|
|
|
|

أصول ونشأة اللغة العربية - تاريخاً وحضارة
د. عميش يوسف عميش
منذ بداية الخليقة ابتدع الإنسان فن النقش وكتابة الأحرف والكلام وطوَّره عبر العصور. كان في البداية صعباً، لكن الإنسان تدرَّب وتعلم طوال قرون حتى وصل مرحلة الإتقان. في البدايات كانت الكتابة محصورة بالخطاطين المحترفين، وكانت لأغراض رسمية كتسجيل ضرائب الدولة ، وإحصاء السكان ، والوقائع التاريخية كالحروب والمناسبات القومية. استخدم الطين الجاف والصلصال، والحجر والفخار للنقش والكتابة. ورسم أشكالاً ونقش أرقاماً ً وسجل ما يعبر عن حسه ومشاهداته نحو الحياة. استخدم أدوات مختلفة للكتابة والنقش كالأزميل فنحت وكتب الأحرف والكلمات والأرقام والرسوم، ونقش قطع النقود المعدنية ، ورسوما على الجدران والتماثيل ، واستخدم أدوات الحفر لتدوين الفن والأدب والشعر والعلوم وطب الأعشاب. لكن الكتابة ارتبطت عبر العصور بلغات الشعوب ، فلم تكن هناك كتابة دون وجود لغة ناطقة ، وتطوير الكتابة تمشت مع تطور اللغة. أما الأحرف الأبجدية فكانت الحجر الأساسي للكتابة وبداية النطق باللغة ، وكانت اللغة كتابةً ونطقاً وسيلة التعبير عن حضارات الشعوب. أما تشكيل الحروف المكتوبة فارتبطت بالمعنى للمحتوى الذي استخدمت من أجله . فالكتابة بالأسلوب المسماري (الحروف البابلية والآشورية القديمة) (Babylonian) بدأت عام 3000 ق م في مناطق نهر الفرات فتميزت بالشكل الأسفيني لأحرفها الأبجدية واستُنبِطت من العظمة والغضروف (الشكل أسفيني) ، ولقد ميزتها كأسلوب لغـة بابلية-آشورية واستخدمتها شعوب اخرى مثل الألمايت (Elmite) في بلاد فارس ، والحتيين (Hittite) في آسيا الصغرى، وفي إيلبا (Elba) (تل مردخ) سوريا. أما الكلام فكان يتم نقشه على الواح قطع الفخار بعد تجفيفها تحت الشمس أو الأفران . واستخدمت ألواح الخشب المطلية بالشمع للكتابة. كان الفراعنة يكتبون بطريقة مثل البابلية ، لكنهم إستخدموا أوراق نبات البردى (Papyrus) لتسجيل المعلومات الثقافية والعلمية. وكانت معلوماتهم الطبية الأقدم في تاريخ الحضارات ويعود تاريخها إلى 5000 ق.م ، وكانت تسجل على أوراق البردى التي تنمو على ضفاف نهر النيل . وكان يتم قطف الأوراق وضغطها وتجفيفها لتصبح كأوراق الكتابة ويكتب عليها بإستخدام أقلام مصنوعة من أغصان الأعشاب المبرية . ولقد استنبط الفراعنة طريقة الكتابة المسماة بالهيروغليفية (Hieroglyphic) وهي كتابة الكهنة التصويرية كون الحروف عبارة عن صور للطيور والحيوانات والحراب والشمس والوجوه كما تم العثور على لفائف من ورق البردى قرب البحر الميت (Papyrus Scrolls) ويعني أن نبات البردى كان ينمو في وادي الأردن. إن دراسة المعلومات المدوّنة على ورق البردى وهو علم بحد ذاته سُمِّي (Papyrology) ويبين المعلومات الغزيرة حول عدة أشياء كان الفراعنة يهتمون بها وأهمها الطبية. وكانوا أول أمة في التاريخ مارست الجراحة على الإنسان مثل فتح الجمجمة وعلاج أورام وأمراض الدماغ. وعرفوا وأتقنوا فن التحنيط (Mummification) وحفظ جسم الإنسان ل 5000عام، باستخدامهم عطوراً وأعشاباً خاصة. كما استخدموا الأملاح والمرمر المطحون كمادة تجميلية لجلد الانسان ، واستنبطوا الكريمات من الفواكه التي تحتوي أحماضاً مقشرة للجلد: كقصب السكر ، والمانجا والتفاح. أما العرب فاستخدموا الطين المجفف بالشمس او الفرن، ثم الكتابة عليه باستخدام أقلام مصنوعة من أغصان الأعشاب. أما أصول الأحرف العربية فقد أخذت من الأحرف الأبجدية السامية الجنوبية (South Semitic Alphabet) .وتطورت لعدة أشكال عرفت باللهجات أي تتبع المناطق المختلفة ولها المميزات المعجمية وقواعد علم النحو ، واللفظ مثل اللهجات الثمودية (Thamudic) ، كما استخدم العرب الكتابة بالحروف الآرامية (Aramic Script) في 106 م ،لكن المراجع القديمة تثبت أن الكتابة والمخطوطات العربية نشأت عن اللغة النبطية (Nabataean) .أما في العصور القديمة فكانت هناك أساليب متعددة للكتابة ، فكانت (كالطريقة الكوفية) (Kufic) التي كتبت بها معظم القصائد والمعلقات والتي تتكلمها قبائل متعددة بلهجات مختلفة . ولقد كانت هناك بعض الكتابات «غير منقطة» لكن يمكن لبعض القبائل فقط قراءتها. ثم جاء تنقيط الكلمات بعد ذلك بفترة. لقد قام الكثيرون من الملوك والحكام بإصدار (العملة) وصنعها من معدن البرونز والفضة والذهب ووضع أسماءهم وألقابهم وصورهم عليها. كانت اللغة العربية ولا زالت مميزة لا صنوا لها لأنها كانت لغة القرآن الكريم ، لغة الإعجاز والبلاغة .أما نشوء اللغة العربية من المهد وتطورها كأحرف وكلغة متكاملة فكانت عبر مراحل من أصول متعددة عبر حقبة من الزمن بدأت 1500 ق.م حتى وصلت إلى الأحرف العربية الأبجدية المتأصلة سنة 200 م. أما التسلسل التاريخي والأصول والمنابت التي ظهرت من خلالها الأحرف الأبجدية للغات الشعوب التي سبقت اللغة العربية فيمكن وضعها حسب رأي المؤرخين بتسلسل الفترات كالتالي: (1) الأحرف السينائية ( Sinai) 1600-1500 ق.م. (2) الأحرف الأوغاريتية ( Ugarit) 1400-1300 ق.م. (3) الأحرف البيبلوسية (Byblos) 1300-1000 ق.م. (4) الأحرف الهيراطيقية (Hieratic) 700 ق.م. (5) الأحرف المؤابية (Moab) 1000-900 ق.م. (6) الأحرف الآرامية (Aramic) 900 ق.م -272 م. (7) الأحرف النبطية (Petra) 400 ق.م – 100 م. (8) الأحرف العربية الجنوبية (South Arabian) 300 ق.م – 700 م. (9) الأحرف التدمرية (Palmyrenean) 44 ق.م – 272م . (10) الأحرف السريانية (Syriac) 200م. (11) الأحرف المندائية (Mandean) 600 م. (12) الأحرف اللاتينية (LATIN) 900م. (13) الأحرف العربية (ARAB) 200 م. والتأمل بالأحرف الأبجدية لهذه اللغات الثلاثة عشرة لا نجد الكثير من التشابه بين شكل حروفها ولكن لا بد أن يكون اللفظ متقارباً في أكثر الأحوال. ولكننا وبعد مرور آلاف السنين لا نزال بحاجة لمعرفة لغتنا واتقانها وأن نعلّم الأجيال القادمة أصولها والمحافظة عليها لأنها المهد وعنوان المواطنة والانتماء والأداة للتعبير ومعنى نشوء امتنا وحمل رايتها ، ولأنها لغة الإعجاز "لغة القرآن الكريم" .
الرأي
|
|
|
|
|
|