للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الوهم الفرنسي

أ.د. فؤاد بوعلي

ألقى الدكتور مازن المبارك محاضرته «التصحيح اللغوي... كلام في المنهج» في قاعة محاضرات مجمع اللغة العربية وذلك يوم الخميس الموافق لـ26 آذار 2015، بحضور شخصيات تُعنى بالشأن الثقافي والمعرفي ووفد من الإعلاميين.
 
وقد بيّن الدكتور مازن المبارك في محاضرته أن الكثير من المؤسسات الرسميّة والأهلية تُعنى بالشأن اللغوي والقضايا اللغوية، لكن يعيبها أنها متباعدة ومتبعثرة، وقد يقع الخلاف بينها فيما يتصل بالتعريب، والمصطلح، وجواز الاستعمال. واستطراداً لذلك يشير الدكتور «المبارك»: «وكان المأمول أن يكون اتحاد المجامع اللغوية المركزَ الجامعَ الذي تصل إليه المقترحات والقرارات، من المَعنيّين باللغة، ثم تصدر عنه وباسمه، وتُعمَّم على المجامع والجامعات والمراكز في البلاد العربيّة كلّها.. كما كان المأمول أن يكون مكتب تنسيق التعريب في المغرب مركزاً لتنسيق التعريب لا للانفراد بالتعريب.. ولكنّ كلّ ذلك المأمول ظلّ أملاً يراود اللغويّين العرب!».
يقول الدكتور «مازن المبارك» إن الحلّ المفترض لهذه المسألة يجب أن يتوافر في وحدة المناهج التي ستوصلنا لنتائج موحدة حتماًً، وبين أنه ليس عسيراً على أي مجمعٍ لغويّ عربيّ، أن يدعو إلى مؤتمر يدرس المشاركون فيه المناهج التي ينبغي العمل بموجبها في التعريب، وتفصيح العاميّ، ووضع القواعدَ أو الضوابط التي يُقرّون العمل بها. ويستشهد أيضاً بما ذكره الرافعيّ في أحد كتبه: «أن اللغة» كلحنٍ موسيقيّ مُكتملٍ، تَطْرب الآذان له حين تسمعه، على حين إن للألفاظ نغماتٍ مفردةً في تكوين ذلك اللّحن، لا قيمة للواحدة منها إذا انفردت، ولا يظهر جمالها إلا إذا اتَّحدت وانسجمت في تشكيل ذلك اللّحن، وأنت لا تطرب لتلك النغمات إلا إذا اجتمعتْ منسجمةً في أداء ذلك اللّحن. وفي نقطة بارزة عن وحدة اللغة بنسيجها واتحاد مفرداتها لتعطيها قوامها السليم يقول مازن المبارك: ولو لم تكن قيمة اللغة الحقيقيّةُ بصياغة نسيجها لا بمفرداتها لَما أدرك العربُ إعجاز القرآن، ولما سلَّموا بتحدّيه، لأن حروفه هي حروفهم، وألفاظه هي ألفاظهم؛ وما لم يكن من لغتهم فقد عرفوه من قَبلُ وأدخلوه حياتهم حتّى ظهر وكأنه من لغتهم. وهل قال أحد إن إعجاز القرآن بألفاظه المفرَدة؟! ألا يَعْني هذا أن النسيج اللغويّ هو الذي يُعطي اللغة وجهَها الصَّحيح ويُعطي الكلام مرتبتَه في طبقات البيان؟».
يقع اللوم بصورة خاصّة اليوم على الكتّاب والأدباء، بحسب رأي الدكتور مازن المبارك فقد باتوا مساهمين في تفصيح العاميّة، والعمل على إبعاد الجيل عن أساليب العربية الجيّدة أو الرفيعة، والصحيحة، وبذلك يُجرِّدون الناس مما يدركون به جمالَ اللغة والإحساسَ بها وبأساليب العربية الراقية. ومن جانبٍ آخر يؤكد أن هناك من يُعنى من الباحثين بتصحيح المفردات، وينصرف إلى بيان العاميّ منها، وإلى ما أصاب المفرَدةَ على لسان العامّة، وتبيين ما هو دخيل أو أجنبيّ، ومنها ما كان بنشاط فردي ومنها مؤسساتي. وينبّه الدكتور «المبارك» أيضاً هنا أن على المتتبّع لهذا النشاط اللغويّ أن يقف عند أمور «يَحسُن التنبّه فيها والحذر» وقد اقتطفنا منها الآتي:
1- من هذه الأمور أمرٌ يتّصل بالمنهج الذي يأخذ به بعض العاملين في التصحيح اللغويّ، وهو الأخذ بالأشْيَع، أو بما شاع وانتشر، وغلب على الألسنة والأقلام.
2- إن كثيراً من الكتّاب لا يفرّقون بين معاني الكلمات التي تحمل معنىً عامًّا، ويستعملونها وكأنها واحدة أو مترادِفة، ثم نجد كثيرين ممّن كتبوا في التصحيح اللغويّ يَقبلون ذلك، ويَطمسون المعانيَ المختلفة والفروق الدقيقة بين معاني الكلمات بحُجَّة أن استعمال العامّة لها ضيَّع تلك الفروق.. لكن العجيب أن العامّة أضاعت ذلك عن جهل، وأما العلماء فأضاعوها عن عِلمٍ أُوتوه.
3- إن اللَّفظ العاميّ الذي يوجد له بديل في الفصحى، لا حاجة إلى تفصيحه ولو شاع وانتشر، وكذلك الأجنبيّ الذي له مقابل في العربيّة.
4- إن مخالفة اللغة الفصيحة ليست بترك الإعراب وحدَه، وهو أهْوَن المخالفات، وليست بقبول العاميّ فقط، ولكنها تكون بما هو أقبح من ذلك، وهو مخالفة الصِّيَغ أو الأبنية، وابتداعُ أبنية جديدة لا تُعرف أصولها ولا دلالاتها.
وفي مثالٍ ألقاه الدكتور مازن حول التعابير والمعاني يقول: في العربية ثلاثة تعبيرات عن معنىً واحد هي:
1. الأمين العامُّ للجامعة.
2. أمينُ الجامعةِ العامُّ.
3. أمينٌ عامٌّ للجامعة.
وهي كلُّها صحيحة فصيحة خفيفة، مقبولة تركيباً ونحواً، معبِّرة عن المعنى المُراد، ومع ذلك اشتغل عدد من العاملين في الحقل اللغويّ، ومن أفاضل الباحثين ليجيزوا وجهاً رابعاً هو قولهم (أمين عام الجامعة). وقد بذلوا كلّهم في سبيل ذلك وقتاً طويلاً، وأخذت مذاكراتهُم ومناقشاتهم جلساتٍ من لجانهم، وغاصوا في بطون الكتب محاولين إيجاد وجهٍ ولو نادراً لتخريج هذا التعبير، واستقصَوا الموضوعات النّحوية التي تتصل بالفصل بين المتضايفين، وبجواز إضافة النعت إلى منعوته.. وتأوّلوا ما تأوّلوا في سبيل الوصول إلى فتوى نحويّة تُجيز هذا التعبير المشوَّه، وكأنَّ المشكلة في التركيب مشكلةً نحويَّة تَتوقَّف على صحَّة إعراب كلمة (عام).
وفي وقفة مع المترجمين والمعرّبين وواضعي المصطلحات يشير الدكتور ما زن إلى نقطة مهمّة هي: «إن الّذين اهتمّوا بالتعريب قديماً وحديثاً بذلوا معظم جهودهم في المفردات؛ فأحصت كُتبهم ما دخل إلى العربيّة من مفردات أجنبية، وصنّفوا الدَّخيل منها بحسب أصوله أو انتمائه الأجنبيّ، وحدّدوا اللغات التي دخل منها، وحاولوا وضع ضوابطَ لجواز دخول الغريب».
ومن النقاط البارزة التي عرّج عليها الدكتور «مازن»: «المصطلح العربيّ الذي يوضع في مقابل مصطلح أجنبيّ يجب أن يكون (معرَّباً) يدلّ على المعنى ويراعيه، وليس (مترجَماً) يراعي الأصل الأجنبيّ أو اللاتيني للّفظ الأجنبي، وإلا فإن القارئ العربيّ يحفظ المصطلح بلفظه ويستعمله بحسب تعريفه، وهو غيرُ مُتمثّلٍ له ولا مُدرِكٍ كُنْهَهُ. وإذا تُرجِم المصطلح فلا بدّ أن تكون الترجمة بكلمةٍ تدلّ على معناه وتراعيه أكثر من مراعاتها لأصله ولفظه».
وفي ختام المحاضرة أضاف الدكتور «مازن المبارك» ملاحظاته: «إنّنا إذا قعَّدنا كلَّ استثناء وكلَّ شاذٍّ وألحقناه بقواعد لغتنا، كان عندنا في كل قاعدة حكمان متناقضان! ولم يكن النحويّون القدماء غافلين عمّا استشهد به المفتون اليوم من الشواهد، ولكنهم صنعوا ما يصنعه كل مشرِّع أو واضع لقانون؛ أخذوا الكثير المنتشر ووضعوا القاعدة على وفقه، وحفظوا ما خرج عن القاعدة من قليلٍ أو نادرٍ أو شاذّ، واعترفوا به ممثِّلاً لإحدى اللهجات، ولكنهم منعوا القياس عليه، ولولا ما فعلوه من ضبط وتهذيب وتشذيب، واقتصار على الكثير لما كان في العربية ولها هذا الصرح المحكم من البناء النحويّ، ولدخل كلَّ قاعدة ما يخالفها!! كما أوضح أيضاً: «إن تتبّع القواعد ونقص أحكامها بتجويز القياس على ما خرج وشذّ عنها، هو أول الوهن وأول الهدم، وهو شبيه بعمل الذين تتبّعوا كتب التصحيح اللغوي، وراحوا يحتالون للردّ عليهم ونقض ما قالوه، وقبول ما أنكروه». ويوجّه ختاماً كلامه: «إني ما كتبت إلا للزملاء المعنيِّين باللغة، والعارفين بها وبحقيقتها وبقيمتها، والمُدرِكين لآثارها في شخصيِّة الفرد وفكره، وفي حياة المجتمع ووحدته، وفي حياة الأمة ومستقبلها».


هسبريس

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية