للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

معاجمنا اللّغويّة على سلّم التّقنية

أ. إيمان صبحي دلول

إنّ ما يمتلكه العرب من ثروة لغويّة معجميّة كنز لا يمكن وصفه، وحضارة لا يمكن لأحد أن يمتلكها سواهم، ولقد ورثنا عن علمائنا الأجلّاء هذا الموروث اللّغوي من معاجم تراثيّة حفظت اللّغة من كل شائبة وكشفت عنها كلّ شاكلة، فمن يغوص في بطون هذه المعاجم سيرفع السّتار عن الكثير من الدّرر المتجسّدة في هذه اللّغة المقدّسة، تلك هي عظمة اللّغة العربيّة الّتي أخرجت معاجما موسوعيّة ضخمة حُفظت بها هويّة الأمّة العربيّة وتراثها الأصيل. أمّا في زمننا هذا والّذي نُكثر فيه الأسف على قلّة الجهود في موروثاتنا اللّغويّة المعجميّة، كما أمسى المستضعفون يصرخون مع اللّغة حين سمعوا صراخها بدلا من أن يضمّدوا آلامها، ويقوموا بإنعاش نبضها من جديد لئلّا تكون حجّة عليهم يوم لا ينفع فيه التّمني.

إنَّ الوقوف عند متون المعاجم العربيّة؛ يبقى حاجة ملحّة، فهي تحتاج إلى تمحيص عميق ونظر دقيق. وقد تنتاب الباحثَ المتمرّسَ حيرةٌ في بعض الأحايين، إذ إنّ أمر الفصل في مسألة معاني الأفعال يظلّ معقّداً تعقيداً جليّاً لا يمكن الاستهانة به، خصوصاً مع تضارب شّروحها وكثرة تّأويلاتها من جهة وتشابهها من جهة أخرى.

إنّ المعارف الّتي تحتويها هذه المتون موسوعيّة المنحى، لا سيّما الأفعال منها، حيث نجد لفعل معيّن معاني كثيرة في أكثر من موضع؛ ربّما يكون بعضها قريباً من المعاني الممكنة له وقد تبعد دلالاتها عنه أكثر ممّا يجب، فتصل إلى حدّ التّضارب فيما بينها. ويعزى ذلك إلى آليّة نقل المعارف وتدوينها التي يتّبعها مؤلفو المعاجم.

 فأثناء هذا النّقل قد يحدث سوء فهم أو أخطاء في الحروف المتشابهة أو التّشكيل المتمثّل في ضبط الأفعال لا سيما عين الفعل الثّلاثي، أو تكون المعاني قد نقلت سماعاً فتشتبه الأمور على ناقليها؛ وهنا يأتي دور المتخصّصين المعجميّين ومعهم الحاسبيّون للوقوف على هذه النّقاط المهمّة في ميدان الدّلالة المعجميّة.

وقد مسحت هذه الدّراسة معاني الأفعال الثّلاثيّة المجردّة واستقتها من اثنى عشر معجماً بين قديم منها وحديث، ومن خطة محكمة وضعت لتحديد هذه المعاني وجردها ضمن معجم محوسب يعمل ببرنامج حاسوبي موجّه إلى جمهور المثقّفين والطّلبة والكتّاب والباحثين.

كما لاحظنا أنّ معاني فعل معيّن ممّا جاء في المعاجم غير دقيقة، قريبة في دلالتها المعجميّة من معنى الفعل قيد أنملة، فاستنتجنا أن المعاجم العربيّة خلطت بين المعاني العامّة والخاصّة للأفعال، ومردّ ذلك إلى أنّ هذه المعاجم بعضُها استنسخَ بعضَها الآخرَ فطغت عليها صبغة التّكرار، فدمج المعاني دون النّظر إلى دقّتها أو ما إن كانت واضحة في إيحاءاتها وقريبة من المعنى الدّقيق للفعل. في المحصّلة، هي معاجم موسوعيّة عامّة في سردها فيما يتعلّق بالمادّة اللّغويّة.

وقد عنّت لنا من خلال هذه الدّراسة تصوّراتٌ ندرجها فيما يأتي:

-       وضع منهجية واضحة لصناعة المعاجم العربيّة، والأسس القائمة عليها، تتّفق عليها مجامع اللّغة العربّية في كافّة بلدان الوطن العربي، وتسير على نهجها، وتكون واحدة موحّدة في كافّة أرجائه.

-       ضرورة تكثيف مثل هذه الدّراسات للوقوف على دقّة اللّغة العربيّة في مفرداتها ومعانيها ودلالاتها المعجمّية المختلفة.

-       تفعيل مثل هذه الدّراسات لتشمل باقي مفردات العربيّة كالأفعال فوق الثّلاثيّة، ثمّ الأسماء ومشتقّاتها مع الوقوف على دلالات كلّ منها.

-       أن نجعل من أولويّاتها البحوث الّتي تختص بالتّصنيفات الدّلالية للمساهمة في استغلال المعاجم الشّاملة قصد بناء أنطولوجيّات اللّغة العربيّة.

-       توحيد الجهود اللّسانيّة العربيّة، والعمل على إنجاز موارد لسانيّة عربيّة معجميّة تتبنّاها هيئات مختصّة.

-       إيجاد سبل التّعاون وتيسيرها مع الحاسوبيّين، للوقوف على ما لم نستطع الوقوف عنده من خبايا اللّغة العربيّة، أسرارها ودررها.

حوسبة المعجم:

أصبح المعجم المحوسب ضرورة معرفيّة؛ بل فرض المعجم نفسه فرضا على الباحثين في بطون المعاجم المتعدّدة والمختلفة، إذ يقلّص مدّة البحث من دقائق إلى ثوان بل إلى لحظات، ابتغاء تسهيل عمليّة التّعليم وتيسيرها على المتعلّم قَصْدَ الحصول على المعلومات بأقصر الطّرق وأنجعها. والنّاظر في المعاجم المحوسبة باختلاف لغاتها يجدها ذات استعمال واسع وسريع يفي بالغرض من حيث البحث والتّنقيب. فمن المعجم المتوسّط إلى المعجم الموسوعي، تتنوّع المادّة المعجميّة، إلّا أنّ اللّغة العربيّة بامتداد مفرداتها واشتقاقات ألفاظها وجهود المجامع اللّغوّية والمعجميّين أيضا؛ بقيت في منأى عن حوسبة مادّتها الغنيّة والجمّة بالصّورة الّتي ظهر بها معجم أوكسفورد الانجليزي أو معجم لاروس الفرنسي وما شابههما.

إنّ آفاق مثل هذه الدّراسات المستقبليّة مبهرة وتَعِدُ بموفور مزهر وإنتاج مثمر إذا اتّفقت الرّؤى وتوحّدت الجهود، وعملنا على إعادة صياغة المعاجم بما يتلاءم وعصر التقنيّات الحاسوبيّة الحديثة. قَمِنٌ بلساننا العربيّ أن يأخذ كلّ وسعه، كما يحتاج إلى تضافر أعمال اللّسانيّين المعجميّين والحاسوبيّين؛ وذلك لإنجاز صنائع معجميّة مشتركة بينهم، فتوحيد الجهود تنجز لا محالة عملاً ضخماً وهائلاً يليق بمقام العربيّة السّامق وعلوّ كعبها الشّاهق إذ أنّ الإنجاز الفردي يضنّ مثل جرمه، ولا يزن إلاّ وزنه الخفيف ولا يعكس إلاّ شأنه الضّعيف.

وأخيراً نرجو من الله أن يكون هذا العمل ميلاد دراسات معجميّة جديدة تستجلي دقائق اللّغة وجوهرها الثّمين والسّمين، وتمهّد لبناء أنطولوجيا كاملة وشاملة للّغة العربية يشهد لها العصر التّقني الحديث، لأنّها تحمل في ثناياها ميزات العظمة من عظمة معلّم البيان سبحانه وتعالى.

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية