|
|
|
|

بيت العرب
أ. مريم الساعدي
لا أعرف لماذا في اليوم العالمي للّغة العربية أتذكر القضية الفلسطينية. وكل أولئك الرجال والنساء الملتحفين برد المخيمات والملاجئ والمحاصرين في أسوار إسمنيتة لا تُبقي من إنسانيتهم إلا مشهد الألم الذي لا يقوى غير إنسان ذاق طعم الضيم المرّ المرير أن يرسمه على ملامحه. لماذا تذكرني أي احتفالية باللغة العربية بفلسطين كمن يتذكر مسلسل عربي قديم اشتاق إليه في خضمّ الدراما العربية الحديثة القائمة على تسارع المَشاهد، بحيث يخرج المتفرج مقطوع الأنفاس منعدم الفهم فالقصد أن يرى حتى يتعب فينام.
ربما لأن اللغة هي بيت، وبما أن الشيء بضده يتضح فأتذكر من لا بيت له من أهل هذه اللغة. وإذا بالشيخ الفلسطيني الملتفع بكوفيّته الشهيرة يتربع على عتبة خيمة ينتظر فَرَجاً لا يأتي، وعجوز ابيضت عيناها تقبض كفّها على مفتاحٍ صدءٍ في انتظار عودة لا تحصل. وأطفال يركضون حفاة ولا يعرفون أن في الحياة ألعاباً كثيرة وحلوى من كل صنف ولون، وغرفة خاصة لكل طفل يرسم على جدرانها أحلامه، لا يعرفون أنّ من حقهم جدار غير الذي يقف أمامهم في وجه العالم وكأنه نهاية الدنيا. في يوم اللغة العربية، أتذكر فلسطين بعد أن صارت جملة مبنية للمجهول تخاطب ضمير غائب، فما تلاها جعلها قصة قديمة مكررة مثل أغنية سمعناها كثيراً وحفظنا كلماتها وأصبح من يرددها متخلفاً لا يواكب التطور؛ والتطور صار في اللغة «افتكاسات» نتيجة خيبات وانتكاسات متتالية متراكمة؛ مفردات هجينة امتطاها جيل يائس لعلّه يخرج على ظهرها من هوّة البؤس والفقر والقهر والاضطهاد والآمال المقتولة والأبواب المغلقة، جيل سئم من النحو والصرف والفصحى واللغة بكل حمولاتها المعنوية وراح يبحث عن ملجأ في ثغرة صغيرة يحفرها في الهواء بحثاً عن فرصة حياة ليفرح ولو بشكل وهمي ملفوف في سيجارة يدخنها فيشعر، وهو محاط ببؤسه وفقره وجوعه وهزاله، بأنه مَلِكُ العالم. جيل مهزوم مغبون تفرق في المنافي وأصقاع الأرض بحثاً عن بيت يعود إليه في المساء فيجده دافئاً ونظيفاً وآمناً وضاجاً بأطفال يخبرونه قصص اليوم وخطط الغد؛ حلمٌ صار للكثيرين قصة خيالية يرددونها ويضحكون على سذاجة الأمل وهم يبحثون لهم عن موقع من الإعراب في عالم بعيد عن أرض «كان» وأخواتها.
الاتحاد
|
|
|
|
|
|