|
|

عن أية لغة تتحدثون
د. زين العابدين سليمان
كثيرا ما نقرأ تعاريف للغة تندرج كلها في سياق اعتبار اللغة أداة ووسيلة للتواصل بين بني البشر، وهذا غير كاف ذلك أن اللغة تعد الميزة الأساسية التي ميز الله بها الإنسان عن باقي المخلوقات، مع العلم أن جميع المخلوقات تتواصل فيما بينها بالرغم من عدم استعمالها للغة، بالإضافة إلى أن التواصل لا يتم فقط باللغة، وقد عرف ابن خلدون اللغة بأنها "ملكة في اللسان للعبارة عن المعاني وهي في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم"، وعرفها الشيرازي في القاموس المحيط بأنها "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"، وهناك تعريف آخر ورد في كتاب حلمي خليل اعتبره مما تداوله بعض الباحثين وارتضاه عدد منهم وعلى رأسهم حسن ظاظا الذي اتخذ منه تعريفا دقيقا له، وواضع هذا التعريف عامل اللغة الأنتروبولوجي اداوارد سابير يقول: "اللغة ظاهرة إنسانية و غير غريزية لتوصيل العواطف والأفكار و الرغبات عن طريق نظام من الرموز الصوتية".
إن تشومسكي العالم اللساني الأمريكي أدلى بدلوه في هذا الموضوع حيث عرف اللغة بقوله: "اللغة ملكة فطرية عند المتكلمين بلغة ما لفهم وتكوين جمل نحوية"، على ضوء هذه التعريفات كلها سنحاول التطرق أيضا إلى تعريف خلف الله حيث يقول: "إنها نظام اصطلاحي مؤلف من رموز تعبيرية وظيفتها النفسانية أن تكون آلة للتحليل والتركيب التصورين، ووظيفتها العملية أن تكون أداة للتخاطب بين الأفراد"، ثم يشرح خلف الله تعريفه فيقول: "هذه الوظيفة النفسانية للغة وبغيرها لا تَعتبر الأصوات كلاما أو لغة، وهي الناحية التي تميز الإنسان من الحيوان وتريك أهمية الوراثة الكبرى التي يرثها كل طفل من لسان أبيه وجده، ومن خصائص اللغة أنها تتألف من رموز تعبيرية وظيفتها أن تحفظ أمام الذهن معاني خاصة".
من كل هذه التعريفات وخصوصا التعريف والشرح الذي قدمه خلف الله نستطيع بسهولة أن نستخلص الخاصية المميزة من حيث وظيفتا وأهميتها، غير أن هناك حقيقة هامة انفرد بها تعريف خلف الله عن باقي التعريفات الأخرى، فهو يرى أن للغة وظيفة نفسانية تعمل على إسقاط كل ما يروج في مخيلة الفرد إلى أرض الواقع وإخراج كل ما هو كامن في الذهن البشري من كلمات وألفاظ.
تعني اللغة كل الوسائل اللفظية وغير اللفظية الممكنة للتفاهم بين الكائنات الحية لأن حركة اليد لغة، وإيماء الرأس لغة، وغمز الحاجب لغة، وقس على ذلك كما يقال. فالإشارة التي تؤدي إلى فهم معنى ما تخدم نفس الغرض الذي تسعى الألفاظ إلى تحقيقه، كل هذا وغيره يجعل من اللغة النواة الأساسية لدراسة أي علم، وليس مجرد تجنيس وشعارات مرفوعة أمام هذا الزخم المعرفي، فاللغة العربية والفرنسية والإنجليزية وغيرها من اللغات الحية، ليست بمعزل عن الإنسان وعن تطور محيطه، وكلها تضطلع بمهمة وهدف واحد ووحيد، وبالتالي لا علاقة لاختلاف اللغة بتقدم شعب وتخلف شعب آخر، وإنما التأثر بالآخر، والانبهار بثقافته، والعجز أمام ما توصل إليه، والبكاء على الأطلال والحنين إلى الماضي دون التشبث بالهوية، والقيم الثقافية الأصيلة، هو المعيق الوحيد وراء ذلك.
فهل تدرون ما تقولون عن اللغة؟ أم تنطبق عليكم مقولة لكم لغتكم ولي لغتي.
|
|
|
|
|