
هجر "العربية" ..عدوان على الأمّة
أ. جواد محمود مصطفى
المشكلة عند أغلب العائلات العربية ،وأظنها قد تحولت الى ظاهرة تنذر بالخطر الذي يتدحرج ككرة الثلج ،مشكلة ضعف اللغة العربية كتابة وحديثا عند الأبناء والأجيال الجديدة .
التقيت يوما أحد الآباء ،فأخبرني بأنه يعاني كثيرا من ابنته بسبب ركاكة لغتها العربية ،وهي لا تكاد تفهم الاّ القليل عن قواعد اللغة،والنحو والصرف ،..الخ،وقال متندرا :تصوّر يا أخي أن ابنتي تحفظ الأحرف الانجليزية غيبا مع القراءة والكتابة ،ولكنها تتلعثم عند ترديدها الأبجدية العربية .
في الواقع ،هذه الابنة التي لا تتجاوز السابعة من العمر ، ليست الوحيدة في جيلها المغرّبة عن لغتنا العربية ،فهناك الآلاف من الصغيرات مثيلاتها وأكبر منها ،وهناك أصغر أيضا. .. ويضيف الأب : ومــعــانــاتــي مــع ابــنــتــي لا تقف عند هذه المشكلة، فهي أيضا تكتب العربية بالمعكوس ،أي من اليسار الى اليمين ،كأنها تكتب باللغة الانجليزية ،وألاحظ أنها عندما تقرأ تواجه صعوبة في الاستدلال على الأحرف مثل الخاء والحاء ..الخ.
طبعا هذه الحالة صادمة ،بل وفاجعة ،وتنذر بالخطر الذي يهدد لغتنا القومية التي هي عنوان هويتنا وثروتنا الحضارية التي كانت يوما مزدهرة ومنيرة للبشرية جمعاء .
فاللغة،أي لغة ...ليست مجرد أداة،أو وسيلة للتخاطب بين البشر للحصول على العلم والمعرفة،فهي أيضا هوية أمّة وعنوان حضارة ،تكتب بها البشرية تاريخها وتراثها عبر العصور والأزمان ،وبالتالي فهي حافظة لأحداث الحياة منذ الخليقة ،وهذا ما تعلّمه جيلنا في المدرسة وفي الأسرة وفي البيئة .
لم يعد الضعف في اللغة العربية لدى هذا الجيل من الأبناء ظاهرة ،بل أصبحت أزمة، تتطلب من الحكومات العربية أن تواجهها بقرارات جريئة وشجاعة لتصحيح المسار وانقاذ لغتنا العربية مما يدبّر لها من مكائد من أجل اخراجها من التاريخ كما حصل للغات حيّة سابقة .
كل منا يستطيع تشخيص هذه الحالة المرضية من الضعف بلغتنا العربية،ومعرفة أسبابها ومسبباتها,في المقدّمة منها البيت ،أي الأسرة ،التي يجب أن تكون السيادة فيها للغة العربية ،ثم المدرسة ،وهي الحاضنة الثانية للأبن ،وهنا على الآسرة أن تختار المدارس التي تعطي العلم والمعرفة لطلابها بالعربية، والى جانبها أي لغة أجنبية .
وللأسف الشديد فقد أصبحت معظم دولنا العربية تتفاخر بفتح فروع للمدارس والجامعات والمعاهد الاجنبية على اراضيها، بدلا من أن تضع الخطط والبرامج للنهوض بالتعليم المؤسس على لغتنا العربية .
من المسؤول ؟.. إن الإجابة عن هذا السؤال صادمة، وأول ذلك إن الجهات التي يُناط بها حماية اللغة العربية، والدفاع عنها ،هي أول الجهات التي تسيء إلى لغتنا العربية، حتى لقد وصل الأمر إلى أن بعض المؤسسات الرسمية ومنها الجامعات، صارت تستخدم لغة أجنبية إلى جانب لغتنا العربية على ورقها الرسمي المروّس.. وكأننا أصبحنا دولة ثنائية القومية،وبالتالي نائية اللغة.
وأحسب أن وزارات التربية والتعليم العربية هي من تمنح التراخيص للمدارس الأجنبية للعمل وممارسة المهنة في دولنا العربية التي بدورها تفرض منهجها التعليمي على الطلاب وتدريسه باللغات الاجنبية كالانجليزية والفرنسية .
المطلوب وقفة حازمة مع المــدارس الخاصة والأجنبية والمــراكــز التعليمية ووضع قوانين ومعايير حازمة للحد من هذه الظاهرة... فهل من مجيب ؟
|