للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

غَضْبَةُ "مُولْ الدَّارِجَة" أَوِ الشَّجَرَةُ الَّتِي تُخْفِي الغَابَةَ

أ. صالح أيت خزانة


يعيش المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في هذه الايام مخاضه الأخير، ما قبل الولادة المنتظرة، والتي ستسفر عن رؤيته الاستراتيجية لإصلاح المنظومة التربوية. مخاض غير طبيعي، تتحكم فيه نزوعات شاذة، لأجندات شتى، تولى كِبْرَ إحداها "مول الدارجة" السيد عيوش، الذي أعاد إلى النقاش "التربوي" داخل المجلس، مطلبه القديم/ الجديد حول التدريس بالدارجة المغربية في السنوات الأولى للتعليمين الاولي والابتدائي، والذي ظننا أنه قد خمد مع سيل الانتقادات التي وجهت إلى أطروحته العجيبة والغريبة، كما خمدت دعوات مماثلة، ضدا على اللغة العربية التي أقرها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، أسُّ الإصلاح ومرجعه، واعتبرها لغة التدريس الأساس خلال هذه الفترة من عمر التحاق الطفل بالمدرسة.

ولئن كان هذا التدخل الطارئ على المسار النهائي لصياغة الرؤية، وفي وقته الحاسم، الذي يسبق إسدال الستار عن هذا المنتوج الذي دام الاشتغال عليه زهاء سنة، وكلف ميزانية الدولة ملايين الدراهم، ولازال يستنزف منها الملايين بسبب التعويضات العجيبة الأخيرة التي ضخت في صندوق المجلس لأجل صياغة التقارير، ووضع اللمسات الأخيرة على شكلها النهائي؛ قد نضح إلى سطح "النقاش التربوي" الذي يعرفه المجلس، فإنه لا يمثل إلا واحدة من الانفلاتات الشخصية، والطموحات الحزبية والنقابية التي جاءت قبيلة الممثلين عن أطياف المجتمع المختلفة لتصرفها في خلال قطاع، يعي الجميع، أنه القطاع الوحيد الذي تتأسس منه القناعات الأيديولوجية، و المواقف السياسية، والرؤى الفكرية. لكونه يشتغل على الرأسمال البشري، ويبني القناعات، بناء مؤسسا، ويخرج للأجيال المتتابعة، مقتنعين ومقتنعات بأفكار واعتقادات، بأقل تكلفة. لذلك سعت كل الأطياف والحساسيات أن يكون لها موطئ حضور في مجلس، يفترض أن يقدم للمغاربة منتوجا تربويا ينتشل التعليم من وهدة السقوط، ويفي بانتظارات الشعب الطويلة لإصلاح حقيقي وناجح، يقطع مع المزايدات، والاستغلالات، و"الحلب"، والاستنزاف،... لتقتسم كعكة هذا المنتوج، وتؤسس لقناعاتها الأيديولوجية والسياسية والفكرية، من داخل أسوار المؤسسة التربوية.

فليس ما نضح عن حراك "مول الدارجة" في الآونة الأخيرة داخل المجلس، وقلبه الطاولة على من فيه، من أجل سواد عيون "دارجته العجيبة"، إلا الشجرة التي تخفي الغابة. كما أن هذه الجرأة الزائدة، عند هذا "الثائر"، على المغامرة لتحمل مسؤولية توقيف أشغال المجلس على بعد أيام من اعتزام السيد عزيمان تقديم "الرؤية" بين يدي ملك البلاد، وما يمكن أن تتسبب فيه هذه الضجة المفتعلة، من تعطيل العرض عن وقته المحدد؛ لأكبر دليل على أن أجندة الرجل أكبر من مجرد غيرة على "لغة أم" تمثل تحصيل حاصل في المدرسة العمومية منذ "الاستقلال"، ولا تستدعي تأصيلا، ولا تأسيسا. كيف؟ وهي سليقة الطفل المغربي في البيت، والشارع، والمدرسة، بل داخل الفصل الدراسي وفي علاقته التربوية مع الأستاذ... بل ثمة أجندة أكبر من عيوش، ومن مناصري عيوش، لا يمثل فيها عيوش إلا المنفذ المطيع. وهي الأجندة التي دفعت بتمثيلية هذا التيار داخل المجلس، لكسب مشروعية التمثيلية، من أجل ربح مقترح أو توصية يركب عليها التيار – بعد ذلك – للنضال من أجل ترسيم توجهاته المعادية للغة العربية، لتضييق الهوة على هوية الأمة، وثقافتها، وإفقادها بوصلة التحكم في مسارها الإنمائي المستقل عن حزب فرنسا وتياره الفرنكفوني، وامتدادها العربي والإسلامي، وتحويلها إلى تابع بدون هوية، ولا أصل.

فليست"ثورة" عيوش المتأخرة داخل المجلس، والتي انفلتت من بين مخالب السرية والتكم الذي حظيت به قرارات المجلس الاستراتيجية، وتسربها إلى الرأي العام الوطني، إلا دليل على أن سيل الرجل قد طفح، وأن المكسب الذي جاء من أجل تحقيقه، أي الترسيم لهذه "الدارجة"، كمادة للتدريس، بديلة عن اللغة العربية، في وثائق الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم، لم يتحقق. مما استدعاه أن يستشيط رفضا واحتجاجا.(الإشارة اليتيمة في "التقرير الوطني للمشاورات حول المدرسة المغربية" لاعتماد الدارجة المغربية بجانب اللغات المحلية في السنتين الأوليتين قبل الانتقال إلى اللغة العربية، جاء في سياق الحديث عن"تدريس اللغات"، (ص:42). في حين تم تغييب هذا الأمر أثناء الحديث عن "لغة التدريس"، التي يناضل "صاحبنا" من أجل التمكين لـ"دارجته" ضمنها!!).

ولقد سبق لنا أن عبرنا، في مكان آخر، عن تخوفنا من هذه الفسيفسائية النشاز المكونة للمجلس، والذي استدعتها الإرضاءات السياسية والنقابية واللغوية، بأنها لن تقدم شيئا للإصلاح، بل ستحول الإصلاح خلقا مشوها، لا رابط بين مكوناته ولا علاقة. حيث اعتبرنا أن المزايدات السياسية التي رافقت مسار الإصلاح و"إصلاح الإصلاح" الذي عرفه المغرب، بين مختلف الهيئات والحساسيات السياسية التي تعاقبت على حكم البلاد، والتي كانت تراهن على توجيه عقول المغاربة نحو قناعات سياسية وإيديولوجية معينة، تُمَكِّن لها من جمهور يواصل رسالتها على درب التمكين لها في حكم البلاد والعباد، من خلال تثبيته لقناعات محددة، أو الترويج لخطإ وتهافت قناعات ومعتقدات الخصم السياسي والأيديولوجي (المعارضة)، والتي كرست لمسار إصلاحي عرف ابتذالا أخلاقيا غير مسبوقٍ، مَكَّن لجيل من العاقِّين لمقومات هويتهم العربية الأمازيغية الإفريقية الإسلامية، المنسحبين من قضايا الأمة المغربية، المنشغلين عنها بِــ"سَقَطِ" القضايا الثقافية والفنية والإعلامية والتربوية المغتربة، من رقاب المواطنين المغاربة؛ يخططون لهم في التعليم ما ينسف به آخرهم أولهم، ويلعن بعضهم بعضا،... والتي نقلت قطاع التربية والتكوين من المضمار الاجتماعي الصرف إلى حلبة الصراع السياسي المُدَنَّس؛ قد ساهمت، أيضا، بقدر معتبر، في تكريس الأزمة، وتعميق الوضع المهترئ لنتائج مدرسة عمومية يُفترض أن تسهم في بناء شخصية المواطن المغربي المتميزة بقدرتها على الاختيار الحر، والتعبير المسؤول عن القناعات السياسية والأيديولوجية، والوعي الناضج بثنائية الحق والواجب، بعيدا عن الإملاء، وعن توجيهات الزعماء والقادة... !!.

وهي ذات القناعة التي ألمح إليها "التقرير الوطني للقاءت التشاورية حول المدرسة المغربية"، في سياق لغوي صرف، حينما نبه إلى " الخطورة الإستراتيجية لعدم الحسم في الاختيارات اللغوية وغياب سياسة لغوية واضحة في التدريس وتقاطع المواقف اللغوية بحجة الإرضاءات السياسية والفئوية" (ص: 41).

فمحاولات "مول الدارجة"، وسواه، الإنابة عن لوبي الاستلاب الثقافي، والاستحمار اللغوي، من التيار الفرنكفوني، ليست سوى جعجعات لإثارة الفتنة، واستغلال تدمر شريحة واسعة من المغاربة لتبني هذا النشاز اللغوي، ردا للفعل، وعقابا لصناع القرار على اختيارات مجتمعية، أصبحت تقلق التيار الفرنسي على اختياراته التي أسس لها، على أرض المغرب، منذ عقود. فكان القرار هو إعادة المغاربة إلى صِباهم اللغوي، وإشغالهم بتفاهة المتطفلين على هويتهم وثقافتهم، وإثارة جوقة في الإعلام لتمرير الفتنة، للضغط من أجل إعادة توزيع كعكة المشروع التربوي/المجتمعي، بين القبائل السياسية والأيديولوجية، انطلاقا من مداخل شتى، وتأسيسات لا يجمع بينها أي منطق سليم. وليس مدخل "لغة التدريس" و"تدريس اللغات" إلا إحدى المداخل الواهية التي ولجها حفدة موليير، للإثارة والإرباك، ليس غير... !!

ويبقى المتعلم، محور عملية الإصلاح، هو الضحية الأولى والأخيرة، لمزايدات المُؤْتَمَنِين على حاضره ومستقبله، داخل هذا الخضم النشاز والمتواطئ... !!

دمتم على وطن... !!

هسبريس

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية