|
|
|
|

الفصحى واللهجات
د. حسن مدن
حين يزور الأكاديميون أو رجال الأعمال الأمريكان والبريطانيون بلداً مثل ماليزيا للمشاركة في مؤتمرات أو اجتماعات تغيظهم الطريقة التي يتحدث بها نظراؤهم الماليزيون اللغة الإنجليزية المطعمة بالمفردات المحلية، والتي لا تلتزم تماماً بقواعد النحو المرعية. وكانوا يلفتون نظرهم إلى ذلك أو يحاولون تصحيح نطقهم للمفردات والمصطلحات ما كان، بدوره، يثير استياء الماليزيين، الذين يردون بأنهم «طوروا» إنجليزية خاصة بهم، وليسوا معنيين بالتقيد بقواعد اللغة الأصلية.
ولكن رئيس الوزراء السنغافوري ناشد مواطنيه في خطاب عام 1999 التخفيف من استخدامهم لما يعرف ب«السنغاليزية» وهي هجين بين الإنجليزية والصينية والملايو والحفاظ على استخدام الإنجليزية الفصيحة إذا كانوا يريدون لدولتهم دوراً عالمياً أكبر.
الباحث في اللغة ديفيد كريستال يرى أن اللغة مؤسسة ديمقراطية جداً فتعلمنا لها يمنحنا الحق في أن نضيف عليها، نخترع فيها أو نغير أو نتجاهل بعضاً منها، لذلك فإنه يرجح أن مسار اللغة الإنجليزية التي باتت لغة عالمية سيتأثر بأولئك المتحدثين بها كلغة ثانية بقدر ما سيتأثر بمن هي لهم لغة أولى.
ثمة مراجعة للمنهج الذي يقول إنه لا توجد إلا لغة إنجليزية واحدة هي الفصحى، فمع الحرص على إبقاء ما لهذه الأخيرة من أهمية يتزايد الاعتراف بمكانة اللهجات المحلية واللكنات التي تدخل في نطاق الإقرار بمكونات الهويات الفرعية في الإطار اللغوي والثقافي العام.
يستدرجنا هذا للحديث عن العلاقة الملتبسة بين لغتنا العربية الفصحى ولهجاتها المختلفة، لا على المستوى القومي فقط، وإنما على مستوى كل بلد عربي.
صون الفصحى المهددة بتحديات كبرى واجب قومي، لكن كيف نتعامل مع اللهجات المتعددة التي ولدتها بيئات مختلفة لكل منها ثراؤها وخصوصياتها؟ ورغم أن الشقة بين الفصحى والدارج من اللهجات تضيق مع انتشار التعليم، لكن ليس قريباً اليوم الذي ستنتهي فيها هذه الشقة.
تجاهل ذلك يطرح علينا سؤالين كبيرين يتصلان بالإبداع بالعامية: ماذا سنفعل بأشعار صلاح جاهين وبيرم التونسي ومظفر النواب وأحمد فؤاد نجم وطلال حيدر وغيرهم؟ ماذا سنفعل بأغاني أم كلثوم وفيروز بالعاميتين المصرية واللبنانية.
الخليج
|
|
|
|
|
|