للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

وإلاّ... واعروبتاه

د. شرف أبو شرف

يوم كان الشرق ينحدر بسرعة نحو التتريك كان مسيحيوه أول من أطلق "العروبة" في القرن التاسع عشر حفاظاً على الهويّة من الاندثار، وتمسّكاً بالخصوصية. ثم جاءت العولمة تنشر ثقافة الغرب وبخاصة الثقافة الأميركية، فراحت ثقافات كثيرة تنحسر أمامها. فهل ننزوي أمام تيار العولمة هذا أم ننخرط فيه، نأخذ منه ما يلائمنا ونضفي عليه بعضاً من حضارتنا، مشاركين الأمم والشعوب الحية إبداع مستقبل أفضل للجميع؟

وهل ما زال لمسيحيي الشرق دور أو رؤية للمستقبل في خضم التغيّرات الفاجعة التي نمر فيها كل يوم؟
كان الشرق قبل الإسلام، من اليونان ومصر، إلى لبنان وسوريا والعراق فبلاد فارس، موطن العلم والثقافات. ويوم فتح الخليفة عمر بن الخطاب الشرق في القرن السادس، اعتمد على المسيحيين في الترجمات من اليونانية والسريانية لإغناء اللغة العربية، بخاصة في حقول الطب والحساب والفلسفة والميتولوجيا، كما وظفوا خبراتهم في إدارة شؤون البلاد. وباتوا في العهود اللاحقة وبخاصة العهد العباسي، في القرن العاشر، ينهلون الثقافة نفسها، منفتحين على الفكر اليوناني، بينما الغرب يتخبّط في الظلمات. عندما وصل الصليبيون المتفوقون عسكرياً الى منطقتنا، ذهلوا بمستوى العلم والثقافة عندنا، كما سخر العرب من جهلهم. كانت اللغة العربية يومها لغة العلم والثقافة حتى إن الجامعات الكاثوليكية في فرنسا كانت تدرّسها في باريس وبولونيا. الطبيب الخاص المرافق لصلاح الدين الأيوبي عمران موسى ابن ميمون كان يهودياً عربياً وضع مؤلفاته بالعربية. المسيحيون في الأندلس كتبوا بالعربية. أين هي لغتنا اليوم في زمن العولمة، وقد صارت بعيدة عن واقع الثقافة العالمية؟ وهل في استطاعة الجيل الجديد أن يعبر بالعربية عما يدور حولنا من تقدم واختراعات كالمعلومات مثلاً؟ لماذا يهرب تلاميذنا من هذه اللغة، هويتنا، إلى اللغات الأخرى؟ أليس بإمكاننا جعل العربية لغة عصرية كما فعل المؤلفون والكتّاب العرب في الأعصر العباسية؟ اللغة التي لا تتجدّد يهجرها أهلها أو تنطفئ فتموت. المسيحيون أدخلوا الى اللغة العربية آلاف الكلمات والعبارات التقنية الملائمة للتطور والعلم وأخذها الغرب عنا في ما بعد كالحساب و"اللوغاريتم".
ثم جاء عهد الانحطاط بعد سقوط بغداد في أيدي المغول واستعمار العثمانيين، في القرن الخامس عشر، المنطقة العربية. بينما كان الغرب يبني نهضته العلمية والفكرية بفضل اختراع المطبعة (غوتنبورغ 1468)، فعمل المسيحيون على ترجمة الفكر الغربي الى العربية حين كانت اللغة التركية تسيطر على الساحة، وأسّسوا المطبعة العربية في القرن السابع عشر، (دير مار قزحيا)، مئتي سنة قبل مصر، وأسسوا المدارس مع المرسلين في المدن الكبرى (طرابلس، صيدا، دمشق...) ونشطوا في الصحافة والأدب والصناعة والمسرح والاقتصاد وكانت مصر مجالهم الحيوي، فكانوا السبّاقين إلى الانفتاح على الثقافات الأخرى، متجذّرين في ثقافتهم، لأن الانفتاح على الآخر والتعلّق بالهوية هما الركيزتان الأساسيتان اللتان قام عليهما التاريخ، وبدونهما تقوقع فانكماش وزوال.
لقد تجذّر المسيحيون في أرضهم وحافظوا على لغتهم، وكانوا جسر التواصل العربي مع الثقافات: اليونانية فالأوروبية، ثم الأورو – أميركية... "لقد أخذوا من الشرق روحيته ومن الغرب علميته من دون أن يذوبوا في الأخذ أو يفنوا في العطاء". ("لبنانيات" لويس أبو شرف)
ان الثقافة واللغة في حاجة إلى تجدد وتطوّر دائمين. وثقافتنا مزيج من حضارات سبقتنا ولا يمكن ايقافها. كان المسيحيون وما برحوا مكوّناً أساسياً في المنطقة العربية، الى جانب اسلام حضاريّ منفتح، يدرك أركانه أنّ التاريخ يتّجهُ إلى المستقبل الذي تتحقّق فيه سعادة الانسان على الأرض، لأن الحياة مقدّسةٌ، لا يملكها أحدٌ غير خالقها، وحده، يحيي ويميت من يشاء.
بعدما باتت الكرة الأرضية مدينة واحدة وتقلّصت المسافات بين الدول، ننفتح على العالم وابداعاته فنأخذ ما يدفعنا الى مزيد من الارتقاء، وبما يلاءم المجتمع والمعاملات الانسانية، نعبر من الماضي الى آفاق الحياة! وإلاّ... فواعروبتاه...

النهار

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية