للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

روحي البعلبكي.. الـ هوتدوجي الهوى

أ. مطلق العنزي



المشهد: جمع من الغوغاء يمسكون بشيخ وقور، يسحلونه في ميدان ويضربونه ويدوسون على وجهه وبطنه وظهره، وهم يتصايحون و«يصفرون». وبعضهم يستميت لنيل نشوة لطم الشيخ أو دوسه، أو البصق في وجهه ولحيته، أو تعفير محيّاه بالتراب والسخام. ومنهم من يدعون- بانتشاء- المارة والمتفرجين للمشاركة في شرف هذه المعركة. ويوجد آخرون يتألمون لصياح الشيخ ودموعه، واستغاثاته التي تضيع في هرج الغوغاء وضوضائهم.

وبينما القوم في دأبهم، تتوقف عربة ويترجّل منها قاضي المدينة، بهندامه الأنيق وهيبته وجلاله، ثم فجأة ينخرط القاضي في معركة الغوغاء، ويبدأ بترفيس الشيخ، وتعفير وجهه، في أماكن محددة، وتلطيخ أجزاء من لحية الشيخ بسخام، ويطلب من المتجمهرين أن يوسعوا الشيخ ضرباً في الأماكن التي تروق لهم ويهوون..

ثم يسأل القاضي المهيب، من هو هذا الشيخ، وماذا يريد؟ ومن أتى به هنا؟ ولماذا يُعذّب أصلاً؟. فيُجاب أن الشيخ يتلقّى العقاب لأن مظهره لم يعجب الغوغاء ولا تروق لهم رؤيته وحديثه، فاستحسن القاضي جهودهم وبارك ما يفعلون.

وما دام أن مظهر الشيخ لا يروق لهم، رأى القاضي أن يشاركهم جز لحية الشيخ جزاً، ويده ورجله ويقطعون وصلة من جلده، وروحه، ونصح أن يُلبسوا شيخهم ملابس المهرّجين ويجبروه على تجرّع سطل من «كاكولا» وابتلاع «همبرجر ماك»، وأن يحشوا فاه بما تيسّر من «الهوتدوج»، وأن يصبروا أذنيه إلى طبول الروك ومنافخ الجاز.. إلخ.

هذا ما تخيّلته، جراء الصدمة، أو قل اللكمة التي وجهها إليّ الدكتور روحي البعلبكي (نجل رائد القواميس والمترجم المبدع اللبناني الشهير منير البعلبكي- رحمه الله-) حينما «بشّرنا» الدكتور روحي- في مقابلة تلفزيونية- أنه قد «أعدم» مفردات في اللغة العربية قال إنه لم يجرِ استخدامها- إلا قليلاً- منذ 150 عاماً.

وبجريمته هذه، فإن البعلبكي هو القاضي الذي شارك الغوغاء في تعذيب الشيخ (اللغة). فيما يُفترض أن الدكتور روحي هو أحرص الناس على نفض الغبار عن المفردات اللغوية المهجورة، وأحيائها وعرضها وصيانتها، وتذكير الناس بأنها نفائس وكنوز، ومن الجحود والاستلاب الروحي والثقافي أن تُهجر أو تُنفى في غياهب النسيان.

وأربأ بالدكتور أن يحني رأسه لـ«طلب الجماهير» ويعدم مفردات في اللغة ويعطي وجاهة للّحون والركاكة وسوء القول والقال والمقال.

فيما كل مفردة في اللغة العربية، هي جوهرة نفيسة يتعين الحفاظ عليها وحراستها. والأجدر أن تنظف اللغة من الكلمات المستوردة، وغربان المفردات الطارئة السقيمة، وأمراض اللحن التي تسلب اللغة روعتها وفتونها وزهوها وعبقريتها.

وأيضاً في هذا التصرف، إعدام لامرئ القيس، والنابغة، وزهير، وطرفة، ولبيد، ومئات وألوف غيرهم، لأنهم صاغوا روعة نبضات قلوبهم ولمعة أذهانهم، وأحزانهم وحبهم، والأمل والضوء والشمس، بمفردات أصيلة راسخة في وجدانهم، وإن هجرتها ليالي «الوحدة ونص» واللهجات التي تهدد بتشييد أسوار معازل لغوية في الوطن العربي.

وما علمت أن الدكتور روحي هو حقوقي وقانوني وأستاذ حقوق «أيضاً» إلا لاحقاً، وبعد أن كتبت حكاية التخيّل أعلاه، وهذا ما ضاعف الصدمة، وقسوة اللكمة أيضاً.

وتر

هذا اللهيب يقترب من الحمى..

ولن يقف صاحبا المتيم الضليل،

ولن يبكيا بين الدخول فحومل..

ولا مبيت للشنفرى.

وستهجر خولة أطلالها وقلب طرفة..

وسينوح ابن الريب ملء ليالي الألم..

إذا استحالت الكلمات إلى اشتعالات غضا في مواقد المتنزهين..

وهباء في ضوضاء المقاهي وعوادم النيون واستوديوهات المواسم الجديدة.


اليوم

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية