|
|
|
|

العربية الحاضر الغائب في مخاطبات المؤسسات والمستشفيات
د. محمد سيد أحمد
طالب مواطنون ومهتمون بجعل اللغة العربية الفصيحة هي لغة المخاطبات الرسمية في كل المؤسسات الرسمية والحكومية وحتى المؤسسات الخاصة، ونوهوا إلى أن كل دول العالم تفتخر بلغتها الأم ولا ترضى لها بديلا، فإذا ذهبت لألمانيا مثلا تجد الناس يرفضون الحديث إلا بالألمانية، ويطلبون من المهاجرين والقادمين والسياح والزوار تعلم الألمانية ما داموا يريدون العيش بألمانيا.. فما بال أبناء العربية يجعلون من لغات أخرى لغة للتخاطب الرسمي في المؤسسات الحكومية والخاصة، وأين حق لغة الضاد في بلادها؟ من ينصفها؟ وما هو الحل؟
ولا تزال اللغة العربية تصارع من أجل البقاء في معظم البلدان العربية عموما، وبالدول الخليجية خصوصا بسبب اختلال التوازن السكاني الذي يشكل ضغطا هائلا على اللغة العربية، ويجعلها تسير القهقرى مفسحة المجال أمام لغات أجنبية يفضل الأجانب التخاطب بها وهم يعملون بدول الخليج العربي، ما جعل الغيورين على لغة الضاد -لغة البلاد الرسمية- يدقون ناقوس الخطر باستمرار ويحذِّرون من أن الوقت ينفد أمام المهتمين باللغة الرسمية للبلاد كي يعيدوا إليها جزءا من الاهتمام الذي فقدته بسبب عوامل عدة لعل أهمها عقدة الأجنبي التي عمت بها البلوى حتى بات من يتحدث اللغة العربية الفصحى في قطر غريب الوجه واليد واللسان كما قال المتنبي ذات يوم.
كيف لا وخطابات معظم الدوائرالرسمية وحتى المستشفيات والبنوك تتم باللغة الإنجليزية إرضاء للوافدين، في الوقت الذي يقف فيه المواطن مشدوها عندما يدخل إلى إحدى الدوائر الرسمية أو الخاصة، أو إحدى المستشفيات أو الجهات الخدمية التي أنشئت لخدمته ليفاجأ بأنه يدور في حلقة مفرغة لا يدري هل هو في دولته التي من المفترض أن تقرب له الخدمات بشكل سلس أم أنه في دولة من الدول الأنلكوسكسونية؟ والدليل على أن اللغة العربية باتت في ذيل اهتمامات المسؤولين في البلدان العربية مرت ذكرى اليوم العالمي للغة العربية مرور الكرام ولم يهتم بها أحد باستثناء ذكر خافت على بعض صفحات التواصل الاجتماعي.
اللغة العربية تحتاج إلى أيام وليس يوماً واحداً
لا يمكن لأمة أن تصنع تاريخاً أو حضارة وهي تتنكر للغتها الأصلية التي تعتبر إحدى أسرع لغات العالم انتشارا حسب بعض الإحصائيات، بهذه الكلمات عبّر المشرف الطلابي بمدرسة أحمد بن حنبل الثانوية «ياسر البلوشي» عن امتعاضه من الوضع الذي آلت إليه لغة العرب في بلاد العرب وأضاف: بعد مرور اليوم العالمي للغة العربية لا بد أن نؤكد على أن لغتنا العربية باتت تحتاج إلى أيام كثيرة وليس يوما واحدا، فنحن للأسف انحنينا لعاصفة اللغات الأجنبية وفرطنا في لغتنا التي هي لغة الحضارة العربية، وولي أمر يحزنني أن أعترف بما شاهدتها على مستوى أبنائي، فأنت تجد الطفل الذي لا يزال يدرس في الصف الثالث أو الرابع من الابتدائي يتكلم اللغة الإنجليزية بطلاقة في الوقت الذي لا يحسن الكلام بلغته العربية التي من المفترضة أن تكون لغته الأم.
وحتى أكون متوازنا –يضيف البلوشي- فأنا لا أعترض على تعلم اللغات الأجنبية فهي عامل إثراء ثقافي، وإنما اعتراضي على أن نهمل لغتنا ونضع أمام دارسيها كل الحواجز في المستقبل، ونوهم الطلاب وأولياء أمورهم أن أبناءهم إذا لم يجيدوا اللغة الأجنبية فلن يحصلوا مثلا على منح دراسية، وإن تخرجوا من جامعاتنا العربية لن يكونوا على مستوى المنافسة للحصول على وظائف مقارنة مع من يجيدون اللغة الإنجليزية، هذا هو محل اعتراضي وهو بالفعل يعبر عن مسخ حضاري ممنهج يفرض علينا كأمة وكشعوب عربية ويجب أن نصحح هذا الخلل والخطأ بحيث نقيم أياماً كل شهر أو شهرين للغة العربية ندعو فيه خبراء في اللغة العربية أن يقدموا لنا الحلول لهذه المشكلة التي أعتبرها أزمة حضارية، فبدون اعتزازنا بلغتنا لا يمكن أن نحتفظ على هويتنا، وكمثال آخر على تجاهلنا للغة العربية يكفي أن يزور المواطن إحدى المستشفيات الخاصة، أو يلجأ إلى جهة خدمية، فإنه لن يستطيع تخليص معاملته ما لم يجد من يتبرع عليه ويترجم له، وهذا خلل رهيب في تركيبة ثقافتنا ويجب على الجهات الرسمية أن تتضافر جهودها لإعادة الاهتمام بلغتنا الرسمية التي حددها الدستور، ولغة ديننا وحضارتنا.
أي مسؤول يستبعد اللغة العربية فهو آثم
بدوره حذّر الداعية الشيخ عبدالله السادة من أن أي مسؤول في إحدى دوائر الدولة يستبعد اللغة العربية من قائمة خطاباته الرسمية ويضع بدلها لغة أجنبية فإنه يأثم بهذا الفعل المنافي للدين والعادات والتقاليد ولدستور البلاد وتوجهها وتاريخها، وأضاف: بداية على سكان دولة قطر وعلى المواطنين والمسؤولين فيها أن يعوا أن اللغة العربية هي لغة الإسلام ولغة الدين قبل أن تكون لغة حضارة وهوية، فمن يريد أن يتفقه في الدين أو يصلي أو يعرف كتاب الله تعالى لا بد له أن يتعلم اللغة العربية، هذا بالنسبة لغير الناطقين بها من المسلمين، أما أن يكون أبناء العرب وأبناء الشعب القطري العربي يجهلون لغتهم ويفضلون عليها لغات أجنبية أخرى فهذا هو الهوان بعينه، وإذا ثبت أن المكاتبات الرسمية في الدولة تتم باللغة الانجليزية فإنني أطالب المسؤولين في الدوائر الرسمية بتصحيح هذا الخطأ الجسيم في حق تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا وفي حق ديننا، وأي مسؤول يستبدل اللغة العربية في مخاطباته الرسمية بلغة أخرى عليه أن يعي أنه يأثم بهذا الفعل وعليه أن يتقي الله وأن لا يكون معول هدم للغة ديننا الحنيف التي كانت وما تزال لغة الحضارة والعلم.
واستغرب السادة ممن يقولون: إن اللغة العربية ليست لغة علوم وأن المصطلحات الطبية لا يمكن أن تتم بها في الوقت الذي رأينا بعض الدول العربية التي قامت بتعريب العلوم الطبية في جامعاتها ونجحت في ذلك وكانت من أفضل الدول العربية في مجال الطب، لذا لا يمكن أن يدخل المواطن إلى مستشفى في قطر مملوك للدولة أو لرجل أعمال قطري ولا يجد هذا المواطن من يتكلم لغته، ولتصحيح هذا الخلل الخطير، على الجهات المسؤولة أن تقوم بإنشاء معاهد تقوم بتدريس اللغة العربية المبسطة للعاملين في القطاعات العامة والخاصة من الوافدين، وأن يصاف شرط التخرج من معاهد اللغة العربية تلك إلى قائمة الشروط التي يتطلبها شغل وظيفة مهما كانت، بهذا نستطيع المحافظة على لغتنا وهويتنا الحضارية التي باتت مهددة بعدة عوامل من أهمها الخلل الواضح في التركيبة السكانية، وعقدة الأجنبي المسيطرة على عقول نخبتنا المثقفة.
علينا أن نتخلص من عقدة الأجنبي
من جهته طالب خالد عبدالعزيز الكربي بالتخلص من عقدة الأجنبي المسيطرة على عقول بعض النخبة، لأنها هي الوحيدة القادرة على تغيير هذا الوضع الذي آلت إليه اللغة العربية في مهد عزها، وتساءل: إذا كان هذا حال لغتنا العربية في قطر فكيف يكون حالها في الدول الأخرى، وكيف نطالب العالم الآخر باحترام لغتنا، مما لا شك فيه أن العالم الآخر بات أكثر اهتماما بلغتنا من أبناء الأمة العربية، ففي دول العالم المختلفة باتت تدرس اللغة العربية وتلقى اهتماما أكثر نظرا لأنها لغة الدين الإسلامي الذي بلغ عدد أتباعه أكثر من مليار مسلم، كما أن الدول العظمى تسابقت في العقدين الأخيرين إلى إنشاء قنوات تلفزيونية ناطقة باللغة العربية وإذاعات تبث عبر الأثير هناك لفهم معاني وأسرار هذه اللغة، في الوقت الذي تتشدق نخبتنا العربية بلغات الآخرين وتجهل تماما أبسط قواعد اللغة العربية، ولإعادة الحق إلى نصابه علينا أن نبدأ من الأساس، أي من مراحل التعليم المبكرة حتى نضمن أن أبناءنا يعرفون لغتهم ويتكلمون بها أكثر مما يتقنون اللغات الأجنبية.
العَرب
|
|
|
|
|
|