|
|
|
|

اتحاد تمزيق الضاد
أ. عبداللطيف الزبيدي
ضع قائمة لألف، لألوف من الاتحادات العربية، في جميع المجالات الممكنة والمتخيّلة، حتى اتحاد اللامبالين، المتثائبين، ما طاب لك . كلّها طيّبة وتجمع العرب على قلب واحد . لكنك على الأغلب لن تخطر ببالك فكرة تأسيس اتحاد لتمزيق اللغة العربية . المؤسف هو أن هذه الفكرة خرجت إلى حيّز الوجود، قبل أكثر من أربعة عقود .
الحكم بأنه اتحاد تمزيقيّ، إنما هو حكم منطقيّ عقلانيّ، ولكنه لا يعني أن العرب أرادوا النيل من جسد لغتهم، حين أنشأوا "اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية" . لقد كان فقهاء الضاد وعلماؤها يهدفون بنوايا سامية صافية، إلى درء خطر كبير، وهو تعدّد المجامع اللغوية . وهنا المأساة المضحكة .
المجمع اللغويّ ليس مجمع حرفيّين أو مهنيّين لا علاقة لهم بشؤون الهويّة وعظمة أبعادها، وحساسية دورها التأسيسيّ للفرد والمجتمع والأمّة . وبالتالي فإن الذين يؤسسون مجمعا لغويّاً، ينطلقون أساساً من أن اللغة تعني أمّة لا بلداً . والسؤال: كيف وقع أكبر علمائها في هذا الفخ المريب، فكانت للعرب مجامع لغوية في مصر، سوريا، العراق، الأردن، فلسطين، ليبيا، السودان، تونس والجزائر؟
الجانب المأساويّ واضح . أمّا المضحك فهو الجانب العبثيّ القبيح في شأن أكبر العارفين بلغتنا . ألا يقال لكل واحد منهم: "حتى أنت يا بروطس؟" ينصّ ميثاق تأسيس هذا الاتحاد على توحيد المصطلحات اللغويّة والعلمية . ومعنى هذا: على تلك المجامع المتفرّقة أن تجتهد في إيجاد المصطلحات العلمية الجديدة من العربية اشتقاقا وابتكاراً، أو تعريبها بأيّ طريقة أخرى . ثم نختار من عمل ثمانية مجامع أو أكثر، مصطلحاً والباقي إلى سلّة المهملات لتوحيد المصطلحات . عبث لغويّ يجعل العاقل ينتف شعره ويشق قميصه .كأن يعمل المجمع سنين ومصطلحات غيره هي المقبولة . لم يخطر على بال الأساتذة أن يقولوا للساسة: إن تعدد المجامع جريمة في حقّ الضاد والأمّة .
لزوم ما يلزم: تمزُّق الأمّة اليوم أكبر من أن يسلّط الضوء على تعدد المجامع، ولكن الكارثة هي أن تعدد المجامع من أسباب تمزيق الأمّة .
الخليج
|
|
|
|
|
|