|
|
روسيا - لماذا يدرس أبناء موسكو الخط العربي؟
فيكتوريا سيميوشينا
افتتح مؤخراً أول مركز في موسكو لتعليم الخط العربي. وفيه يدرس الطلاب القواعد الأساسية للكتابة العربية، ويحفظون شكل الحروف ويتعلمون كتابتها مفردةً وموصولة مع بعضها. كان لموقع "روسيا ما وراء العناوين" لقاء مع مؤسس المركز فاسيلي كساب الذي يُدَرِّس فيه أيضاً، حيث حدثنا عن الخطة الدراسية المتبعة وعن آفاق استخدام المعارف المكتسبة في روسيا.
أخبرنا قليلاً عن نفسك... ومن أين أتت معرفتك باللغة العربية؟
ولدت لأم روسية من موسكو، ولأب سوري من مدينة اللاذقية سافر إلى روسيا لدراسة الطب، وفيها تعرف على والدتي وتزوجا. عاد والدي إلى سوريا، وعشت هناك في اللاذقية 15 عاماً، أنهيت خلالها المدرسة. ثم انتقلت إلى لبنان لأتابع دراستي في كلية التصميم في الجامعة الأميركية. وبعد التخرج، سافرت إلى ميلانو وحصلت هناك على درجة الماجستير في التصميم وعملت فيها حوالي ثلاث سنوات، لأنتقل بعدها إلى موسكو. والآن أعمل مديراً للإبداع في وكالة للعلامات التجارية.
كيف ظهرت لديك فكرة تأسيس مركز لتعليم الخط العربي؟
كان لي صديقة تُدَرِّس اللغة العربية. وهي أيضاًمن سوريا، وكنت على تواصل دائم معها. وعندما كنت أسافر إلى موسكو، كنت ألتقي بها دائماً. وعندما انتقلت نهائياً إلى موسكو، التقينا سوياً وبشكل غير متوقع ظهرت هذه الفكرة. لا سيما وأنه لم يسبق لأحد في موسكو أن افتتح مثل هذه الدورات أو درَّس الخط العربي.
وقد سبق لي أن مارست ذلك في لبنان، لأن دراسة الخط العربي كانت جزءاً من برنامج الدراسة في كلية التصميم. وكنت مهتماً كثيراً بهذا الفن. سارعت مع صديقتي إلى تنظيم أول مجموعة، ولم نكن نتوقع أننا سنعثر بسهولة على هذا الكم من الناس الراغبين في تعلم الخط العربي. ظننا أنه سيأتينا شخص أو شخصان على الأكثر. ولكن العدد وصل، ولا يزال يصل حتى الآن، إلى 8-9 أشخاص وأحياناً 12 شخص في كل مجموعة.
كيف بنيتم الخطة الدراسية لتعليم الخط العربي في مركزكم؟
نظراً لأن معظم مستمعينا لا يعرفون اللغة العربية، فقد قررنا بناء خطة التدريس على النحو التالي: في البداية يقوم الطلاب بأنفسهم بتعلم حروف الأبجدية العربية والشكل الهندسي لكل حرف. وتستغرق هذه المرحلة حوالي 5 دروس. تليها 5 دروس أخرى يتعلمون فيها وصل الأحرف ببعضها، وهذا هو الجزء الأصعب.
أما ما يتعلق بأنواع الخطوط، فإن لكل خط تفاصيل نمطية خاصة به. ونحن ندرس خط النسخ، الذي يشكل ركيزة جيدة لتعلم الأنماط الأكثر تعقيداً فيما بعد. تتكون الدورة التدريسية بالإجمال من 12 حصة دراسية، مدة كل منها تتراوح من ساعتين إلى ساعتين ونصف.
ما طبيعة الناس الذين يقصدون مركزكم؟
هم متنوعون جداً. تجد بينهم المنتج الفني أو المخرج الذين يأتون بحثاً عن مصدر جديد للإلهام. وهناك عدد كبير من طلبة المعاهد الفنية والتصميم، الذين ينصبّ اهتمامهم على الشكل الفني. وهناك أناس يدرسون العلوم الدينية. والخط العربي مهم بالنسبة لهم كاستمرار لتعليمهم الديني.
إنهم يقرؤون القرآن الكريم، ويرغبون بفهم بنيانه من حيث الكتابة. وكان هناك فنانون وأناس مهتمون بصناعة الخزف والبلاط قَدِموا إلينا خصيصاً بعد حصولهم على حجوزات لصناعة بلاط على النمط الشرقي. وكان لدينا شخص يمارس الكتابة على ألواح الرخام.
من الأكثر في مركزكم ، البنات أم الشباب ؟
الفتيات هن الأكثر وهن عموماً أكثر صبراً من الشباب. على الرغم من أنه كان هناك أحد الشباب وكان منغمساً كلياً في الدراسة، وتبين أنه درس الخط العربي في مكان ما سابقاً.
ما هي الصعوبات التي تواجه المنتسبين إلى الدورات؟
الصعوبة الأولى هي عدم معرفة اللغة العربية. بالنسبة للكثيرين، يبقى فن الخط على مستوى التذوق الجمالي للشكل، ولا يتعداه إلى فهم المعنى اللغوي. والمعنى هام جداً هنا، فبعد دراسة الشكل الهندسي للحروف، تأتي مرحلة جديدة وهي إدراك المعنى.
هناك مشكلة أخرى تواجه الدارسين وهي مرتبطة بأداة الكتابة. فرأس القلم مقصوص بزاوية محددة ويجب اختيار الوضعية الصحيحة لمسك القلم وحركته للحصول على الرسم الصحيح للأحرف. نقوم بشراء الأقلام الجاهزة المخصصة للخط العربي حسب الطلب. ونستخدم كذلك قصب الخيزران الذي يصنع منه قلم الخط العربي التقليدي.
بعد إتمام هذه الدورات، يتعلم الطلاب، الذين لا يعرفون اللغة العربية، نسخ الكلمات العربية بصورة جميلة. ربما لن يتعلموا كيفية التقيد بالكتابة على أصولها، ولكن سيكون بوسعهم إطلاق العنان لمخيلتهم وتحوير هذه الأحرف إلى أشكال جمالية تتعدى كونها مجرد أحرف. وهناك كثيرون يتابعون دراسة اللغة العربية بعد إتمامهم لهذه الدورات.
هل بمقدور أي شخص تعلم فن الخط؟
الفن موهبة. ولكن الخط هو قبل كل شيء مهارة، ويمكن أن يتحول إلى فن مستقل بذاته حيث يحور النص ليكون على هيئة أحد الحيوانات أو الطيور أو أي شكل هندسي. ويمكن كذلك أن يتحول إلى تكوين مجرد بدرجات متفاوتة من التعقيد أو إلى لوحة فنية.
وهنا لا بد من الموهبة، والحس بالانسجام وتناسب كل المكونات في الفضاء المشترك. أما الخط كمهارة، فهو أن تخط سطراً جميلاً من الكلمات، وهذا يتطلب الممارسة لتعتاد اليد على الكتابة، وهذا في متناول أي إنسان لديه الرغبة والصبر والمثابرة.
ما هي مجالات استخدام هذه المهارات في روسيا؟
بالطبع لا توجد امكانيات كبيرة لاستخدام هذه المهارات في روسيا. وهذا يعود إلى غياب الجمهور المعني بهذه المهارات. ففي روسيا يُنْظَر إلى الخط العربي كنوع من الهواية النادرة. ومع ذلك، ثمة أفق ما في تعلم هذه المهارة. فالناس يدرسون الخط العربي لاكتساب مهارات، قد تمكنهم من تحقيق الذات بالمعنى الإبداعي. ومن هذه الناحية، فإن فن الخط يمنح من يمارسه قواعد صحيحة جداً ويتيح التعامل مع مواد متنوعة مثل الحبر والورق وقصب الخيزران.
هل لديكم مشاريع أخرى مرتبطة بفن الخط؟
هناك رغبة كبيرة في تطوير هذا الاتجاه عموماً. ولدينا أفكار عديدة، من بينها إنتاج كل ما يتعلق بالقهوة من فناجين وغلايات وغيرها من الأواني على النمط الشرقي. وهناك أفكار شبيهة في مجال صناعة الحلي والمجوهرات.
هل تحافظون على التواصل مع طلابكم بعد اتمام دراستهم؟
بالطبع، فأنا أتواصل مع الجميع عبر الـ "فيسبوك". وغالباً ما يرسلون لي اسكتشات لأعمالهم ويطلبون إبداء الرأي والنصيحة. وبعضهم يواصل بنشاط شحذ مهاراته في تعلم الخط العربي.
روسيا ما وراء العناوين
|
|
|
|
|