|
|

في اليوم العالمي للغة العربية
أ.د أحمد مقبل المنصوري
في اليوم العالمي للغة العربية:
(وقفة على هامش مقولة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب: " تعلموا العربية فإنها تنبت العقل وتزيد في المروءة " )
وأريد الوقوف - بالضبط - أمام عبارته (( وتزيد في المروءة)) التي تدل دلالة واضحة على أنّ من يتعمق منا في اللغة العربية، ويتوسع في علومها جميعاً: الشعر وجماليات نصوصه ، والبلاغة وفروعها وروعة شواهدها،والعروض وشواهده، والنحو وشواهده، والنثر وفنونه .... كل ذلك يغيّر من نمط تفكيرنا وأحاسيسنا ومشاعرنا، ويسمو بأخلاقياتنا، وتعاملنا مع الأخرين ؛ فلرب... بيتٍ من الشعر نحفظه ،ونتذوق معناه، ونتشرب دلالته فيصبح دستورا حياتيا لا نحيد عنه دون أن نشعر ؛ فمن منا -مثلاً - يستسيغ أن يغدر بالآخرين،بعد أن يعلم من منطوق بيت من الشعر أن الوفاء سجية الأحرار، ثم يكرره كل حين تتبدى أمام عينيه مواقف للغدر فيشمئز منها قائلاً :
ثبتت على حفظ العهود قلوبنا *** إنّ الوفاء سجية الأحرارِ
ومن منا يستسيغ الإهانة لنفسه حين لا يسمو بها في مواقف تقلل من مكانتها ، وهو يعلم من قول الشاعر أن عديم الإحساس هو كالميت الذي لا يحس بألم الجرح:من يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ
ومن منا من لا يفضل العزة مع الجوع على المذلة في متابعة فتات الأمور، ومزاحمة البائسين عليها وهو يحفظ ويردد قول الشاعر :
تموت الأسد في الغابات جوعا*** ولحم الضأن تأكله الكلابُ
ومن منا مثلاً لا يشعر بنشوة السخاء والبطولة والنجدة والشموخ والكبرياء والوفاء في الحب والإخلاص من خلال حفظ أبيات من الشعر تمجد كل تلك المعاني وقد تشربها في نفسه وروحه وعقله وصار مؤمنا بفحواها إيمانا لا شك فيه !!
إنّ الأمثلة كثيرة جداً في هذا الباب، لكن حسب الأمثلة السابقة أن تؤكد أنّ من يتعمّق في العربية وعلومها يجد نفسه قد اكتسب منها أخلاقيات نادرة جداً تغيب عن غير المختصين بها، وعن غير المتعمقين فيها .
إنها بالفعل - كما قال الخليفة الراشد - تزيد في المروءة ؛ أي تغرس فينا المثل والأخلاق والفضيلة، وتنير لنا طرائق التعامل مع الناس : من أصدقاء وأحباب وأقارب وأباعد ...إلخ.
ولا شك أن للأصدقاء - هنا- محفوظات كثيرة من الشعر والأدب عامة تُلقي بظلالها على أرواحهم فيعرفون - كما عرفت - أن مقولة الخليفة الراشد عظيمة ودقيقة، وتستحق مثل هذه الوقفة لتميّزها من بين مقولات كثيرة امتدحت لغتنا العربية ..
|
|
|
|
|