للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

تعريب العلوم

أ.د. داخل حسن جريو

 أشار مجلس الشورى عند مناقشته لبيان وزيرة التعليم العالي أمام المجلس يومي 26 و27 من مايو 2013 بجلسته الاعتيادية الثانية والعشرين لدور الانعقاد السنوي الثاني إلى أهمية التعليم باللغة الأم, وذلك استنادا إلى ما تشير إليه الكثير من التجارب الدولية والإحصاءات الرقمية إلى أن الكثير من الأمم والدول ارتقى مستواها التعليمي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي بلغتها الأم والتدريس بها، وسلطنة عمان هي جزء من هذا العالم والذي نتمنى أن يتم فيه إعادة النظر في لغة التدريس وتعريبها، وذلك لإكساب المتلقي المعرفة والمهارات بلغته الأم، وهذه الخطوة قد تعالج الكثير من المشكلات التي تواجه مخرجات التعليم التي يشتكي منها سوق العمل, فالتدريس والتدني في معدلات اللغة الانجليزية يعيق الطلبة عن اكتساب المهارات اللازمة من معارف ومناهج وخبرات.
لقد أصاب المجلس بإشارته هذه كبد الحقيقية, حيث يلعب التعريب بعامة والترجمة بخاصة دوراً مهما بإثراء العلوم والمعارف الإنسانية المختلفة ونقلها من شعب إلى آخر.
أدرك العرب الأوائل أهمية الترجمة في اغتناء ثقافتنا العربية والإسلامية, حيث برع العلماء العرب المسلمين في نقل علوم بلاد فارس والهند والإغريق في عهد الدولة الأموية، وتطورت أكثر في عهد الدولة العباسية حيث انشأ الخليفة العباسي المأمون بيت الحكمة ببغداد وجعله بمنزلة مجمع علمي ومرصد فلكي ومكتبة عامة وعين فيه الأكفاء من المترجمين, وأجرى عليهم الرزق الوافر دعما لهم وحفزا للعزائم. وبذلك ارسي السلف الصالح أسسا وقواعد سليمة لتفاعل الثقافات لإثراء المعارف الإنسانية المختلفة. وفي عصرنا الراهن الذي يشهد تدفقا معرفيا هائلا في جميع العلوم, ولأجل مواكبتها ونقلها إلى بلداننا العربية لتكون في متناول قطاعات من الناس بلغة عربية ميسرة , لابد من اعتماد أساليب حديثه ومتطورة في الترجمة والتي أبرزها الترجمة الآلية المستندة إلى تقنيات المعلومات واللسانيات الحاسوبية.
أما التعريب فهو أوسع وأعمق من عملية الترجمة كثيرا، إذ إن مفهوم التعريب يعني انه أداة التعبير عن الأفكار العلمية والمسائل التقنية بلغة عربية عصرية سليمة، وانه الوسيلة لنشر العلوم والمعارف المختلفة بين الناس بلغة عربية سلسة ومفهومة من قبلهم بيسر وسهولة، كما انه يعني القدرة على نقل النتاج العلمي والمعرفي العربي إلى شعوب وأمم أخرى بلغاتها القومية للإسهام في الثقافة والحضارة الإنسانية، ذلك أن العلوم والتقنية إنما هي نتاج إنساني تسهم فيه شعوب العالم المختلفة بحسب إمكاناتها ودرجة تطورها، وامتنا العربية برغم ما تعاني من مشاكل وصعوبات وما تواجه من تحديات وانقسامات حادة في الوقت الحاضر، فهي تضم علماء ومفكرين ومبدعين في شتى التخصصات العلمية والتقنية ممن لهم باع طويل ونتاج علمي غزير ينبغي لنا تعريف العالم بهم وبنتاجهم العلمي وإسهاماتهم في الفكر الإنساني الخلاق أسوة بأقرانهم في دول العالم الأخرى.
ولعل ما يثير الاستغراب أن أمما أحيت لغاتها الميتة المندرسة منذ مئات السنين, لتجعل منها لغة علم وثقافة وأدب عصرية, ولنا في دولة إسرائيل خير شاهد ودليل حيث أحيت إسرائيل اللغة العبرية لتكون لغتها الأساسية في العلم والتعلم, ولا أحد يستطيع أن ينكر ما حققته إسرائيل من إنجازات علمية باهرة دون أن يكون للغتها العبرية أي أثر سلبي على هذا التقدم, بخلاف ما يروج له البعض أن تعريب العلوم يؤدي حتما إلى تراجع علمي وعدم قدرة على مواكبة تطور العلوم والتقنية في ميادين الحياة المختلفة التي يرون أنها مرهونة بالتعليم في اللغات الأجنبية بعامة وباللغة الإنجليزية بخاصة, بينما تحرص فيه جميع البلدان المتقدمة صغيرها وكبيرها على حد سواء أن تكون لغاتها الوطنية, لغات العلم والتعلم في بلدانها,وحتى جيران العرب من فرس وأتراك يعتمدون لغاتهم الوطنية في التعليم بمراحله المختلفة, ويحققون إنجازات علمية أفضل من البلدان العربية.
وثمة مفارقة أخرى هي أنه في الوقت الذي بات فيه واضحا اهتمام الكثير من الدول بتعلم اللغة العربية في ضوء تنامي مصالحها الاقتصادية في البلدان العربية , نرى العكس من ذلك يحصل في البلدان العربية حيث يزداد الاهتمام باللغة الإنجليزية على حساب اللغة العربية. وبحكم العلاقات التاريخية الوطيدة لبلدان الخليج العربي ببريطانيا, وما شهدته هذه البلدان من نهضة اقتصادية واسعة فيما بعد عند تكوين دولها الحديثة, اضطرتها إلى إستقدام قوى عاملة وافدة من بلدان مختلفة فاقت أعدادها أعداد سكان معظم هذه البلدان, وهي حالة فريدة ونادرة في العالم. لذا كان ضروريا أن تكون هناك لغة وسيطة لتفاهم السكان مع العمال الوافدين ولتفاهم العمال الوافدين أنفسهم فيما بينهم ,وكان طبيعيا أن تكون اللغة الإنجليزية هذه اللغة الوسيطة, واستمر الحال على هذا المنوال حتى يومنا هذا. بينما يكون الأمر الطبيعي أن يتعلم العمال الوافدون لغة البلدان التي يعملون فيها كما هو الحال في البلدان المختلفة, لا أن يضطر السكان تعلم لغة الوافدين أو أية لغة أخرى. ونظرا لضخامة حجم هذه المشكلة في الوقت الحاضر وتداعياتها على الاقتصاد الوطني ,لذا فإنه ليس من المعقول التخلي من استعمال اللغة الإنجليزية, بل المطلوب إيلاء اللغة العربية ما تستحقه من رعاية واهتمام والعمل على إنمائها لتكون لغة العلم والتعلم شأنها بذلك شأن اللغات الأخرى.وإنشاء مدارس علمية وفكرية وثقافية عربية الوجدان والضمير واللغة والانتماء والتعبير عن حاجات الأمة وتطلعها المشروع إلى التقدم والإزهار.
تبدأ عملية التعريب أولا بترجمة أمهات الكتب العلمية والتقنية الأجنبية، ويتطلب ذلك تهيئة مستلزمات الترجمة بدءاً بإعداد مترجمين أكفاء يجيدون اللغة العربية ولغة أجنبية واحدة في الأقل.
ويفضل إن يكونوا قد تلقوا تعليمهم في إحدى البلدان المتقدمة واطلعوا عن كثب على واقع الحركة العلمية والتقنية فيها وعايشوا أجواء لغتها.
وحيث أن العلوم والتقنية تشهد تدفقا معرفيا هائلا في شتى التخصصات، ولغرض مواكبة هذا التدفق لابد من اعتماد وسائل ترجمة آلية حديثة كما هو سائد في البلدان الأخرى التي سبقتنا في هذا المضمار، والاستفادة من تجاربها الرائدة، أي باختصار لابد من اعتماد الترجمة الآلية الفورية، ويتطلب هذا توفير التخصيصات المالية اللازمة لهذا الغرض، وهنا لا بد أن تتضافر جهود أكثر من بلد عربي واحد لتخفيف ضغط الأعباء المالية ولتعميم الفائدة عليها جميعا، وبعدها يتم إنشاء هيئات وطنية من كبار العلماء وأساتذة الجامعات ورجال الفكر والثقافة لانتقاء الكتب المراد ترجمتها سنويا وفق خطط علمية مدروسة جيدا وبرامج تنفيذية دقيقة، ومراجعة هذه الخطط بين الحين والآخر للتوثق من حسن سير تنفيذها.
ومن ذلك يتضح أن التعريب لا يعني الانغلاق على الذات كما يشيع بعضهم، إنما هو العكس من ذلك تماما فهو الانفتاح والاطلاع على النتاج العلمي والمعرفي والثقافي العالمي بأبهى صوره وارقي أشكاله, والإسهام والتفاعل مع هذا النتاج أخذا وعطاء، وبذلك نضمن لبلادنا حصانتها العلمية والثقافية, وتأصيل العلوم والمعارف في بيئة علمية وثقافية عربية سليمة. والتخلص نهائيا من حالة الاغتراب العلمي والثقافي الذي يعيشه بعض المثقفين العرب إلى حد ازدواجية شخصياتهم ومعاييرهم بسبب انبهارهم بثقافات الغير، فتعريب العلوم والتقنية يعد ركيزة أساسية من ركائز النهضة الثقافية العربية المعاصرة, إذ لا يمكن لأمة محترمة إن يكون نتاجها الثقافي نتاجا هامشيا لا قيمة له في الأوساط الثقافية العالمية، ولا يمكن الارتقاء بالنتاج الثقافي العربي ما لم يتفاعل مع النتاج الإنساني على قدم التكافؤ من منطلق الإبداع الفكري والعلمي مع مراعاة الخصائص الحضارية لامتنا العربية.
ولأجـل النهوض بثقافتنا العربيـة، لا بد إن نولي لغتنا العربية جل اهتمامنا وفائق عنايـتـنا، وكخطوة أولى على هذه الطريق إن نهتم اهتماما بالغاً بتعريب التعليم الجامعي في جميع تخصصاته واتجاهاته، وأن نرفض رفضاً قاطعاً أية دعوات لتأجيل ذلك تحت أي مبررات أو ذرائع أيا كانت دوافعها، إذ لا يمكن لأمة تنشد التقدم والازدهار أن لا تعتني بازدهار لغتها لتستوعب جميع مفردات العلوم والتقنية المعاصرة، وإلا فأن الأمور قد تزداد تعقيـداً كلما طال الزمن والحال على ما هو عليه, يصعب معها مستقبلاً التصدي لمعالجتها، ذلك أن العلوم والتقنية في تطور دائم ومستمر، وان إعداد المتعلمين بلغات أجنبية في تزايد مستمر أيضا، وان البعض قد ترسخ لديهم قناعات بقصور اللغة العربية عن تلبية متطلبات العلوم والمعارف المختلفة، وبذلك تخلق حالة انفصام بين الثقافة العربية وثقافات الشعوب الأخرى التي قد ينبهر بها البعض إلى الحد الذي لا يمكنه رؤية سواها ، وقد يعيش البعض منهم غرباء في السلوك والتوجه وهم في وسط أبناء شعبهم، إذ تعيش جنباً إلى جنب فئتان، أحدهما مشبعة بالثقافة العربية الإسلامية، وأخرى متأثرة بثقافات شعوب أخرى بدرجة أو بأخرى. ولا بد من تأكيد حقيقة مهمة إن الدعوة لتعزيز ثقافتنا العربية لا تعني الانغلاق على الثقافات الأخرى، وإنما إبراز الثقافة العربية أولا وقبل كل شيء والإفادة من نتاجات الشعوب الأخرى بما في ذلك تعلم لغاتها وترجمة نتاجاتها العلمية والثقافية لتكون في متناول المتعلمين والمثقفين في بلادنا. ولعل الوقت قد حان الآن للتفكير بإنشاء مجمع للغة العربية في السلطنة .
يمكن أن يتولى المجمع المهام الآتية:

1. إحياء التراث العربي والإسلامي في العلوم والآداب والفنون بعامة، والتراث العماني بخاصة.
2. المحافظة على سلامة اللغة العربية، والعمل على تنميتها ووفائها بمطالب العلوم والآداب والفنون.
3 ـ الإسهام الفاعل في حركة التعريب، ووضع مصطلحات العلوم والآداب والفنون والحضارة.
4. ترجمة أهم ما يصدر من كتب وبحوث باللغات ألأجنبية إلى اللغة العربية.
5. تشجيع وتعضيد التأليف والبحث في العلوم والآداب والفنون.
6. التعاون مع المؤسسات المعنية بشؤون الثقافة والنشر على تسمية أهم المؤلفات العربية الرصينة لترجمتها إلى اللغات الأجنبية.
7. إقامة روابط علمية وتعاون وثيق مع الجامعات والمؤسسات العلمية والثقافية.
8.ـ توثيق الصلات بالمجامع العلمية واللغوية والمؤسسات العلمية والثقافية في البلاد العربية والأجنبية.
وبذلك يمكن أن تنمو لغتنا العربية وتزدهر ,لغة علم وحضارة كما كانت يوما في عصورها الذهبية.

عُمان

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية