للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

لغتنا، قياسا بالأدب العالمي

د. رضا العطار

 الأدب هو التفسير الخيالي للحياة. وهومثل الفلسفة يجب ان يتبع فيه كل قارئ مزاجه الخاص , فلا يتقيد بآراء الغير . ويجب ان نقرأ وندرس الأداب القديمة والحديثة كي نطلع ونفهم ثم نستنبط منها رأينا او ارائنا الخاصة في ماهية الأدب.

ربما كانت كلمة – الذوق – هنا اوفق للتعبير عن كلمة – الراي – لاننا نتذوق الادب والموسيقى والفلسفة اكثر مما نرتئ فيها، ولكن هذا الذوق غير موروث و لانه انما يكسب بالدراسات والاختبارات . التي تمر بنا في حياتنا . ومن كل هذه, اي الادب والفلسفة والدين نستقطر تلك الحكمة التي نعيش بها فترة حياتنا على الارض. وكل من هذه الثلاثة يحتاج الى الاخر, والتوسع في احداها يحملنا على دراسة الاثنين الاخرين.

والحصيلة انه قد تتكون لدينا من هذه الدراسات ديانة بشرية وضمير عالمي وتبعات سامية و هي مزيج من العناء واللذة اللذين يتلألف منهما الحب. كحب الأم لأولادها. فنحن عندئذ نرأم بالدنيا ونعني بتطورها ورقيها, ونلتذ الألم في سبيل هذا الرقي.

وقد سبق ان اكدتُ على ضرورة دراسة الادب العربي بصورة تفصيلية لكي يتسنى لنا دراسة الأدب العالمي منذ بزوغه في شخص اخناتون في عصر الفراعنة الى قصص دستوفسكي في الادب الروسي المعاصر. وفي العالم مؤلفات استقرت وبرزت قيمتها على توالي القرون. فلسنا في حاجة الى تعديد وشرح لها.

ان اردنا سهل علينا الحصول على اعمال تولستوي ودستوفسكي وجوركي في روسيا . وكذلك جوتيه وسيلر في المانيا. وشكسبير وبرنادشو في انجلترى وفولتير وروسو واناطول فرانسيس في فرنسا ... الخ

واللغات الكبرى مثل الالمانية والانكليزية والفرنسية تحوي جميع هذه المؤلفات الادبية, لانها ترجمت اليها مع العناية والدقة, وبديهي اننا في حالنا الحاضرة لا نستطيع ان نقول مثل هذا القول عن اللغة العربية. وقراءة هذه الاداب تخرجنا من الانانية الوطنية الى الافاق العالمية وتزيد قدرتنا على الحب للبشر. وليس شئ اقرب الى الدين من الادب ونعني الادب العالمي .

فعن مقامات الحريري تعد مثلا نوعا من الادب ولكنه لا يثير في انفسنا الحاسة الدينية ولا يربي ضميرنا لانه تسلية خفيفة سخيفة لا اكثر. ولكن قصة – الاخوة كارا ما زوف – للكاتب الروسي العملاق دستوفسكي تغرس فينا الروح الديني وتستنبط منا البر والتقوى وتجمعنا على الصلاح بل القداسة . وقد اعتقد بعض من قرأها انها ينبغي ان تضاف الى الكتب السماوية . وليس في العالم اجمع كتاب يمكن ان يوصف بهذا الوصف .

وكبار الادباء في العالمين القديم والحديث كانوا ينبعثون بهذا الروح الديني الى تأليف كتبهم الادبية . وكانت حياة كل منهم لهذا السبب حياة الجهاد الديني. فأن غوتيه كان يقصد الى تربية الشخصية والنمو النفسي. وبرناد شو قد ارصد حياته لتغيير العالم. من الانفرادية الى الاشتراكية. وولز قد ضحى حتى بفنه كي يصل الى حكومة عالمية تعمم التعليم والسلام والرخاء. وفولتير في فرنسا قد كافح طغيان العرش والكنيسة ...الخ .

يمكننا ان نقيس الادب بجملة مقاييس ليس اقلها قيمة هذا المقياس. الذي به نعين الناحية الدينية للكتاب ومؤلفاته, نعني حياة المؤلف ومادة مؤلفاته. فالكاتب الذي لا يحملنا على الصلاح والقداسة قد نعجب بفنه وبراعته وذكائه وعبقريته ولكنه يبقى مع ذلك ناقصا لانه لم يرفعنا الى الحياة الدينية او لم نصل به الى ذلك التوتر الفني الذي تجسد المظالم, فنثور عليها. او لم يخرجنا من النظر الفردي الضيق الى النظر العالمي الواسع. او كونه لم يرفعنا من الاستهتار في حياة الجد وخدمة المجتمع.

ويمكن ان نقرأ الكتب المقدسة نفسها باعتبارها كتبا ادبية. والواقع ان الادب والدين يتلاقيان اذا ارتفعا. حتى نكاد نستطيع التمييز بينهما. فان – نشيد الانشاد – في التوراة تعد مثلا قطعة انيقة من الادب الذي يدعونا الى ايثار الحب الساذج الطاهر مع الفاقة, على استخدامه للوصول الى الثراء والجاه. وهذه القصة يمكن ان تضاف الى قصة – بول وفرجيني – للمؤلف الفرنسي سان بيير او الى مؤلفات جان جاك روسو.

فعقيدة الالحاد لم تمنع المفكر ولز الذي ضحى بنفسه وماله مجاهدا ومبشرا, مؤكدا على ضرورة تشكيل حكومة عالمية, في سبيل تعمم التعليم الاولي لبني البشر والقضاء على الظلم الاجتماعي الذي ابتلي به معظم الامم. وكذلك بوذا الذي يؤمن بفلسفته في العصر الراهن اكثر من الف مليون من سكان الارض.

وهكذا الشأن في مؤلفين اخرين ليس من الشاق على العارف باحدى اللغات الاجنبية ان يطل عليهم وهو ينمو بمؤلفاتهم ويربي شخصيته ويرقي نفسه وذهنه بدراستهم. وهنا يحتاج القارئ ان يتعمق في دراسة كاتب واحد قد يكون تولستوي او بردادشو او غوتيه او فولتير. وهو بالطبع يختاره لانه يميل اليه اكثر مما يميل الى غيره. وعليه عندئذ ان يتوسع في دراسة هذا الكتاب, يدرس حياته ومؤلفاته معا. ويتعمقها حتى يعيش في عصره ويحس بمشكلاته الفنية والدينية والاجتماعية والسياسية. وهي بالطبع مشكلات تتكرر .

لكن رؤيا الاديب العظيم تجعلنا نزداد لها فهما وبصيرة, وهذا الى غيره من الادباء.
واى هذا يجب الاشتراك في المجلات الكبرى الاوربية والامريكية حتى يبقى القارئ على دراية بالتيارات العامة في الادب. لان هذه المجلات تعني كثيرا بأبراز الجديد من النزعات الادبية والالتفات اليها بالتقدير العادل.
* من اعمال سلامة موسى مع التصرف




رضا العطار

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية