|
|
|
|

الصحافة فصاحة
أ. آيات عبد الباقى
”الصحافة ” و”الفصاحة”.. قد تكون الحروف أول ما يجمع الكلمتين تحت لواء التشابه، ولكن هل يجمعهما شيء آخر؟؟، هذا هو اعتقادي وما أؤمن به منذ الصغر، مذ أن كنت استضيف نفسي أمام المرآة واسألني عن رأيي في موضوع ما؛ بل وأجيد التعبير عما بداخلي وتحليل الوضع والأحداث ولم أتخيل يوما أنني من الممكن أن أقف أمام شخص آخر غير نفسي تحت مسمى الصحافة لما سمعته عن الوساطة والشهادات الإعلامية المترامية داخل الأدراج المغلقة التي كساها التراب ثياب التجاهل.
وقتها وأنا ابنة اللغة العربية، تمعنت النظر في مقالات عمالقة الصحافة فوجدت فيها فصاحة اللفظ وشمول المعنى وبراعة الكلمات مع وضوح الهدف من المقال، وأخذت أحلم -ومازلت- بإتقان اللغة العربية ومترادفاتها والنحو الرائع الذي يكرهه القاصي والداني ظلما وعدوانا، وكنت محظوظة يوم أن دخلت الجامعة في قسم اللغة العربية أيضا، فازداد حبي لها وازداد حلمي بالصحافة معها، وتعلمت بالفطرة مسالك الصحافة ودروبها المختلفة.
وحين أزِف وقت العمل في “السلك الصحفي”، بفضل من الله تعالى، تذوقت ما قرعه السابقين في المهنة من كؤوس البحث عن المصاعب والجري وراء الحقيقة و”المرمطة” و “تلميع المصادر”، وتبين لي أن الذي لا يمتلك لغته العربية في هذا المجال يظل طوال الوقت مملوك لدى غيره ومقيد بالعجز عن الاستقلالية والإبداع.
فحينما تقابل “مصدرا” فأنت أمام شخص ينتظر منك حسن التعبير وإيجاز المعنى بشكل مباشر وواضح، وبعد الانتهاء من اللقاء تجلس أمام نفسك تفرغ الكلمات بأسلوبك القوي دون أخطاء تنهك “الديسك” أو تجعل مادتك ضعيفة، وتشعر بعد النشر أنك أنجزت عملا ناجحا بمعنى الكلمة ولم ترتكن فيه إلى أشخاص آخرين يحققوا لك نجاحك ،،، بل أنت من صنع النجاح.
تناقضت تلك الصورة الجميلة مع واقع ضحل اعتمدت فيه كليات الإعلام على تدريس ماهو بعيد عن الميدان، بعيد عن مهارات الكتابة والتفريغ، بعيد عن طرق البحث عن الانفرادات، وهذا ما أكده أساتذة الإعلام أنفسهم دون زعم مني، وتنتهي الدراسة بمشروع تخرج يضطر فيه الطلاب إلى الاستعانة بـ”ديسك محترف” يضع لهم اللمسات النهائية الرائعة ويجعل مادتهم متميزة سليمة قوية، رغم أنهم بعد خطوات من تسليم هذا المشروع سيكونون “إعلاميين وصحفيين” ولم يتعدى معظمهم خط المنتصف لامتلاك مهارات المهنة فعليا، وتعلموا نصف العلوم تاركين النصف الأهم وهو اللغة وإجادة التعبير.
ومنذ أن تم تهميش إتقان اللغة الغربية لدى الصحفيين، بدأت المؤسسات في امتلاكهم وتسخيرهم بهدف التدريب واهانتم في كثير من الأوقات لسوء أسلوب كتابتهم، حتى وإن كانت المادة ذاتها قوية وانفرادية.
لذلك تملك اللغة العربية هدف سامٍ لكل من يرغب في النجاح داخل المهنة، مهما كان اختصاصك أو مجالك الصحفي حتى وإن كنت مترجما فأنت في حاجة ماسة للعربية وعلومها، كي تستطيع الإبداع وكسب ثقة المصادر ورؤساء العمل والتفوق والحصول على التقدير المعنوي - وإن استطعت الحصول على التقدير المادي فياحبذا- ، وكي ترقى أنت شخصيا لوظيفة رئيس قسم تحسن إدارته وإخراج مواده بلا أخطاء وسد العجز إن حدث أمر مفاجئ ليس في الحسبان داخل مؤسستك.
محيط
|
|
|
|
|
|