للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

اللغة العربية والذات

د. عبدالله السويجي

لن أسهب في الحديث عن اللغة العربية وجمالياتها وشجن إيقاعها وثراء مفرداتها، ومستوى الإبداع الذي كُتب بحروفها بماء الذهب، ولن أتحدث عن تاريخها وعلاقتها بديننا وتديننا ومعرفتنا لأصول التعامل بين بعضنا بعضاً، لأن من لم يختبر هذه اللغة العظيمة لن يكتشف أسرارها، ومن لم يحاول إجادتها لن يجيد التعرف إلى بلاغتها وسحرها، ولهذا فإن الإقبال عليها يكون طوعياً وبمحض الإرادة، ولكن أود أن أقول جملة واحدة هي أن من لم يتمكن من إجادة اللغة العربية من الناطقين بها يكون قد خسر ثروة كبيرة، وحُرم من تذوق نسبة كبيرة من جماليات الثقافة والعلوم والإبداع، ناهيك عن أنه سيعاني خللاً في الانتماء، لن يشعر به إلا حين يجد نفسه مغترباً عن نفسه، لا يستطيع التعرف إلى ذاته وهويته ودينه الحقيقي، فالمسلم من دون اللغة العربية سيظل في حاجة إلى ما يكمله .
في التاسع عشر من الشهر الماضي نشرت الصحف بعض ما جاء في تقرير للجنة التربية والتعليم في المجلس الوطني الذي حمل عنوان "تهميش اللغة العربية"، وهو عنوان يعكس الحرقة والأسى، وكأن التهميش حدث بفعل فاعل، أو كأن اللغة العربية تتعرض للاعتداء من قبل أبنائها، وضمن مستوى من مستويات الفهم والتأويل، فإن هذا الكلام فيه جانب كبير من الصحة والصدق، لاسيّما ونحن نرى الأجيال الصاعدة تقبل على لغات أجنبية عديدة وتتجاهل لغتها الأم، ونرى أولياء الأمور يشجعون أبناءهم ويدفعونهم دفعاً لتعلم اللغات الأجنبية، أو السفر إلى بلاد أجنبية لمواصلة الدراسة بعد الحصول على الثانوية العامة، وهي ظاهرة لم تعد خافية أو سراً على أحد، حتى إن المدارس التي تقدم التعليم باللغات الأجنبية في ازدياد، وكذلك وسائل الإعلام المرئية والمسموعة بدأت منذ فترة استخدام اللهجات المحلية الممزوجة بمفردات أجنبية، إما إنجليزية أو فرنسية .
وجاء في التقرير أن عدد المدارس التي تقوم بتدريس المنهج الأمريكي والبريطاني بلغ 135 مدرسة، والمنهج الهندي 100 مدرسة، في حين تعتمد 53 مدرسة على مناهج خاصة . وأشارت اللجنة إلى أنه "وفق منهج الاستقصاء البرلماني التحليلي، فقد تراجع حضور اللغة العربية في المكتب والمدرسة والجامعة والإعلام والمواقع الإلكترونية، إضافة إلى تراجع استخدامها في المعارف الحديثة، وتنازل المواطن طوعاً عن استخدام لغته الوطنية في تعامله مع الأجانب والمؤسسات واستبدالها باللغات الأجنبية" .
وأمام هذه الظاهرة المؤذية والخطيرة، أوصت اللجنة "باستراتيجية توحد الجهود والمبادرات المختلفة الخاصة بحماية اللغة العربية على مستوى الدولة، على أن تنفذ برامجها وفق برامج عمل محددة زمنياً . كما أوصت بإصدار قانون اتحادي لحماية اللغة العربية وتعزيزها، من خلال إلزام كل المؤسسات الاتحادية والمحلية والخاصة باستعمالها تحدثاً وكتابة، والالتزام بتفعيل النصوص الدستورية والقرارات الوزارية ذات الصلة بشأن اعتماد اللغة العربية في كافة الأنشطة والمعاملات" . كما تضمنت توصيات اللجنة زيادة الدعم المالي الحكومي لمؤسسات وجمعيات النفع العام والمبادرات الوطنية الخاصة بتعزيز وحماية اللغة العربية، باعتبارها العمود الفقري للهوية الوطنية، وتعزيز تدريسها كلغة أولى في جميع مؤسسات التعليم العالي بالدولة، إضافة إلى دعم وتنمية مبادرات التوعية بأهمية اللغة العربية، والمحافظة عليها في مواقع الشبكات الاجتماعية وفي مقدمتها ال"فيس بوك" و"تويتر" .
ولم تغفل اللجنة في توصياتها عن التوصية بالاهتمام بطرق التدريس في التعليم العام والتعليم العالي، وقالت إنه "يجب على وزارة التربية والتعليم تطوير أساليب ومهارات تعلم اللغة العربية، وبناء قدرات مدرّسي اللغة العربية في المدارس الحكومية والخاصة" لأن اللجنة لاحظت تراجع اللغة العربية في مؤسسات التعليم في الدولة، مشيرة إلى ضعف الاهتمام بتطوير كفاءة مدرسي اللغة العربية وتحسين ظروفهم الوظيفية والمهنية .
لقد عُقدت في السابق مؤتمرات كثيرة وندوات أكثر، وكُتبت مقالات بالعشرات مطالبة بالاهتمام باللغة العربية وإنقاذها من التهميش، والبعض أشار إلى أنه لو استمر انحدار اللغة العربي فإنها ستتحول إلى لغة غير حية، مقابل صعود اللغات الأخرى والاهتمام بها ونشرها وانتشارها . كما صدرت توجيهات من حكومة الإمارات بضرورة المحافظة على اللغة العربية واستخدامها في كل المعاملات الرسمية .
ويبدو أن الاتجاه المضاد لهذه المؤتمرات والندوات والتوجهات أقوى من توجه الاهتمام باللغة العربية، ويبدو أن السبب الرئيسي وراء ذلك يتعلق بأمور ثلاثة:
* أولاً: الدور السلبي الذي تمارسه وسائل الإعلام على مختلف أنواعها، حتى المقروءة منها، من حيث الاعتماد على اللهجة في البرامج الحوارية والجماهيرية، معتقدين أنها أسرع وأسهل في الوصول إلى شرائح واسعة من الناس، بل إن بعض الكتّاب لا يتردد في كتابة عمود أو زاوية أو مقالة باللهجة المحلية، استعراضاً أو تفذلكاً أو عجزاً، لست أدري ما هو السبب، ولكن هذه الممارسة هي خاطئة في النهاية، والتبرير الوحيد لاستخدام اللهجات في الكتابة يكون في بعض مواضع الكتابات الإبداعية، كالرواية والقصة، أما بالنسبة للشعر فمعروف أن هناك شعراً شعبياً وشعراً فصيحاً، وهناك من يكتب النوعين .
* ثانياً: الدور السلبي للأهل الذين يشجعون أبناءهم للالتحاق بالمدارس ذات المناهج غير العربية، وفي هذا قد يثور جدل، ولا بد من التأكيد أن التعليم باللغات الأجنبية ليس ذميمة أو شتيمة أو سلبياً، ولكن تركيز جهد الطالب كله على لغة التعلم، ونسيان لغته الأم هو الذي يشكل خطرا على ثقافته وسلوكه وحتى مستقبله الشخصي والمهني .
* ثالثاً: وكما جاء في تقرير لجنة التربية التابعة للمجلس الوطني الاتحادي، فإن طرق تدريس اللغة العربية، والمناهج والنصوص المختارة لا تشكل عامل جذب، بل على العكس أصبحت تشكل عوامل طاردة ومنفرة للطلاب، خاصة إذا اقترن ذلك بشخصية مدرس اللغة العربية، الذي غالبا ما يكون محافظا ويرفض التجديد .
لا أحد يستطيع أن يجبر أحداً على أن يكون ذاته، ولكن كلنا نتفق على أن عدم إتقان اللغة العربية للعربي سيبقي هذه الذات غير مكتملة، وإدراك هذه المسألة لن يتم في عمر مبكّر، حيث الشباب الحالي يطرب لاستخدامه اللغات الأجنبية، ولكن سيُدرك الأمر في وقت النضوج، حين تكتمل الشخصية ويشعر صاحبها أنها غير مكتملة، وقد لا يدري السبب في البداية، لكنه سيدرك أن اللغة الأم، بما تمثله من ثقافة وتراث وملامح مميزة للشخصية، هي التي تنقص الذات كي تكتمل .

الخليج

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية