة "ممثلي" الشعب باللغة العربية، وإن فعلوا، كسرّوا وجهها وأبرحوه ضربا و زادوه رفسا بالأقدام !!
منذ وعيت على الكتابة الإعلامية، قبل أزيد من 20 سنة وأنا أتعاطى وغيري كثيرون جدا، المسألة اللغوية في الجزائر إن تعليقا أو تحليلا أو محاورة لأصحاب الصلة بالموضوع أو تنشيطا لندوات حول المسألة مع اللغويين والألسنيين والسياسيين والمثقفين والأدباء عامة، لا شيء من هذا كله شفع للغة العربية أن تحتل مكانتها باطمئنان دون أن تشعر بالقلق، بل العكس تماما هو الذي حصل، أي احتلال اللغة الفرنسية مساحات أوسع في حياتنا اليومية ولا أدّل على ذلك استعمالها المطلق في آخر وسائط الإتصال الحديثة (الهواتف النقالة) ولست أرى إلى حد الساعة جزائريا يرسل (أساماسا) باللغة العربية، لا شك يتحول إلى مضحكة الاصدقاء ومحل استهزائهم، والذين لا يعرفون اللغة الفرنسية يستعملون حروفها فقط لتخريج جمل بالعربية (نطقا)، إنه الإبداع الجزائري الخالص في مجال اللغة.. (الشرابية) !!
وعاد موضوع (اللغتان الضرتان) مجددا الأسبوع الماضي بعد تعرض اللغة العربية لـ"الرفس" على لسان وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط وقبلها وزيرة البريد والمواصلات زهرة دردوري، وهاتان الوزيرتان لم تتحرجا في العودة مجددا إلى لغتهما الأم الفرنسية لأنهما فشلتا في نطق كلمتين متتابعتين صحيحتين باللغة العربية !! هما تسيران على خطى مسؤولهما المباشر، رئيس الجهاز التنفيذي عبد المالك سلال الذي برز قبلهما باحترافه الكبير في (رفس) اللغة العربية بل صار شخصية العام 2014 بـ "فقاقيره"، هل يمكن أن يحدث هذا في فرنسا نفسها التي يتشبّت هؤلاء بتلابيب كل ما يمت بصلة بها، أي عذر لهؤلاء؟ وهل يمكن عذرهم ؟ وسفيرا مثل سفير الولايات المتحدة الأمريكية الذي رحل وتلك التي حّلت محله حديثا، يتكلمان العربية أفضل بكثير ممن ترعى اليوم قطاعا سياديا كاملا للتربية والتعليم، وتعجز عن التفوّه بعربية سليمة يعاقب عليها تلميذ في الصف الإبتدائي بجرّة قلم منها !!!
والواقع أننا نحن من يصّر على تجريم هؤلاء لأننا نعتقد أنهم يحاربون اللغة العربية ويكسرّون عظامها ويشوّهون وجهها، المصيبة أن هؤلاء ليسوا (يسمعون) بها البتة، ولا يعلّمونها أطفالهم، أولئك، لا يدخلون المدارس التي يدخلها أطفالنا، ولا المقاهي ولا النوادي ولا قاعات الرياضة التي يرتادها أطفالنا، ولهذا السبب هم يستلهمون من الآية الكريمة "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" ليقولوا لنا : "لكم لغتكم.. ولنا لغتنا" أو بتعبير دقيق هم يقولون : "لكم لغتكم.. ولنا فرنسا"، ففرنسا ستظل الأم والملجأ في السراء والضراء لمسؤولي الجزائر النافدين وموظفيها السامين، هم يتكلمون لغتها ويصّرون على فعل ذلك ويورّثون ذلك لأبنائهم لأن فرنسا هي منتجع نهاية الخدمة لهؤلاء، بل هي الخلاص من شعب "غبّي" يتكلم (عربية) ينظر إليها هؤلاء على أنها سبب تخلّف البلاد وسبب أمراضها وإرهابها !!
ما زلت أشعر أنني أهدر الوقت في الحديث عن اللغة العربية في الجزائر.. اعذريني سيدتي.. ما عاد الكلام ينفع.. لأن الحاصل اليوم أن التعلّق باللغة الفرنسية لم يعد حكرا على النافذين أعلى هرم الدولة بل صار أمرا مشاعا بين العامة، وبات الجزائريون اليوم أكثر اقتناعا أنه لكي يظفر أطفالهم في بلدهم بوظيفة وقبلها بالاحترام عليهم بلغة فولتير. تعود فرنسا للجزائر كما لم تحلم به يوما، وإن لم تغادرها يوما، لم تَخِب استشرافات جنرالاتها وقساوستها ومنظريها و كاردينالاتها، قالوا سيعودون من (نوافذ) الإدارات دون الحاجة إلى الدبابات !! ويكفي أن أهم معايير الإستوزار في الجزائر أن تحبّ الفرنسية قلبا وقالبا، وتعاقب على أي إخلال برونقها أو مساس بحروفها ونحوها وقواعدها اللغوية مقابل (إجازة التنكيت) بالذين ينكّلون بالعربية !!
الحدث الجزائري
|
|
|
|
|
|