|
|
|
|

جناية الجامعات على اللغة العربية
أ.د. نجاح أحمد الظهار
هل آن الأوان لإغلاق أقسام اللغة العربية في جامعاتنا؟ هذا السؤال أخذ يُلحُّ عَلَيَّ وأنا أرى مستويات طالبات البكالوريوس في انحدار عجيب، وضعف تام في القراءة والكتابة. ولعل خير مثال على ذلك، ما وجدته من طالبات تخرجن في قسم اللغة العربية، إذ كتبت إحداهن اسم القسم خطأ على ورقة الإجابة، فكان كالتالي:(اللغة العربية)،حيث ظننت بدءًا أنه خطأ ناتج عن السرعة أو من ارتباك الطالبة، لكن ما إن شرعت في تصحيح الورقة حتى أُصبت بصدمة عنيفة من جرَّاء الكم الهائل من الأخطاء الإملائية التي لا يجدر أن تصدر من طالبة في المرحلة الابتدائية.
عاودتُ قراءة الإجابة مرات عديدة لعلني أستطيع اصطياد الإجابة من بين الحروف المبعثرة والأخطاء المتراكمة، ثم شرعت أنتقل من ورقة إلى أخرى وذهولي في ازدياد من كثرة الأخطاء الإملائية والنحوية، مع عدم قدرة الطالبات على صياغة الفكرة وإيصالها إلى القارئ. فالإجابات كأنَّها جمل متقاطعة، لم أرها في طالبات معهد اللغة العربية حين كنت أعمل به في جامعة أم القرى، إضافة إلى سوء الخط الذي يحتاج إلى خبيرٍ بارعٍ في فك تلك الطلاسم، حتى الإجابات كانت تُفصح عن أنَّ الطالبات لا يملكن أدنى مهارات الاستذكار.
حدث هذا التغيير في غضون خمس أو ست سنوات تقريبًا، هي المدة التي تفرَّغت فيها لتدريس طالبات الدراسات العليا، وليس معنى هذا أنَّ جميع الطالبات كنَّ على مستوى عالٍ ولا يوجد بينهن من تخطيء في الكتابة والتعبير، لكن كانت هناك نسبة جيدة منهن تشجعك على الاستمرار في العطاء، وتخفف من صدمة العُجمة التي أصابت ألسنة أبنائنا الذين ينتمون إلى قبائل عربية كانت منارًا للغة العربية الفصيحة.
أسئلة كثيرة تزاحمت في ذهني عن أسباب هذه العُجمة، وعلى رأسها سؤال عريض: أليس هؤلاء الطالبات هنَّ من اجتزن امتحانات التحصيلي والقدرات، وكان من المفترض أن يمثلن النخبة وأن يحققن نجاحاً مميزًا؟
أليس هؤلاء هن الطالبات اللواتي خضعن للأساليب التعليمية الحديثة، التي تهزأ وتحتقر أسلوب الحفظ وتُعده حشواً للأذهان؟.
رحم الله أيام الحفظ والأساليب التعليمية القديمة التي أنجبت العلماء والوزراء والكتَّاب، كفانا جرياً أعمى وراء كل ما هو حديث من غير النظر إلى فائدته المستقبلية، كم من أجيالٍ أضعنا ونحن نخضعهم لتجارب تعليمية مستوردة فاشلة.
هذه هي نتيجة التقييم في المرحلة الابتدائية وترك الامتحانات الكتابية، وهذه أيضًا ثمار الأسئلة الإلكترونية الصماء في الجامعات التي تعتمد كليَّة على التظليل، فَرَكَن إليها الأساتذة لأنها تريحهم من عناء التصحيح، هذا مع إهمال تام للأسئلة المقاليَّة، كل ذلك على حساب قياس مستوى الطالب الكتابي والتعبيري، ومعرفة قدرته على التحليل والتفكير الناقد. يجب علينا أن نبتعد عن تعميم الأساليب التعليمية فما يصلح للتخصصات العلمية قد لا يصلح للتخصصات النظرية.
إذا كانت أقسام اللغة العربية سوف تستمر في تخريج هذه المستويات الضعيفة، فإنِّي أنصح جامعاتنا بإغلاقها، لأنَّها تمثل جناية كبرى في حق لغة القرآن الكريم، إذ أنَّ وثيقة التخرُّج تُعد شهادة منها بأنَّ حاملها من حرَّاس اللغة ومعلميها.
المدينة
|
|
|
|
|
|