|
|
|
|

عدوان على اللغة
أ. فريدة النقاش
كان اكتمال النصاب القانوني لانعقاد الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين ردا قويا على المتربصين بالنقابة، والساعين لفرض الحراسة عليها انتقاما من الموقف الصلب الذي اتخذته دفاعا عن الحريات، رغم كل ما شاب هذا الموقف من مآخذ ونقاط قصور بل وعجز وبعض صراعات شخصية.
توافدت الاجيال الجديدة من الصحفيات والصحفيين على مبنى النقابة في شارع عبد الخالق ثروت الذي وصفه بعض رجال الأمن بأنه شارع الشغب ، إذ يقع فيه أيضا نادي القضاة ونقابة المحامين. وكان مشهدا مفرحا أن تتلاقى الايجال الجديدة مع شيوخ الصحفيين- وأنا منهم- ليختاروا نقيبهم ومجلسهم بعد المناكفات القضائية التي استهدفت تجميد النقابة وإلغاء أدوارها.
شعرت بالألم الشديد- رغم كل هذه العناصر المفرحة – حين أخذت أقرأ البيانات التي أصدرها الزملاء والزميلات من المرشحين والمرشحات ليقدموا أنفسهم وبرامجهم، فهالني ما في معظمها من اخطاء لغوية نحوية واملائية وجدت نفسي عاجزة أمامها عن استكمال القراءة.
اختار هؤلاء مهنة تلعب اللغة فيها دورا أساسيا. وعلى ما يبدو فهم اعتبرو هذا الدور هامشيا ماداموا قادرين علي تكوين مصادر والوصول إلي الاخبار أو إلي المواقع التي يجرون تحقيقاتهم بشأنها معتمدين في سلامة اللغة علي "الديسك" الذي يقوم بإعادة الصياغة، وعلى المصححين الذين يراجعون اللغة، ويقع اولئك وهؤلاء أيضا في اخطاء كبيرة نتعرف عليها بالقراءة المتأنية لصحف قومية وحزبية وخاصة. أي أن المسألة أشمل من الصحفيين الأفراد.
وكنت منذ سنوات قد لاحظت أن الكثير من المذيعين والمذيعات يرتكبون اخطاء مشابهة لدي قراءة الاخبار وتقديم البرامج. ومما يزيد الطين بلة كما يقال أن هناك ايضا نقصا فادحا في المعارف العامة لدى كل من الصحفيين والإعلاميين وطلاب المدارس والجامعات وصولاً لأن يسأل أحدهم: من هو جمال عبد الناصر؟
ولا نستطيع أن نلقي بالمسؤولية كلها على عاتق هذه الأجيال ، لأنها في حقيقة الأمر مسؤولية السياسات التعليمية والإعلامية قبل كل شيء آخر. ونحن نعرف أن هناك تلاميذ في مدارس الفقراء- وهي غالبية المدارس في مصر- يحصلون على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية دون أن يعرفوا كتابة اسمائهم بشكل صحيح. وفي مدارس الأغنياء- اللغات والأجنبية- تتوارى اللغة العربية خلف اللغات الأجنبية التي يتعلمها الطلاب، وبعضهم يخجل من التحدث بالعربية، فضلا عن الجهل بكتابتها فما بالنا بمبادئها، وقد شاعت في بعض هذه الأوساط كتابة العربية بالحروف اللاتينية.
ويشكل هذا الوضع المثير للقلق ما اعتبره عدوانا مركبا لا على اللغة العربية فحسب، وإنما أيضا على الروح الوطنية، إذ أن اللغة هي وعاء الروح، وتؤدي خلخلة أسسها وركائزها الأولية الممثلة في النحو والإملاء والمفردات إضعافا لهذه الروح الوطنية وانتقاصا منها، وهو ما يحتاج إلى خطة قومية متكاملة لإصلاح التعليم، والتدقيق في تدريب الصحفيين والإعلاميين لتصبح المعرفة بأصول اللغة مكونا أساسيا في التكوين المهني لهؤلاء الذين يلعبون أدوارا مهمة في بناء وجدان الأجيال الجديدة وذهنيتها وروحها الوطنية.
بقيت نقطتان : الأولى أن نحو اللغة العربية يحتاج إلى إصلاح طالما نادى به باحثون ومفكرون وجرت مهاجمتهم بقسوة بادعاء زائف أنهم يريدون العبث بلغة القرآن.
أما النقطة الثانية فهي أن المعارف التي تحصل عليها شباب مصر الذي أنجز ببراعة كل موجات الثورة عبر تعاملهم مع أدوات التواصل الاجتماعي وانشغالهم الحقيقي بقضايا بلادهم ورفضهم للفساد والاستبداد، كل هذا ساعدهم على القفز فوق الحواجز التي صنعها التعليم البائس والإعلام السطحي فاستخدموا لغتهم الوطنية في كل أعمالهم الثورية فخورين بها مقدمين نموذجا فريدا في الإيثار والعطاء سوف يلهم القادمين على مر العصور.
المدى
|
|
|
|
|
|